الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

محمد العسيري يكتب: عرفتهم "14".. هدى عمار.. سبحة الترانيم

محمد العسيري وهدى
محمد العسيري وهدى عمار
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ما عندى متعة فى الدنيا تعادل متعة القراءة إلا حضور اللحظات الأولى فى صناعة أى لحن جديد فى الاستوديو: وعشان كده صعب جدا إنى ما أكونش موجود لحظة تسجيل أى أغنية جديدة ليا.
ومن المرات القليلة جدًا اللى ماقعدتش فيها مع الملحن وهو بيشتغل فى كلام غنوة تخصنى كان مع المطرب الملحن الجميل طارق فؤاد.. والموضوع جه كده.. ماكانش رغبة منه ولا رغبة منى.
كان النجم طارق الدسوقى قد قرر مشاركة السيناريست مصطفى إبراهيم فى إنتاج مسلسل اسمه «الفسطاط» أخرجه وفيق وجدى.. وأبلغنى الدسوقى برغبته فى أن أكتب أشعار المسلسل.. المهم ربنا كرم وانتهيت من الكتابة قبل أسبوع واحد من مغادرتى القاهرة إلى الصعيد لحفل زفافى..
خدت بعضى ومشيت بعد ما خدت من طارق «عربون» اعتبره هدية زواجى.. وعرفت إن الكلام راح لطارق فؤاد وقد كان متألقا سنتها مع إبراهيم عبدالفتاح فى تتر مسلسل «الجبل» على ما أعتقد..
اتجوزت ورجعت وعرفت إن الألحان تم تسجيلها ومش فاضل غير إن «هدى عمار» تيجى «تركب صوتها».. وتحدد ذلك فى استوديو كان يملكه مدحت صالح بجوار أكاديمية الفنون بالهرم..
كنت قد كتبت البداية والنهاية.. و١٤ أغنية داخلية هى عبارة عن أحلام تعيشها البطلة «نرمين الفقى» فى خيالها.. والمفروض أن تكون هدى هى لسان حالها..
وأنا فى الطريق للاستوديو.. خشيت أن يكون كلامى الذى كتبته أقل من هذه الحنجرة الفريدة.. هدى عمار صوت غريب ونادر.. قدمها عمار الشريعى فى مجموعة أغنيات ومنحها اسمه لقبًا لها.. لكنها قليلة العمل والتواجد.. تظهر مرة فى العام ثم تختفى بلا أسباب واضحة.. وكنت قد افتتنت بطريقة غنائيها لنهاية فيلم «كتبية الإعدام» التى كتبها عمنا «سيد حجاب» - «حبيتى من ضفايرها طل القمر.. ومن بين شفايفها ندى الورد بان»!
جانى هاتف إن الكلام الفارغ اللى كتبته ونسيته فى دوشة الجواز والسفر مش هيليق على صوتها.. وفكرت أن أعود من حيث أتيت.. لكن حفاوة خالد صالح شقيق مدحت وصديقى أنستنى ما أفكر فيه مؤقتًا..
كنت قد تعودت أن المطربين - النساء منهم تحديدًا - مش متعودين يحفظوا الكلام.. يعجبهم اللحن.. وبعدين فى الاستوديو يقعدوا يحاولوا يحفظوا أى كلام.. وممكن ما يحاولوش يفهموه أساسا.. ونادرا ما كان هناك مطرب يهتم بكلمات الأغنية قبل تلحينها.. باستثناء حالات معدودة مع الحجار مثلا، فهو مطرب لا بد وأنه يحب ما سيغنيه أولا، وممكن كلمة تقف فى زوره فما يغنيش حتى لو اللحن حلو..
دخلت الاستوديو وأنا فى حالة لا تفسير لها سوى أنى مش على بعضى.. فالمطربة هدى عمار لم نكن قد تعاونا من قبل.. ولم أكن التقيتها سوى فى سهرة عابرة بمنزل فاروق الشرنوبى وما اتكلمناش أصلا.. يعنى فكرتى عنها رغم عشقى لصوتها مبهمة تقريبًا..
سمعت أغنية المقدمة والنهاية.. وجلست أنتظر حضورها.. وبمجرد أن دخلت فوجئت بطفلة فى مدرسة ابتدائى.. جاية مذاكرة كل الكلام.. وعارفة المسلسل بيتكلم عن إيه.. وكل حلم إيه حكايته.. مش كده وبس لأ.. ودورت على باقى شغلى.. واندهشت إنها سألت عن تليفونى لتسألنى فى بعض التعبيرات التى توقفت أمامها، لكنها لم تستطع الوصول لى بسبب سفرى واستعانت بطارق فؤاد:
«أنا ما كنتش هنا..
ولا انت كنت هناك
وتهنا من بعضنا..
ومن يومها بستناك»..
غنتها هدى كما كنت أحلم وبشكل أفضل مما كنت أنتظر ثم خرجت من الاستوديو لتسألنى «مين اللى يتشعلق فى مين.. الشط ولا الغرقانين».. ودى جبتها منين دى؟!
وانتهى التسجيل وظلت هذه الأغنيات القصيرة متعتى لفترة طويلة حتى بعد عرض المسلسل.. وظللت أستغرب كيف لمطربة مثلها لا تكون فى مقدمة صفوف مطرباتنا ولماذا تغيب كل هذه الفترات؟!
هى ابنة معهد «الكونسرفتوار» مثلها مثل أنغام.. لكنها درست آلة فرعونية نادرًا ما يهتم الموهوبون بها وهى آلة «الهارب» - شىء غريب يمكنك أن تلاحظه فى صوت هدى فهو أقرب لـ«الهارب» فعلا.. هى ابنة القاهرة الكبرى.. بنت مدينة الجيزة بالتحديد.. مواليد السبعينيات من القرن الماضى.. وعرفها عمار الشريعى عن طريق مسابقة كان قد أقامها لاختيار فريق جديد يعيد به أمجاد فرقة «الأصدقاء» التى تفرق أعضاؤها.. علاء عبدالخالق ومنى عبدالغنى وحنان، لأسباب مختلفة.. ويوم المسابقة جاءت متأخرة وكادوا يرفضون دخولها.. ورغم أنها كانت آخر الحضور إلا أنها كانت الوحيدة التى اختارها الشريعى وتبناها وقدمها لمحسن جابر لينتج لها أول ألبوماتها..
صوت هدى الدرامى جدا والحالم جدا جعلها من المطربات القلائل القادرات على الغناء فى السينما والمسرح.. ورغم مشاركتها فى غناء تترات «هوانم جاردن سيتى» و«ريش نعام» و«الفسطاط».. وفيلم يوسف شاهين الشهير «إسكندرية- نيويورك» إلا أن مشاركاتها تظل محدودة جدًا.. وكان من المفترض أن تشارك فى عمل مسرحى للأطفال تعود به من جديد إلى الساحة، لكن هذا لم يحدث والأسباب غير معروفة كما هو معتاد.
هدى عمار التى عرفتها شخصية ودودة جدًا.. ومثقفة جدًا.. ولم أشعر أنها مغرورة أو «منفسنة» مثل معظم مطربات هذه الأيام.. لكن يبدو أنها لا تجيد صنع علاقات عامة مثل أخريات.. هى لا تتحدث على الإطلاق عن حياتها الشخصية حتى إنك لا تعرف إذا كانت قد تزوجت أم لا.. ولا تعرف - كما يحدث دائما - هى بتصيف فين أو بتشتى فين.. ومتخانقة مع مين ومتصالحة مع مين. لقد حبست كل ما هو شخصى عن الناس واختفت وكأنها لا تريد من هذا العالم شيئًا..
آخر ما أعرفه عنها.. إنها لا تتوقف عن البحث عن أغنية جديدة.. ربما تمنحها فرصة العودة بالطريقة التى تريدها لنفسها.. لكنها وللأسف تنتظر من يفعل ذلك بدلا منها.. ما زالت فى نفس حجرتها الصغيرة.. فى منزلها الصغير تغنى أغنيتها الأولى «قلبى الصغير» فى انتظار ما لا يجىء.. لكن هذا المنتظر لن يفعلها - من وجهة نظرى - إلا إذا خرجت من عزلتها الإرادية واستخرجت عنادها الذى أعرفه وواجهت ذلك القبح الذى حاصرها وحاصرنا من كل النواحى.. هدى عمار نحن فى انتظار «صوتك».. لأننا لا نملك رفاهية أن تختفى ««سبحة الترانيم» لوقت أطول.