الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ومن الفيسبوك وتويتر ما قتل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ذات مرة استضافتنى قناةُ «الحُرة» فى القاهرة أنا وأستاذةً أمريكية متخصصة فى شبكات التواصل الاجتماعى على الهواء من واشنطن، بمناسبة تدشين باراك أوباما لحملته الانتخابية كرئيس للولايات المتحدة لفترةٍ ثانية من مقر شركة «فيسبوك»، أكبر شبكة للتواصل الاجتماعى فى العالم، وهى الشبكة التى استطاع من خلالها أوباما أن يحشد مؤيديه للترشح للرئاسة فى فترته الأولى، وخلالها استطاع أن يعتمد على تبرعاتٍ بنقودٍ قليلة لا تزيد على مائة دولار، وذلك على عكس منافسه الجمهورى الذى كان يجمع عشراتِ الآلافِ من الدولارات من رجال الأعمال والصناعة الأمريكيين المساندين له فى حملته، واستطاع أوباما خلال هذه التبرعات الصغيرة من ملايين الأمريكيين أن يحققَ الفوزَ المستحيل على منافسه الذى تلقى التبرعات من عشرات رجال الأعمال والصناعة، ليصبح أولَ رئيسٍ أسود فى البيتِ الأبيض.
وسأل مقدمُ البرنامج كلانا سؤالاً مهمًا وفارقًا: هل يمكن أن يكون «الفيسبوك» أداةً من أدواتِ الحُكم بعدما دشن أوباما حملته لفترة رئاسية ثانية من داخل معقلها واعتماده عليها فى ترشحه للرئاسة الأمريكية منذ البداية، فأجابت الأستاذة الأمريكية بالنفى، قائلةً إن فى الولايات المتحدة مؤسسات هى التى تحكم وتدير، ومراكز أبحاث لصنع السياسة الخارجية للدولة، وإن كان أوباما يعتمد على «الفيسبوك» فى حشد المؤيدين، إلا أنه لا يحكم بالتأكيد من خلالها.
وعندما قمتُ بالرد على السؤال نفسه، قلت إن التجربة المصرية مختلفة تمامَ الاختلاف عن التجربة الأمريكية؛ فالشعبُ المصرى وعلى رأسه الشباب قام بثورة ٢٥ يناير مستخدمًا «الفيسبوك» فى الحشد والتعبئة والإملاءات الثورية على نظام الحكم، سواء فى الأيام الأخيرة لمبارك الذى تصدع نظامه مثل قطع «الدومينو» فى أيامٍ قليلة، لعدم وجود مؤسسات حقيقية للحُكم، أو فى أثناء تولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة شئون البلاد، لقد دشن المجلسُ العسكرى صفحةً على «الفيسبوك» للتواصل مع شباب الثورة بشكلٍ خاص، والشباب المصرى بشكلٍ عام، وكان يستجيب لمطالبهم كلما أمكن، كما أن المجلس العسكرى أتى برئيس الوزراء عصام شرف من ميدان التحرير، وأعلن عن توليه الوزارة خلال صفحته على «الفيس بوك»، وليس من خلال أى وسيلة إعلامية أخرى، وقلت إن هذا كله يؤكد نظريتى بشأن تغول «الفيسبوك» فى إرادة متخذى القرار بمصر بعد ثورة يناير، ويجعله كأداة مهمة من أدوات الحُكم، وهو ما ستتضح آثاره السلبية بعد حين.
وعندما صعدت جماعةُ الإخوان إلى السلطة، سواء بالفوز بالأكثرية فى مجلس الشعب أو الأغلبية فى مجلس الشورى، أو الفوز بمقعد رئاسة الجمهورية، استطاعت لأولِ مرة أن تقومَ بتحجيم تأثير «الفيسبوك» و«تويتر» (الذى بدأ فى الانتشار فى ذلك الوقت) على متخذى القرار، وذلك من خلال تدشينهم للجانٍ إلكترونية حولت ما يُقال على شبكات التواصل الاجتماعى إلى اختلافٍ فى الرأى، وأن يحولوا الثورةَ ذاتها إلى وجهة نظر، وأن يقولوا إن الشرعيةَ للبرلمان وليست للثورة التى اعتمدت على «الفيسبوك» فى الحشد إليها، وكانت هذه اللجان الإلكترونية تتلقى تعليماتٍ محددة من مكتب الإرشاد للتعامل مع الأحداث والشخصيات المُناهضة للإخوان فى ذلك الوقت.
ومن أسوأ ما كان يمارسه الإخوان هو الاغتيالُ المعنوى للشخصيات المناهضة لهم، مثل د. محمد البرادعى، وحمدين صباحى، والشخصيات المشاركة فى جبهة الإنقاذ، وبعض الصحفيين والإعلاميين، وقد استهدفت حملاتُ الإخوان الرئيس عبد الفتاح السيسى منذ ترشحه للرئاسة حتى الآن بأكثر من «هاشتاج» على «تويتر»، ومن خلال بعض الحملات على الفيس بوك، وكانت الشعبيةُ الجارفة للرئيس والشرعيةُ التى حصل عليها من خلالِ فوزٍ كاسحٍ فى الانتخاباتِ الرئاسية هما الدرع التى تحميه من هذه الحملات، إلا أن هناك بعض الشخصيات وقفت دون حماية ودون سند أمامَ هجماتٍ شرسة من «الفيس بوك» و«تويتر»، سواء من قِبل الإخوان أو من قِبل الشباب المحبط الذى لا يجد متنفسًا له سوى شبكات التواصل الاجتماعى.
وكانت التجربةُ الأولى مؤخرًا لاغتيال الشخصيات بشكلٍ أكثر حِدة وضراوة تستهدف الإعلامية ريهام سعيد، والغريب أن مهندس هذه التجربة من أولها لآخرها كان باسم يوسف، المُعادى للنظام الحالى، وهو ما يطرحُ عديدًا من علامات الاستفهام حول الأهداف الخفية من اغتيال ريهام سعيد معنويًا وإجبار القناة الفضائية على وقف برنامجها، هل كانت هذه تجربة لبناء وهندسة تجاربَ أخرى أكثر ضراوة لاغتيال شخصيات ائتلاف ثورة ٣٠ يونيو الواحدِ تلو الآخر، بهدف تفكيك الثورة، والعمل على تصدعها، وتمهيد الأرض لجماعة الإخوان للعودة من جديد؟!
إن هذا الاحتمال قد يكون واردًا الآن أكثر من أى وقتٍ مضى، حيث يتم استغلال بعض الهنات والأخطاء لبعض الشخصيات وإطلاق حملات ضارية لاغتيالهم معنويًا وإخراجهم من المشهد، حدث هذا مع المخرج خالد يوسف، والإعلامى توفيق عكاشة، والإعلامى خيرى رمضان، والمستشار أحمد الزند وزير العدل السابق، والمستشار محفوظ صابر وزير العدل الأسبق.
وما يجمع بين كل الشخصيات السابقة هو انتماؤها وولاؤها لثورة ٣٠ يونيو، فهل يستمر تفكيك ثورة ٣٠ يونيو من خلال اغتيال الشخصيات التى كانت فاعلةً فيها لأهدافٍ خفية، من قبل جماعة الإخوان أو غيرها من الأجنحة التى تريد القفز على السلطة فى مصر؟!.