الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

صورة مصر في الصحافة الأمريكية قبل "30 يونيو" وبعدها

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تؤدى وسائل الإعلام دورًا بارزًا فى تشكيل الصور الذهنية عن الدول والشعوب المختلفة من خلال ما تقدمه من معلومات حول تلك الدول ونظمها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.. ولا تمثل الصورة الإعلامية التى تكونها هذه الوسائل تجسيدًا للواقع، بل تعد تجسيدًا مشروطًا بهوية الوسيلة وأهدافها الاستراتيجية، وتمارس هذه الوسائل تأثيرًا على الرأى العام الذى يتعرض لها ويستخدمها فى فهم الأحداث وتقييمها.. وتُعتبر الصحافة الدولية -شأنها شأن وسائل الإعلام الدولية الأخرى- أداةً من أدوات السياسة الخارجية للدول التى تصدرها.
ولقد أصبحت مصر بعد أحداث ٣٠ يونيو ٢٠١٣ موضع اهتمام كثير من القوى الدولية، فما أن أعلن الجيش ممثلاً فى وزير دفاعه الفريق أول عبدالفتاح السيسى عزل الرئيس مرسى، والمُضى فى خارطة مستقبل جديدة، حتى صارت مصر محطَ أنظار القوى الدولية والإقليمية، وبالتبعية صحافة هذه الدول ووسائل إعلامها التى اهتمت بتغطية الشئون المصرية وإثارة المناقشات حولها، حيث مثلت أحداث ٣٠ يونيو مرحلة مغايرة فى مجمل علاقات مصر الدولية سواء فى محيطها الإقليمى أو على الصعيد الدولى.
وفى هذا الإطار، تأتى الدراسة المهمة التى أعدها الباحث الدكتور وليد محمد الهادى مدرس الصحافة بقسم الإعلام بكلية الآداب جامعة حلوان بعنوان: «أُطر تقديم صورة مصر فى افتتاحيات صحيفتيْ نيويورك تايمز وواشنطن بوست: دراسة تحليلية للفترة قبل وبعد ٣٠ يونيو ٢٠١٣»، والتى سعت للكشف عن تأثير أحداث ٣٠ يونيو فى تشكيل صورة مصر فى افتتاحيات صحيفتيْن دوليتيْن تُعدان من أهم الصحف الأمريكية؛ خاصةً فى ظل اهتمام الإدارة الأمريكية بمصر خلال تلك الفترة؛ نظراً للعلاقات والمصالح الاستراتيجية بين البلديْن من ناحية، ولموقع مصر القيادى فى محيطها الإقليمى من ناحية أخرى.
واعتبر الباحث أن أحداث ٣٠ يونيو ٢٠١٣ مثلت فترة مفصلية فى اهتمام الصحيفتيْن بمصر؛ وبناءً على ذلك حدد عينة دراسته بالسنة التى قبل أحداث ٣٠ يونيو، والتى أجريت فيها الانتخابات الرئاسية وتولى فيها الرئيس مرسى مقاليد الحكم فى البلاد، وشهدت هذه الفترة الكثير من الأزمات السياسية والاقتصادية، والسنة التى تلتها والتى تم فيها إعلان خارطة المستقبل وتعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا المستشار عدلى منصور رئيساً لمصر بعد عزل مرسى.
وهكذا، سعت الدراسة إلى الكشف عن صورة مصر فى افتتاحيات صحيفتى «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» فى الفترة التى قبل ٣٠ يونيو ٢٠١٣ والفترة التى أعقبتها، حيث قامت الدراسة بتحليل ١٥٤ مقالا افتتاحيا تناولت مصر فى هاتيْن الصحيفتيْن، وانتهت الدراسة إلى مجموعة من النتائج كان أبرزها:
سلبية الصورة المقدمة عن مصر فى افتتاحيات صحيفتيْ الدراسة، ويبدو ذلك واضحًا فى سلبية كل الأُطر الإعلامية التى ظهرت بها صورة مصر، وكذلك سلبية أدوار كل القوى الفاعلة التى شكلت صورة مصر فى افتتاحيات الصحيفتيْن، باستثناء قوة واحدة فقط ظهرت بشكل إيجابى هى حركة ٦ إبريل، التى اعتبرتها الصحيفتان حركةً ليبرالية قادت الحَراك الديمقراطى فى ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ ضد الرئيس حسنى مبارك.
تشابه موقف الصحيفتيْن تجاه الأحداث فى مصر، حيث اعتبرت الصحيفتان أحداث ٣٠ يونيو انقلابًا عسكريًا من الجيش على الديمقراطية، وإن كانت كلتا الصحيفتيْن قد حملت مرسى وجماعته مسئولية الأزمة السياسية التى مرت بها مصر فى تلك الفترة. اختلاف الأُطر التى ظهرت بها صورة مصر قبل ٣٠ يونيو عن الفترة التى تلتها، حيث كان إطار النقد، وإطار إدانة العنف السياسى، وإطار الصراع على السلطة، وإطار التحريض، وإطار المصلحة أكثر ظهورًا وتوظيفًا فى الفترة التى أعقبت ٣٠ يونيو ٢٠١٣ عن الفترة التى قبلها، بل إن إطار الشفقة والتعاطف الذى أظهرته الصحيفتان تجاه جماعة الإخوان المسلمين وإطار تغليب الولايات المتحدة للمصلحة الخاصة بها لم يظهرا إلا بعد ٣٠ يونيو ٢٠١٣. مارست الصحيفتان تحريضًا واضحًا ضد مصر وضد جيشها، بل وجهت الصحيفتان اللوم فى كثيرٍ من افتتاحياتهما للولايات المتحدة لعدم اتخاذها موقفًا حاسمًا ضد مصر، وإن كانت صحيفة «واشنطن بوست» أكثر حدةً وتحريضًا من صحيفة «نيويورك تايمز»، ويؤكد هذا احتلال إطار التحريض مرتبة متقدمة فى كلتا الصحيفتيْن «المرتبة الأولى فى واشنطن بوست والمرتبة الثانية فى نيويورك تايمز».
أظهرت الصحيفتان اهتمام الولايات المتحدة بتغليب مصلحتها بعد فترة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، حيث إنه عندما اختلفت الإدارة الأمريكية مع الجيش المصرى والسلطات المصرية بشأن المسار الديمقراطى فى مصر بعد ٣٠ يونيو ٢٠١٣، لم يهمها سوى الحفاظ على مصالحها الأساسية فى المنطقة «الحفاظ على أمن حليفتها الاستراتيجية إسرائيل، والمرور من قناة السويس، وتدفق النفط» بغض النظر عن مصالح مصر وأمنها.
اعتراف الصحيفتيْن بقوة الجيش المصرى كقوةٍ لا يُستهان بها فى المنطقة، سواء داخليًا أو خارجيًا على الرغم من الأدوار السلبية التى نسبتها الصحيفتان له فى أكثر من موضع فى افتتاحياتهما.
تشابه موقف السياسة التحريرية للصحيفتيْن مع موقف السياسة الخارجية للولايات المتحدة تجاه أحداث ٣٠ يونيو ٢٠١٣، حيث اتخذتا موقفًا مضادًا من هذه الأحداث، وهذا يؤيد ما ذهبت إليه الدراسات السابقة من أن وسائل الإعلام الدولية ما هى إلا أداة من أدوات السياسة الخارجية للدول.