الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

وأتيتم بطفل ثم ألقيتم به في عرض البحر!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كل عام يهرب من خلال البحر الأبيض مئات من الأطفال مهاجرين إلى أوروبا مخاطرين بحياتهم، وكانت هذه الظاهرة ملء السمع والبصر بعد مرحلة الربيع العربى، وبعد ثورة يناير، وكانت هجرة الأطفال نتيجة إهمال وعدم اكتراث الآباء والأمهات، وثار الرأى العام لمصير هؤلاء الأبرياء ضحايا تجار البشر الذين وضع الآباء مصير أبنائهم بين أيديهم، وهم لصوص الأطفال، منهم من يلقون بهم فى عرض البحر الأبيض، يتعرضون لمخاطر عدوان من يتاجرون بمستقبل هؤلاء الأطفال، على أمل الحصول على عمل للحصول على اليورو لعائلاتهم.
ومن الإحصاءات الدرامية نكتشف أن عشرة آلاف من الأطفال القصر ماتوا غرقا فى البحر الأبيض عام ٢٠١٥، بقى أن نعلم أن هؤلاء الأطفال كانوا يصلون بعد عدة أيام إلى سواحل أوروبا بعد معاناة من الجوع والعطش وهم مكدسون فى قواربهم كالسردين..!
ومن مآسى القدر أن هؤلاء الشباب أو الأطفال يعانون من ضغوط أهاليهم ليكسبوا اليورو ليستطيعوا سداد ديون مصاريف رحلتهم التى يدفعونها إلى لصوص الأطفال، وهذه الديون تأتى من بيع بيوتهم ليدفعوا لمن يضمنون ثمن رحلاتهم الخطرة والتى تتراوح بين ٣٥٠٠٠ و٤٥٠٠٠ جنيه.
ومن الأقاليم التى تصدر الرحلات الخطرة إلى أوروبا من خلال البحر الأبيض: الدخيلة، والغربية، والمحلة والمنصورة.
وقد لاحظت السلطات الفرنسية المسئولة عن المعونة الاجتماعية للأطفال أن المهاجرين تتراوح أعمارهم بين ١٣ أو ١٧ عاما، وأن هؤلاء القصر عند وصولهم إلى فرنسا بعد مرورهم بإيطاليا يقدمون التماسات إلى مؤسسة المعونة الاجتماعية للأطفال A.S.E، لاسيما أن فرنسا من الدول التى وقعت على الاتفاقية العالمية لحماية الأطفال.
ولكن المعضلة أن مؤسسة المعونة الاجتماعية للأطفال لا تعطى لهم الحق فى العمل وهنا خيبة الأمل الكبيرة. وحينئذ يصبح هؤلاء الشباب بمثابة رهائن يعانون من الضغوط العائلية، ومصاريف الحياة فى فرنسا، ومشكلة تعلم اللغة.
ومقاومة هؤلاء الشباب ليست من «الرخام»، وحينما تنهار هذه المقاومة يسقط هؤلاء الشباب ضحايا شرب الخمر أو تناول المخدرات، وهم فى نهاية المطاف ضحايا المصير البائس الذى اختاره أهلهم لهم.
وفى الحقيقة فإن الآباء والأبناء كانوا ضحية أحلام عاشوها قبل أن يصلوا إلى شواطئ أوروبا، وهم يتخيلون أن أوروبا هى أرض الأحلام التى ستعطيهم الهناء والسعادة والإمكانيات، قبل أن يصحوا على مفاجآت غير سعيدة تنتهى أيضا بمآس يدفعون من أجلها ثمنا غاليا.
هل من نصيحة ولغة عقل يمارسها الآباء تجاه أبنائهم، بأن يقولوا لهم: لا تنسوا أن تحاولوا أن تتعلموا وتتدربوا على أن تعيشوا على أرض بلادكم وتكتفوا بلقمة عيش كريمة؟.
هل أسمح لنفسى أن أتكلم عن تجربتى حينما سافرت إلى فرنسا لكى أستكمل دراستى للدكتوراه، بعد أن انتهيت من دراسة ليسانس الحقوق بجامعة الإسكندرية؟.
ففى جامعة جرينوبل فى فرنسا بجانب استكمال الدراسات العليا انتهزت فرصة أننى كنت قد تعلمت اللغة الإنجليزية، فأصبحت أدرسها إلى زملائى من الطلبة الفرنسيين مقابل أجر يساعدنى فى استكمال دراستي.
وحينما انتقلت بعدها إلى باريس لأعد رسالة الدكتوراة أعددت نفسى للعمل فى سوق الخضراوات والفواكه بأجر معقول ويسمى سوق Halles وهو ما يعادل سوق العبور فى مصر، ولم أخجل لا من عملى ولا من نفسى وكان يعمل معى صديق دراسة، وكنا نبدأ العاشرة مساء وننتهى السابعة صباحا، ولن أنسى على سبيل الدعابة كيف أن صديق الدراسة Jean Marie فاجأنى حينما أتى إلى مكان العمل وهو يصيح بصوت بالغ السعادة ويقول لى: «سنكون سعداء لأننا سننتقل من سوق الخضراوات إلى سوق الفواكه وبمرتب مضاعف».
هذا هو جزاء الجهد لمن يؤمنون بأن: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾.