الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

الدعاة الجدد.. رجال دين بدرجة "مندوبي مبيعات"

ظاهرة تتماشى مع الثقافة الاستهلاكية

الداعية مصطفى حسنى
الداعية مصطفى حسنى والداعية عمرو خالد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ظاهرة لن تنتهى، تواكب العصر، وتطور من نفسها شكلًا ومضمونًا، برامج الدعاة الجدد التي أصبحت من العلامات المميزة لشهر رمضان، تذاع كل عام عبر وسائل الإعلام المختلفة من قنوات فضائية ومحطات إذاعية. يعتبر الباحث الراحل، حسام تمام، فى أحد مقالاته الصحفية ٢٠٠٩: «أن عمرو خالد هو أيقونة الدعاة الجدد وهو الأكثر تمثيلًا للظاهرة».
تبع «خالد» فى نهجه الداعية مصطفى حسنى الحاصل على بكالوريوس تجارة جامعة عين شمس، والذى عمل بالمبيعات فترة إلى أن التحق بمعهد إعداد الدعاة التابع لوزارة الأوقاف، وانضم لقناة «اقرأ» معدًا للبرامج ثم مقدمًا لبرنامج «خدعوك فقالوا»، كما تبعهم أيضًا آخرون مثل شريف شحاتة، ومعز مسعود، وشريف مهران، ومؤخرًا المنشد والداعية مصطفى عاطف.
ويضيف «تمام»، الباحث فى شئون الحركات الإسلامية الراحل عام ٢٠١١ خلال مقاله: هناك أسباب كثيرة أدت إلى ظهور هؤلاء الدعاة ومنها تراجع دور المؤسسة الدينية الرسمية، وتراجع أنماط التدين الحركى سواء من خلال المواجهات مع الجماعات الإسلامية، فهؤلاء قدموا أنفسهم بشكل مستقل فردى من خلال التكوين الدينى العصامى، كما أنهم جمعوا بين التعليم الدينى والمدنى ما بين التجارة وفن «إدارة الذات» و«التطوير البشري» وعلوم الإدارة الأمريكية.
شكل جديد للدعوة الإسلامية يقوم عليه مقدمو برامج يتصفون بالورع وقابلون للتحاور بعيدًا عن الشكل المعتاد لرجال الدين سواء من الأزهر أو السلفيين، الطاعنين فى السن، الذين يريدون الجلباب الأبيض ويحرصون على إطلاق لحى قد تصل إلى صدورهم أو فيما يصفه البعض بـ«الزى الوهابي»، بينما الدعاة الجدد شباب لم تتجاوز أعمارهم الأربعين يرتدون الزى التقليدى لأبناء الطبقة المتوسطة حليقى الذقن ويستخدمون لغة سهلة.
هناك اختلاف آخر فى الخطاب الدينى أو المحتوى المقدم والذى يتنوع ما بين مواقف لحياة رسول الإسلام أو موضوعات مثل التفكير الإيجابى وبناء الذات أو التصدى لظواهر مجتمعية مثل انتشار المخدرات بين الشباب، فيستعين الداعية خلال برنامجه ليس فقط بالآيات القرآنية وأحاديث رسول الإسلام بل قد يستعرض مقولات وآراء لكتاب أجانب قد يكون معظمهم غير مؤمنين، ورغم ذلك تأتى المعالجة سطحية للغاية ولا تلمس الأسباب الحقيقية للمشكلات. ويصف تمام الباحث الراحل هذه الظاهرة قائلا: «هو تدين لا يدخل الفرد من خلاله إلى السجون والمعتقلات أو يخرج عبره إلى الجهاد العالمى فى أفغانستان والشيشان والعراق، هذه الشرائح البرجوازية تريد تدينا بدون كلفة سياسية، لا يتصادم مع النظام السياسى القائم. ونمط التدين الذى يقدمه الدعاة الجدد هو نمط مرتبط بهذه الشرائح، البرجوازية  التي لديها رغبات وطموحات فى الصعود الاجتماعى، وفى ذات الوقت تريد تدينًا يشبع حاجتها الروحية دون خسارة مكاسبها وامتيازاتها الاجتماعية، أو فقدان طموح المتعة واللذة والسعادة والراحة. فوجدت هذه الشرائح فى خطاب هؤلاء الدعاة الجدد النموذج المناسب».
وفى كتابه «إسلام السوق» يصف الباحث السويسرى، باتريك هاينى، هذه الظاهرة قائلًا: أنها دعوة عصرية تدخل ضمن ظواهر أخرى للدين الإسلامى مثل الأناشيد الدينية ودور الأزياء الإسلامية تبتلع قيم الحداثة والليبرالية الرأسمالية. ويضيف هايني: هي ظواهر تبتعد عن السياسة، لطبقات لا يوجد لديها أى مشاكل اقتصادية ولكنها تريد أن تعطى كثافة أكبر للأخلاق، ليس الأخلاق بمعنى القيم الكبرى، إنما بشكل أبسط من ذلك مثل نشر المحبة وخلافه، والعولمة هي التى شجعت ظهور أنماط جديدة للأسلمة، إسلام ينبثق عن نزع السياسة عن الرموز الرئيسية فى مسار إعادة الأسلمة أو لخيبة الأمل الناتجة عن ثقافة نضالية تسلطية تنفك عن الجماعية التى ميزت الإسلام السياسى.
ويؤكد هاينى خلال كتابه الذى نقلته إلى العربية، عومرية سلطانى، أن هذه الدعوة الجديدة تتماشى مع الثقافة الاستهلاكية التى دفعت الدعاة الجدد إلى الخروج من عباءة القنوات الدينية إلى القنوات المتنوعة ضمن سياق تعددية المحتوى المعروض، وهو ما جعلهم يتبعدون عن اللغة الفصحى ويستخدمون لغة سهلة، يحضرون حفلات عامة يلتقطون خلالها الصور مع المعجبات فضلًا عن حفلات التوقيع وهو ما جعلهم أقرب إلى نجوم السينما.
يتطلب هذا الظهور دراسة ومعرفة أمور أخرى بخلاف العلوم الشرعية فيقول هايني: هؤلاء الرجال  ينبغى أن تكون لديهم قدرة على التعامل مع وسائل الإعلام الجماهيرى، وقدرة عالية الإقناع عبر إثارة الإعجاب وعبر تدين وجدانى ملىء بدموع جمهورهم الذى يغلب عليه العنصر الأنثوى، وبحيث تكون العلاقة مع الداعية مبنية على الإعجاب بشكل واضح.
تتكون هذه العلاقة مع الجمهور عبر الوسائط الإعلامية العلمانية وعلى رأسها محطات المنوعات، أسلوب جديد فى الدعوة يشبهه هاينى فى كتاب «إسلام السوق»: بالخطاب الناعم الذي  يستخدم خلاله  الداعية الإسلامي أساليب المبشرين الإنجيلين والأمريكيين، ويستعين بشهادات وتجارب الجمهور التى تكاد تقترب من حالات الاعتراف، تتفق مع الدعوة البروتستانتية، عبر منطق التسويق نفسه وبقناعة أيديولوجية يستعرون من المسيحية بالضد من فكرة الترهيب بالعقاب الربانى لدى السلفية فكرة الترغيب فى حب الله ومحبته لعباده.