الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

همّام عطية.. قائد "أجناد مصر" ومؤسسها الأول

الوجه الآخر لآلهة العنف

همّام عطية
همّام عطية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ليس هناك سبب محدد جعلنى أؤخر الحديث عن همّام محمد أحمد عطية، زعيم تنظيم أجناد مصر، رغم أننى تحدثت عمن هو أصغر منه تنظيميًا، وأقل عنه خطورة، غير أننى كنت أعلم أننى لن أتغاضى عن الحديث عنه، وهو مؤسس أخطر تنظيم داخل المحافظات المصرية فى السنوات الثلاث الأخيرة. 
هل تصدقون أننى التقيت به، قبل مقتله بحوالى شهرين، كنت على الطريق الدائرى، وبينما أنا أنزل على درجات السلم الذى يصل بى إلى شارع المنشية، بالطوابق، كان هو يصعد، وحين التقت أعيننا ببعض، توقف كلانا لبرهة.. خشيت أن يكون قد تذكرنى، ويبدو أنه خشى أيضا أن أكون قد عرفته، هم بالحديث معى، لكن خوفى كان أكبر فانصرفت على الفور، بينما لاحقنى بابتسامة باهتة، وأنا أتغاضى عن نظراته الحادة، وأدعو الله ألا يلاحقنى، فى تلك المنطقة التى شهدت نهايته فى إحدى الشقق التى اتخذها سكنا ووكرا ومصنعا للسلاح.
همّام محمد أحمد عطية، قضى نحبه عن عمر ٣٦ عامًا، كان مقيمًا بشارع الشيخ أحمد بدرى، مدينة الأحرار بمنطقة المرج التابعة لمحافظة القاهرة. فى نهاية السبعينيات سافر والده إلى فرنسا، وعمل هناك طباخًا وحصل على الجنسية الفرنسية، وسافر همّام إليه وهو فى الثامنة عشرة من عمره، وعمل معه فى نفس مهنته، والتقى هناك بأحد أتباع القاعدة الذى أقنعه بالسفر لأفغانستان، اختفى همّام، وترك والده وهرب من باريس وذهب إلى لبنان، ومنه اتجه إلى أفغانستان، وانضم لتنظيم القاعدة رسميًا، وتلقى تدريبات فى فنون القتال وصناعة الأسلحة والمتفجرات، ثم ذهب فى عام ٢٠١١ إلى العراق، وبقى هناك يعمل فيه كخبير للمتفجرات مع تنظيم الدولة، ثم قرر فجأة العودة لمصر عام ٢٠١٢، فعاد إلى بيروت مرة أخرى ومنها دخل إلى مصر، مستغلاً فترة الفراغ الأمنى بعد الثورة.
كان خبير متفجرات غير عادى، وكان مسئولاً عن ذلك حين عاد وانضم إلى جماعة بيت المقدس، فقد اتجه حال عودته لمصر إلى سيناء وأصبح من مجلس شورى التنظيم، ومسئولاً عن تركيب كل المتفجرات التى استخدمها التنظيم فى كل عملياته الانتحارية، وأصبح مسئولاً عن الخلية التى أطلقوا عليها «الخلية الكيميائية»، وهى من ركبت المتفجرات التى وضعت فى تفجير مديرية أمن جنوب سيناء، والقاهرة، والدقهلية، ومبنى المخابرات الحربية بالإسماعيلية، وما ضعف بيت المقدس إلا بعد انشقاق همّام، وهشام عشماوى، والضابط عصام رامى عن التنظيم. 
قال لى مصدر أمنى: «إن همام أتعبنا جدا، فهو خبير متفجرات غير عادى، وأمنياته مرتفعة لأقصى درجة، وهو يجيد المناورات والاختباء، كما أنه مدرب على فنون القتال وصناعة الأسلحة والمتفجرات، ونجح فى الهروب منا حوالى١٧ مرة، كنا فى طريقنا للقبض عليه، إلا أن حسه الأمنى المرتفع أنقذه فى آخر لحظة».
اختلف همام مع تنظيم أنصار بيت المقدس قبل موت زعيمه توفيق فريج زيادة، وكان الخلاف حول الاستراتيجيات، فهمّام كان يرى أن التنظيم لا بد أن يكون مصريا، أى لا علاقة له بفلسطين أو القدس، ولا ينفع أن نطلق عليه بيت المقدس، كما أن العمليات لا بد أن تكون مرحلية، وأن تكون مرحلتها الأولى عبر استثارة الجميع عبر نكاية وإنهاك الشرطة وفقط، لذا فقد أطلق على تنظيمه أجناد مصر، وكانت كل عمليات تنظيمه موجهة تفجيريا ضد الشرطة فقط، وراجعوا ما قاله هو بنفسه، فى حواره على الشبكة العنكبوتية، فى رده على أسئلة الصحفيين، تحت عنوان «أجوبة القائد مجدالدين المصرى».
ترك همام سيناء، وقام بعمل تنظيم أجناد مصر فى أواخر عام ٢٠١٣، وكانت أول عملية له هى قسم شرطة الطالبية، وقنبلة مترو البحوث، وساعتها أعلن بيت المقدس مسئوليته، إلا أنه عاد ونفى، وقال إنهم إخواننا فى تنظيم أجناد مصر.
أعلن همّام عن تنظيمه يوم ٢٤ يناير عام ٢٠١٤، وبقيت ارتباطاته بجماعته الأولى قائمة، ومكث فترة فى مدينة نصر، وكان يلتقى بالشباب ليعلمهم صناعة المتفجرات، فى إحدى الشقق؛ حيث تمكن خلال تلك الفترة، من تشكيل خلايا عنقودية، ونجح فى عام ونصف أن ينفذ أكثر من ٢٦ عملية.
وأصدر أجناد مصر عدة بيانات أعلن من خلالها مسئوليته عن الهجوم على قوات الأمن المركزى بمحطة البحوث، واستهداف قسم شرطة الطالبية.
فى يوم الجمعة التالى بتاريخ ٣١ يناير، أصدر بيانه الثالث ليعلن من خلاله مسئوليته عن استهداف معسكر الأمن المركزى على طريق الإسكندرية، بعبوتين ناسفتين.
كما تبنى التنظيم تفجير ٣ عبوات ناسفة أمام جامعة القاهرة، ضمن حملة «القصاص حياة»، وعدة عمليات إرهابية وقعت خلال شهر مارس، ومنها استهداف قوات الأمن المتمركزة فى مدينة ٦ أكتوبر، و٤ مارس ٢٠١٤، واستهداف قوات الأمن بالقرب من السفارة الإسرائيلية، بتاريخ ١١ مارس، واستهداف قسم شرطة ثان مدينة نصر بعبوة ناسفة ٢٩ مارس.
وكان همّام وتنظيمه لا يقومان بأى عملية إرهابية إلا كل يوم جمعة من كل أسبوع، آخرها يوم الجمعة ٧ فبراير عام ٢٠١٤، والخاصة بزرع عبوتين ناسفتين أعلى كوبرى الجيزة، ثم اختفت تلك الجماعة لفترة طويلة تعدت الشهرين، حتى ظهرت ببيانها رقم «٥» الذى تبنت فيه استهداف قوات الأمن أمام جامعة القاهرة، والذى أسفر عن استشهاد عميد شرطة وإصابة ٥ آخرين.
وغير تنظيم أجناد مصر استراتيجيته، وبدأ عملياته فى أى يوم، وكان منها إلقاء قنبلة بدائية الصنع على كشك مرور كوبرى الجلاء.
كلمة السر فى سقوط همّام، هو إسلام شعبان شحاتة سليمان، اسمه الحركى حسن، ٢٣ سنة، طالب، مقيم بمنطقة المطرية، وعضو بالتنظيم، المتخصص فى القيام بعمليات إرهابية عن طريق التفجير عن بعد، عقب سقوطه فى أيدى الشرطة، أثناء قيامه بوضع قنبلة أمام دار القضاء العالى.
اعترف إسلام شعبان، بأن مؤسس التنظيم هو صاحب الاسم الحركى - فوزى أو حسام- وأنه يبلغ من العمر ثلاثة وثلاثين عاما، ويسكن فى شارع فيصل بالجيزة، ومن هنا كانت البداية، إذ ظل الأمن يتتبعه، لمدة ٣ أشهر كاملة، اكتشف أنه الإرهابى الخطير المتخصص فى صناعة المتفجرات همّام محمد أحمد عطية، أحد المتهمين فى قضية أنصار بيت المقدس، وفى هذه الأثناء غير محل إقامته ٣ مرات، كان آخرها شقة فى منطقة الطوابق، استأجرها، وكانت معه زوجته وأولاده الصغار، ولم يكن فيها أى أثاث.
رجال البحث، كانوا فى نفس الآونة، يتتبعون الفريق الإعلامى، الذى أسسه همّام، ومنهم أبو بلال القاهرى، الذى كان لا يكف عن إصدار البيانات المتوالية، وكان بقلة خبرته يتعامل مع الصحفيين على مواقع التواصل الاجتماعى، وتوصلوا إلى شبكة التنظيم بالكامل، والتى كان يشرف عليها، همّام محمد أحمد عطية.
هناك رواية أخرى لسقوط همّام، وهى أن قسم شرطة الهرم تلقى بلاغًا من مواطن يفيد بتعرض شقته لسطو مسلح وسرقتها، فانتقلت أجهزة الأمن إلى مكان الواقعة، وتمت معاينة الشقة واستجواب حارس العقار، كما تم استدعاء صاحب العقار لسماع أقواله، وطلبت منه أجهزة الأمن الاطلاع على صور بطاقات الرقم القومى الخاصة بجميع السكان، خاصة الذين استأجروا شققا حديثة بالعقار، وارتاب الأمن فى صورة شخص، ففحصوا صورة بطاقته التى ارتابوا فيها، وتبين أنها تخص أخطر إرهابى بمصر، وهو المتورط فى قتل العميد طارق المرجاوى، والعشرات من العمليات الإرهابية، وتم عرض المعلومات على جهاز الأمن الوطنى ووزارة الداخلية، وتم وضع خطة أمنية مكبرة أشرفت عليها قيادات وزارة الداخلية، وتم اقتحام شقة المتهم، وكان ساعتها يضع متفجرات خلف باب الشقة، وتم قتله برصاصة فى رأسه، بعد تبادل لإطلاق النار معه.
وهكذا تمت تصفية زعيم تنظيم أجناد مصر بالصدفة، أى أن قوات الأمن لاحقت إرهابيا لم تعرف هويته، وبعد مقتله وبـ«مناظرة» جثة القتيل بالمعلومات المتوفرة لدى قوات الأمن تبين أنه همّام محمد عطية زعيم تنظيم أجناد مصر، الذى اتخذ من منطقة الطوابق بحى فيصل (الكثيف بالسكان) بمحافظة الجيزة مكانا يدير منه التنظيم. كانت زوجته معه فى نفس الشقة، هى وأولاده، فتم القبض عليها والتحقيق معها، واكتشف الأمن جهازى كمبيوتر «لاب توب»، وجدت عليهما خرائط، وأسماء حركية لقيادات التنظيم، والمجموعات، كما وجدت أوراق بحوالات مالية.
واكتشفت الشرطة، أن هناك محلات لبيع الذهب فى إحدى محافظات الصعيد، ملك لأفراد فى التنظيم، وهم يشرفون عليها للإنفاق على العمليات الإرهابية.
لكن فى نفس اليوم الذى قتل فيه همّام قام أجناد مصر بعملية تفجيرية أعلى كوبرى ١٥ مايو، ليؤكد أنه لا يزال موجودا، وأن هناك من سيكمل الطريق، وكان هو أحمد جلال «سيف».