الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تركيا... تاريخ من الانقلابات العسكرية (1)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
جاءت محاولة الانقلاب الفاشلة فى تركيا يومى ١٥ و١٦ يوليو الماضيين كطوق نجاة للنظام التركى تحت قيادة السيد رجب طيب أردوغان، لقد شهد العام الحالى سلسلة من الأزمات التى صاحبت نظام أردوغان، بداية من العلاقة المتوترة مع روسيا بعد حادث الطائرة الروسية، وفرض الروس قيودا على نظام أتاتورك، خاصة العقوبات الاقتصادية، إضافة إلى استنكار الغرب لموقف تركيا من دعم سوريا والعراق، وتصاعد الأزمة السياسية مع الأكراد، خاصة حزبى العمال والشعب، وأخيرا محاولات تركيا استثمار وابتزاز دول الاتحاد الأوروبى على خلفية ملف اللاجئين، ثم جاءت الهجمات الإرهابية المتكررة عبر الأراضى التركية سواء من تنظيم داعش أو من حزب العمال، مما فرض حالة من عدم الاستقرار على الأمن الداخلى ووضع حكومة أردوغان فى مأزق، خاصة بعد تخلى الإدارة الأمريكية عن دعم المشروع التركى فى سوريا، وعدم الاستجابة للطلب التركى المتكرر بأهمية إنشاء المنطقة العازلة على الأراضى السورية حتى تتمكن تركيا من مجابهة الحركات الكردية، بينما فضلت الإدارة الأمريكية التعاون مع الجانب الروسى فى إدارة الملف السورى الذى يقضى بالحفاظ على نظام بشار فى المرحلة الأولى من الحل السياسى والتفرغ لمحاربة الإرهاب، خاصة التنظيمات الإسلامية الجهادية، وقد اضطرت تركيا للموافقة على هذا المسار مؤخرا، ونقلت تعهداتها مع السعودية ودول الخليج التى ترى من وجهة نظرها أنه لا مكان لبشار الأسد فى أى مرحلة من مراحل الحل السلمى. تأتى محاولة الانقلاب الداخلى الفاشلة كواحدة من سلسلة الانقلابات العسكرية التى اتسمت بها مراحل التاريخ الحديث لتركيا، خاصة أعوام (١٩٦٠-١٩٧١-١٩٩٣-١٩٩٧ وأخيرا ٢٠١٦).
الانقلاب العسكرى التركى ١٩٦٠
كان انقلاب ٢٧ مايو هو أول انقلاب عسكرى فى تركيا، قامت به مجموعة من ضباط القوات المسلحة التركية خارجين عن قيادة رؤساء الأركان، ضد الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا لحزب الديمقراطية يوم ٢٧ مايو ١٩٦٠. ووقع الحادث فى وقت من الاضطرابات الاجتماعية والسياسية والمصاعب الاقتصادية، حيث كانت المساعدات الأمريكية حسب مبدأ ترومان ومشروع مارشال نفدت، ومن ثم كان رئيس الوزراء، عدنان مندريس، يخطط لزيارة إلى موسكو أملاً فى وضع خطوط بديلة للائتمان. كان العقيد ألبارسلان ترك، الذى أعلن الانقلاب فى الإذاعة والذى كان أيضًا عضوًا فى الخونتا، من بين أول ستة عشر ضابطًا تم تدريبهم عام ١٩٤٨ من قبل الولايات المتحدة الأمريكية لتشكيل المنظمة المقاومة المعادية للشيوعية، مكافحة التمرد. وهكذا، ذكر صراحة الإخلاص والولاء لمنظمة حلف شمال الأطلسى وحلف بغداد فى خطابه القصير إلى الأمة، وحتى الآن لا تزال أسباب الانقلاب غامضة. قامت الخونتا بإجبار ٢٣٥ قائدًا وأكثر من ٣٠٠٠ ضابط مكلف على التقاعد، وقمع أكثر من ٥٠٠ قاض ونائب عام، و١٤٠٠ من أعضاء هيئة التدريس بالجامعات، واعتقال رئيس هيئة الأركان العامة التركية، والرئيس، ورئيس الوزراء وغيرهم من أعضاء الإدارة، وتبع ذلك تعيين رئيس أركان الجيش، القائد جمال جورسيل، كرئيس للدولة، ورئيس للوزراء ووزير للدفاع. وقد انتحر وزير الداخلية، نامق جيديك، أثناء احتجازه فى الأكاديمية العسكرية التركية. وتم عرض الرئيس، محمود جلال بايار، ورئيس الوزراء، عدنان مندريس، وعدد من أعضاء الإدارة الآخرين للمحاكمة أمام محكمة كانجارو التى عينتها الخونتا فى جزيرة ياسيادا فى بحر مرمرة. واتهم السياسيون بالخيانة العظمى وإساءة استخدام الأموال العامة وإلغاء الدستور. انتهت المحاكم بإعدام عدنان مندريس، ووزير الشئون الخارجية، فاتن روستو زورلو، ووزير المالية، حسن بولاتكان، على جزيرة إمرالى فى ١٦ سبتمبر ١٩٦١. وبعد شهر، عادت السلطة الإدارية للمدنيين.
انقلاب عام ١٩٧١
نتيجة الركود الاقتصادى طوال فترة الستينيات، وتراجع البرنامج الأمريكى فى دعم الاقتصاد التركى شهدت تركيا العديد من الاحتجاجات الجماهيرية حتى وصلت إلى مرحلة أعمال العنف والسرقة والاغتيالات من قبل منظمات يسارية، وشهدت هذه الفترة تشكيل جماعات مسلحة عمالية وطلابية فى مواجهة الجماعات اليمينية والقومية والإسلامية المسلحة، كما حدثت انشقاقات فى حكومة سليمان ديمريل، وعلى إثرها دخلت البلاد فى حالة من الفوضى العارمة، وأصبحت سرقة البنوك واختطاف الجنود الأمريكيين مقابل دفع الفدية من أهم مظاهر العنف فى البلاد حتى وصلت تركيا إلى ١ يناير ١٩٧١ توقف العمل فى المصانع حتى ١٢ مارس، وأصبحت الحركة الإسلامية أكثر أو أشد عدائية لخصومه السياسيين، وقام حزب النظام الوطنى الإسلامى بمهاجمة أتاتورك والفكر الكمالى علنا مما أثار غضب القوات المسلحة التى تعتبر نفسها حامية لدولة أتاتورك، وأنها منوطة بفرض حالة الاستقرار والانتصار لصالح العملية العلمانية، وبناء على ذلك فقد تقدم رئيس هيئة الأركان التركى، ممدوح ناجماك، فى ١٢ مارس ١٩٧١ بمذكرة سلمها لرئيس الوزراء تحمل إنذارا أخيرا من القوات المسلحة، وتؤكد طلب تشكيل حكومة قوية فى إطار المدى الديمقراطى على أن تضع حدا للفوضى الحالية، وتعمل على تفعيل نصوص الدستور المنصوص عليها، وعندما وقع الانقلاب العسكرى لم يكن هناك أى مفاجأة لأى فصيل سياسى إزاء العجز فى حكومة سليمان فى حل الأزمات والمشاكل وإنهاء حالة الفوضى التى كانت تعم البلاد، وعلى غير المتوقع جاءت حركة الانقلاب لمحاربة شبح الشيوعية ولإعادة نظام الدولة والقانون، وقد نجح قادة الانقلاب فى دعم نظام حقق أهدافه السياسية، وذلك بدعم وتقوية الدولة وأجهزتها ضد المجتمع المدنى، وفرض القيود على وسائل الإعلام والمحاكمات السريعة وإنهاء حالة استقلال الجامعات فى محاولة السيطرة على الحركة الطلابية، ومع كل هذه الإجراءات لم يحدث تغيير حقيقى فى الوضع الداخلى لتركيا.
ونستكمل فى الحلقة القادمة...