الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

جذور الصراع بين أردوغان وأوغلو

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عندما قرر رجب أردوغان اختيار من يخلفه فى قيادة حزب العدالة والتنمية، كان له شرطان، الشرط الأول هو قبول التحول إلى النظام الرئاسى والشرط الثانى هو مكافحة الكيان الموازى «جماعة فتح الله كولين»، وهذان الشرطان رفضهما عبدالله جول، فى حين وافق عليهما أحمد داود أوغلو ومن ثم فإن أردوغان باختياره أوغلو خلفًا له كان يثق فيه، وفى تنفيذ مخططاته، ومع التجربة العملية فى الحكم فيما بعد لم يبد أوغلو حماسًا كبيرًا لمشروع التحول إلى النظام الرئاسى، ولم يضعه فى سلم الأولويات بل ترك المشروع بانتظار ظروف سياسية أكثر ملاءمة حتى إن المقربين من أردوغان، بدأوا يتشككون من تراخى داود أوغلو وتقاعسه وفتوره فى مكافحة الكيان الموازى، وهو الأمر الذى أغضب أردوغان، وقد قرر رجب أردوغان الإمساك بخيوط الحزب بيده ونشأ نوع من الصراع على اللوائح بين أردوغان وأوغلو، حتى جاءت تجربة انتخابات النواب الأخيرة.
ففى المرحلة الأولى من الانتخابات لم يستطع الحزب حصد المقاعد المناسبة نتيجة لترشيحات أوغلو من الوجوه الجديدة، حتى جاءت المرحلة الثانية ودفع رجب أردوغان بالعناصر القديمة ذات الخبرة الانتخابية، وحصدت نسبة أعلى بكثير من المرحلة الأولى، ووصل عدد المرشحين الذين يرتبطون برجب أردوغان حوالى ٧٠٪ من مرشحى النواب، ولقد انتقلت حالة التنافس والاستقطاب إلى مؤيدى كل من الزعيمين، وقام رجب أردوغان باتخاذ بعض القرارات الخطيرة، أهمها سحب صلاحية تعيين رؤساء فروع الحزب فى المحافظات من رئيس الحزب، وقد أقر هذه القرارات بالتمرير من خلال تعديل أقرته الهيئة المركزية لقيادة الحزب فى اجتماعها الأخير، الأمر الذى اعتبره داود أوغلو انقلابًا ضده، فكان من الطبيعى أن يقدم أوغلو استقالته وطبقا للدستور الحالى فإنه يعطى رئاسة السلطة التنفيذية لرئيس الوزراء وفى نفس الوقت يمنح رئيس الجمهورية صلاحية مراقبة أعمال الحكومة والتصديق على قوانين السلطة التشريعية، أى أن صلاحية رئيس الجمهورية رقابية من جهة، ولكنها واسعة جدًا من جهة أخرى، حيث بإمكان الرئيس تعطيل ما يروق له من قرارات وقوانين إذا ظلت حالة الازدواجية والثنائية والصراع بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، ولكن طبيعة أوغلو كانت دائما ما تتحلى بالصبر والحكمة، واستطاع تسيير أمور الحكومة والدولة مع إفساح المجال لرئيس الجمهورية فى القيادة والإدارة.
ولكن مهما وصلت حالة الشفافية فى إدارة هذه الازدواجية، لا بد أن تكون لها آثار فى حالة حدوث انشقاق فى الحزب عاجلًا أم آجلًا، وقد جاء الخطاب المتزن الذى ألقاه أوغلو لإعلان استقالته، مؤيدا من كثير من المحللين والإعلاميين على الرغم من تحذيرهم من تداعيات هذا الحدث الخطير، خاصة فى الظروف التى تعيشها تركيا فى الوقت الحاضر وحربها مع وضد الإرهاب فى آن واحد، علاوة على البحث عن دور إقليمى للمنطقة يتناسب مع طموحات رجب أردوغان وأخيرًا علاقة تركيا بالاتحاد الأوروبى، فإن غياب أوغلو عن المشهد السياسى، سيؤثر بالطبع على علاقة الغرب بتركيا، خاصة الولايات المتحدة، حيث يرى الغرب أوغلو رجلهم المعتدل فى أنقرة، وأن أى اضطراب سياسى فى تركيا يزيد مخاوف الإدارة فى تعميق الخلاف بين الولايات المتحدة وأنقرة بشأن قتال داعش.
فوجود أوغلو فى السلطة يخفف من حدة سلوك أردوغان وتحقيق بعض التوازن، كما أن الاتحاد الأوروبى يخشى أن تتعثر الاتفاقيات التى تم حسمها مع أنقرة، والخاصة باللاجئين حيث قال الكاتب والمحلل فى صحيفة «الجارديان» البريطانية، سيمون تيسدال، إن «الرحيل القسري» لرئيس الوزراء التركى، أحمد أوغلو، المقرب من الاتحاد الأوروبى يأتى فى وقت سيئ، ولا سيما بالنسبة للقضية السورية وسيزيد من قلق الاتحاد الأوروبى فى التعامل مع الرئيس القوى. ورأى أن الصفقة المهمة جدا مع الاتحاد الأوروبى بشأن وقف التدفق غير المسبوق للاجئين إلى أوروبا هروبًا من الحرب فى سوريا، قد تكون إحدى أكبر ضحايا الصراع على السلطة فى أعلى هرم حزب العدالة والتنمية الحاكم فى تركيا.
وكشف أن أحمد داود أوغلو، رئيس الوزراء التركى المقرب من أوروبا، وفقًا لتعبيره، هو المهندس الرئيس للاتفاق مع الاتحاد الأوروبى ممثلًا فى المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل. وكان يعكس رغبته الشخصية فى توثيق العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبى.
ووفقًا لرأى الكاتب، فإن وجهة نظر الرئيس رجب طيب أردوغان، تجاه الاتفاق مع الاتحاد الأوروبى، تبدو أقل إيجابية.
وقد تهكم عليه قائلا إنه «نادٍ مسيحي» وهو مستاء من عرقلة محاولة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبى.
ولعل الجانب الأكثر جاذبية فى صفقة اللاجئين، السفر دون تأشيرة إلى الاتحاد الأوروبى، من وجهة النظر التركية هو تأمينها من رئيس الحكومة داود أوغلو خلال اجتماع فى بروكسل يوم ١٨ مارس، وأعرب عن اعتقاده أنه سيعزز موقفه أمام أردوغان، والذى كانت علاقات معه متوترة على نحو متزايد، كما أورد الكاتب، أن انسحاب أوغلو من الحياة السياسية سيفتح المجال أمام رجب أردوغان لتدشين نظام حكم رئاسى جديد عوضًا عن النظام البرلمانى، فهذا كفيل بإبعاد تركيا عن الانضمام للاتحاد الأوروبى ويدور الحديث الآن فى تركيا عمن سيصبح الرئيس الجديد لحزب العدالة والتنمية ورئيسًا للوزراء؟ والذى عليه تقبل الطبيعة الجديدة للنظام أنه عصر هيمنة أردوغان على تركيا، وأن الأسماء المرشحة تتداول اسمى وزير النقل ووزير الطاقة الشاب المتزوج من إسراء الابنة الكبرى لأردوغان وهل ينجح أردوغان فى تجاوز الأزمة الداخلية فى تركيا فى حالة الاستقطاب الشديدة، حيث انخفض سعر الليرة التركية لأدنى مستوى بعد استقالة أوغلو.