الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

العالم

قصة "الحرب الباردة" بين السعودية والجزائر

الملك سلمان
الملك سلمان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا يخفى مسئولون سعوديون فى أحاديثهم الخاصة تململهم من السياسة الخارجية للجزائر، إذ تشعر المملكة أن واحدة من أكبر الدول العربية تعمل فى إطار ما يمكن وصفه بـ"المشروع الإيرانى".
أكثر من "ضربة دبلوماسية" تلقتها المملكة من الجزائر، بدأت بالخلاف بين البلدين فى طريقة التعاطى مع الأزمة فى سوريا، وتواصلت بمواقف جزائرية رافضة لخطوات الرياض خصوصًا فى اليمن، وانتهت بقمة جمعت قادة الخليج مع العاهل المغربى، الملك محمد السادس، بالرياض، خرجت فى بيانها الختامى برسالة سمع دويها فى القصر الرئاسى بالجزائر.
كان الموقف من "عاصفة الحزم" التى شنتها السعودية بالتعاون مع دول عربية أخرى ضد المتمردين الحوثيين فى اليمن، أول "خطوة خشنة" اتخذتها الجزائر ضد الرياض.
رفضت إدارة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة دعم العملية سياسيًا أو عسكريًا، بل وقفت على النقيض تمامًا برفض أى تدخل عسكرى، ودعوتها إلى حل سياسى يدمج "الحوثيين" فى المعادلة السياسية بصنعاء.
تمددت كتلة الجليد برفض الجزائر قرار مجلسى التعاون الخليجى ووزراء الداخلية العرب والجامعة العربية تصنيف حزب الله اللبنانى "منظمة إرهابية".

يوم صدور القرار خرج وزير الخارجية الجزائرى، رمطان لعمامرة، مؤكدًا تحفظ بلاده على قرار تصنيف حزب الله "منظمة إرهابية"، وقال: "إن المسألة شأن داخلى لبنانى، ولبنان فى حاجة إلى دعم عربى لتجاوز ظروفه السياسية والإقليمية، بدل الانحياز لطرف على حساب آخر".
ثم إن الجزائر لم تشترك فى "التحالف العسكرى الإسلامى لمحاربة الإرهاب" الذى أعلنته الرياض (يضم 34 دولة عربية وإسلامية)، برغم كونها دولة لها ثقل كبير فى محاربة الإرهاب.
وترفض الجزائر أن تشارك بجيشها فى تحالفات عربية أو إقليمية أو دولية التزاما بدستورها الذى ينص على عدم انخراط الجيش الجزائرى فى أى مهام قتالية خارج الحدود، مما شكّل عقيدة راسخة فى السياسة الخارجية، مفادها عدم السماح بخروج قوات مقاتلة جزائرية خارج الوطن، وكان الاستثناء الوحيد فى حربى 67 و73.
بل إنها اتخذت قرارًا بتعليق تعاونها العسكرى والأمنى مع جارتها موريتانيا بسبب انضمام الأخيرة للتحالف.
وقد تزامن الغياب الجزائرى عن "التحالف الإسلامى" مع زيارة النائب الأول للرئيس الإيرانى، إسحاق جهانغيرى، للجزائر، ولقائه مع مسئولين بارزين بينهم الرئيس بوتفليقة.
سعت السعودية لاحتواء الخلافات السياسية مع الجزائر برفع وتيرة زيارة مسئوليها الكبار إليها، حيث زار وزير الخارجية السعودى، عادل الجبير، الجزائر نهاية ديسمبر الماضى، دون أى نتائج إيجابية.
بعدها زار ولى العهد السعودى، محمد بن نايف، الجزائر، والتقى الرئيس بوتفليقة، لبحث تطوير العلاقات، غير أنه لم ينجح أيضًا – كما يبدو - فى امتصاص الأزمة.
بدت الجزائر مصرة على سياستها التى تتناغم مع المواقف الروسية الإيرانية تجاه قضايا الشرق الأوسط.

ما الذى حدث بعد ذلك؟

ردت الرياض بعنف على المواقف الجزائرية من سوريا، وعاصفة الحزم، والتحالف الإسلامى العسكرى فى 20 أبريل الماضى.
يومها انعقدت القمة الخليجية المغربية فى الرياض، برئاسة العاهل السعودى، الملك سلمان بن عبدالعزيز، وحضور العاهل المغربى، الملك محمد السادس، حيث خرجت ببيان ختامى جدد فيه قادة دول مجلس التعاون الخليجى موقفهم المبدئى من أن قضية "الصحراء المغربية" هى أيضًا قضية دول المجلس، مؤكدين دعمهم لـ"مغربية الصحراء"، ومساندتهم لمبادرة الحكم الذاتى التى تقدم بها المغرب، كأساس لأى حل لهذا "النزاع الإقليمى المفتعل"، وفق نص البيان.
كما أعرب قادة الخليج عن رفضهم لأى مس بالمصالح العليا للمغرب إزاء "المؤشرات الخطيرة التى شهدها الملف فى الأسابيع الأخيرة"، وذلك فى إشارة إلى تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة، بان كى مون، التى استخدم فيها كلمة "احتلال" لوصف ضم المغرب لإقليم الصحراء بعد انسحاب الاستعمار الإسبانى عام 1975، وذلك لدى زيارته مخيمات اللاجئين الصحراويين فى تندوف بالجزائر يوم 5 مارس الماضى.
وتدعم الجزائر مطالب "جبهة البوليساريو" الانفصالية بإجراء استفتاء على الانفصال، بينما تصر الرباط على "مبادرة الحكم الذاتى" كأساس لأى حل سياسى، وهو موقف مغربى لا يتزعزع وتسبب فى نزاع واسع بين البلدين.
وصلت رسالة القمة الخليجية المغربية إلى الجزائر، فكان الرد بإيفاد وزير الشئون المغاربية والاتحاد الإفريقى وجامعة الدول العربية الجزائرى، عبدالقادر مساهل، إلى العاصمة السورية دمشق، لإعلان تضامن بلاده مع النظام السورى، وتأكيدها أن الحوار هو الآلية الوحيدة لحل الأزمة.
كانت هذه الزيارة التى كسرت الحظر العربى المفروض على سوريا هى الأولى من نوعها لمسئول حكومة جزائرى منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، حيث تعد الجزائر من الدول العربية القليلة التى لم تقطع علاقاتها مع نظام دمشق.
وقتها التفت إلى تعليق للكاتب السعودى المقرب من دوائر الحكم فى الرياض، جمال خاشقجى، حول الزيارة ذكر فيه: "هل هذا هو الرد الجزائرى على وقفة المملكة والخليج مع الحق المغربى فى الصحراء المغربية؟".
وسبقت هذه الزيارة خطوة جزائرية أخرى تمثلت فى استقبال وزير الخارجية السورى، وليد المعلم، بدعوة رسمية من نظيره الجزائرى، لتكسر بذلك أيضًا حاجز اقتصار زيارات الدبلوماسية السورية على الدول الحليفة وهى روسيا والصين وإيران وبدرجة أقل سلطنة عمان التى تعتبر "دولة محايدة" فى الأزمة السورية.

لنقترب من الصورة بشكل أوضح

قبل أيام وقعت بين يدى ورقة سياسية نشرها مركز الجزيرة للدراسات، لمسئول منطقة المغرب العربى بالمركز، كمال القصير، تحت عنوان: "الجزائر والسعودية: حسابات سياسية متباينة فى سياق إقليمى معقّد".
يقول "القصير": إن "المملكة العربية السعودية حينما قررت تشكيل تحالف عسكرى وسياسى لمواجهة الأزمة اليمنية وامتداداتها لم تكن تنتظر من الدول العربية سوى دعم هذه العملية سياسيًّا وعسكريًّا. وقد جاءت عاصفة الحزم لتضع الأداء الدبلوماسى الجزائرى تحت الأضواء، وهو ما طرح تحديات بالنسبة للعلاقة الجزائرية-السعودية، خصوصًا أن هذه الأخيرة تواجه من خلال الحملة اليمنية هدفًا كبيرًا ومعلنًا، وهو النفوذ الإيرانى فى المنطقة العربية الذى وصل إلى حدودها المباشرة. وتحاول الجزائر إحداث نوع من التوازن بين التزاماتها مع إيران، وهى التزامات نشأت بفعل العديد من محطات التقارب الدبلوماسي، والبحث عن حلول سياسية لا تكون فيها ضمن موقع معاكس تمامًا لتوجه السعودية".
ويضيف: "غرَّدت الجزائر خارج السرب العربى حين اعترضت على المستوى الرسمى عن المشاركة فى عاصفة الحزم التى تقودها المملكة العربية السعودية فى اليمن، وعبَّر عن ذلك وزير خارجيتها رمطان لعمامرة حينما أكد أن بلاده ترفض المشاركة فى هذه العملية. وكان ذلك على هامش اجتماع وزارى مهَّد للقمة العربية السادسة والعشرين بشرم الشيخ. وقد أعلنت الجزائر تحفظها كذلك على مشروع تشكيل قوة مشتركة عربية".
ويفسر "القصير" الموقف الجزائرى الرافض لـ"عاصفة الحزم": "تقاربها مع إيران صعب على الجزائر اتخاذ موقف متقدم منذ البداية فى الانخراط بدعم عاصفة الحزم، لكنها بالمقابل تحاول ألا تخسر دولتين مهمتين مثل: إيران والسعودية، لترجح خيار التوازن ولعب دور الوساطة والبحث عن الحلول السياسية فى الأزمة اليمنية وفى غيرها كذلك، وأن تسعى للتقريب بين وجهات النظر الإيرانية والسعودية".
"تحاول الجزائر إحداث نوع من التوازن بين التزاماتها مع إيران، وهى التزامات نشأت بفعل العديد من محطات التقارب الدبلوماسي، والبحث عن حلول سياسية لا تكون فيها ضمن موقع معاكس تماما لتوجه السعودية".
البترول أيضًا كان سببًا أساسيًا فى الخلاف بين السعودية والجزائر.
يقول "القصير": "يُعتبر تراجع أسعار البترول واحدًا من مهددات السلم الاجتماعى فى الجزائر، لكونه المصدر الأساسى للحفاظ على أمن المجتمع من الاضطراب من خلال دعم القدرة الشرائية للمجتمع".
واتهمت تصريحات جزائرية رسمية المملكة العربية السعودية بالوقوف وراء تراجع أسعار البترول بشكل مباشر عبر إغراق السوق، فى خطوة موجهة بالأساس ضد إيران.
ولننظر إلى تصريحات للأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطنى الحاكم فى الجزائر، عمار سعداني، الذى هاجم صراحة السعودية، واتهمها بأن انخفاض أسعار النفط "مؤامرة من الغرب تنفذها السعودية بهدف تركيع 5 دول، هى الجزائر وإيران وروسيا ونيجيريا وفنزويلا".

هل نصل إلى صدام؟

توجهت بسؤالى هذا إلى الكاتب السعودى، خالد المجرشى، فرأى أن الخيار الصادم "بعيد جدًا فنحن نتحدث عن بلدين عربيين كبيرين".
ويشير "المجرشى" إلى أن الموقف الجزائرية وإن بدت غير مفهومة أحيانًا إلا أنها "لن تتسبب فى انقطاع العلاقة بين البلدين"، منوهًا بزيارتى "بن نايف والجبير" إلى الجزائر للتأكيد على سعى المملكة لإزالة أى خلاف فى وجهات النظر.
ويشدد على أن قرار إغراق السوق بالنفط "ليس موجهًا ضد الجزائر فى أى وقت، وإنما هى خطوة قررتها السعودية دون النظر إلى مواقف الدول الأخرى"، مشيدًا فى الوقت ذاته بـ"المواقف الواضحة" للجزائر التى لا تظهر عكس ما تبطن.
ويؤكد الرجل أن المملكة ستواصل سياستها الرامية إلى توحيد كل الجهود العربية – دون استثناء – تجاه مواجهة التحديات التى تهدد المنطقة فى الوقت الراهن.
وحاولت "البوابة" التواصل مع السفير الجزائى فى القاهرة، نذير العرباوى، لمعرفة وجهة نظره فى الخلاف السعودى مع بلاده غير أنه لم يرد على هاتفه.