الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

طوابير كيلومترية في معرض الكتاب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الطوابير الطويلة التى امتدت أمام أبواب معرض القاهرة الدولى للكتاب تحتاج التأمل، والحضور المتواصل فى كل الفعاليات يحتاج الرصد، ماذا حدث للمصريين هذا العام؟ نعم ظاهرة الاحتشاد للمعرض معروفة سنويًا ولكن جديد هذا العام هو الاحتشاد المكثف، فهل يمكن اعتباره رد فعل لحالة عطش معرفى وارتباك على مدار السنوات الخمس الماضية؟ ربما.
بعد اجتياح الفيسبوك عمق البيوت وإثبات قدرته على منح بعض المعارف من خلال عناوين عريضة تأسست حالة الظواهر الصوتية والبالونات المجوفة التى تعجز عن الصمود أمام أى مناقشة جادة، هذه الصناعة الفجة سادت الوسط لفترة حتى صار نجوم الفضائيات هم أصحاب «اللايكات» الأكثر، انسحق الإعلام أمامهم وانفتحت الشاشات لتصب من الجهل والتطرف الكثير، وصارت القراءة مهمة نادرة لا يقدمها العالم الافتراضى، هذه الحالة السائلة تتناقض تمامًا مع ما شهدناه بمعرض القاهرة الدولى للكتاب ليضرب الكتاب المطبوع المثل من جديد فى المعرفة الأصيلة.
ولذلك نقول حسنًا فعلت وزارة الثقافة ومؤسساتها المختلفة بسيل التخفيضات المرعب الذى صاحب المعرض، فالكتب فى المخازن لا قيمة لها، وإذا كان الكتاب المطبوع من خلال الوزارة سواء ترجمات أو إبداعات معاصرة أو كتب تراثية، ينال بعض الدعم المالى فى إنتاجه، فنستطيع اليوم أن نقول إن الدعم وصل لمستحقيه بعد أن رأينا بعيوننا ذلك الزحف المقدس نحو أرض المعارض، يتقدم ذلك الزحف أسر بأكملها وكأن الأسرة فى رحلة طالما اشتاقت إليها.
لذلك يصبح التفاؤل بالمستقبل مشروعًا لتولد الثقة بدلًا من التردد، ورغم كل الملاحظات التى يبديها عشاق الوطن حول ضرورة التعجيل بمسألة العدالة الاجتماعية إلا أن الشعب المستهدف بالعدالة الاجتماعية يرد فى لحظات عبقرية بأضواء الأمل ومن ذلك عودة الروح واللجوء للكتاب والمعرفة لمواجهة الجهل والتطرف، فالمؤكد هو أن الطوابير الكيلومترية التى شهدها المعرض هذا العام لم تكن مصنوعة من قبل الأجهزة الحكومية، ولكنها جاءت لتسد ثغرة فى بدن الواقع الذى أثخنته السنوات الخمس الماضية.
وليس معنى هذا نسيان الهدف الأسمى وهو تحقيق العدالة الكاملة لكل الشعب، وأن اليقظة التى نراها بين موقف وآخر للشعب المصرى هى دليل عنفوانه، ويشير لنا وللعالم بوجوده المؤثر، يد تحارب الإرهاب فى سيناء ووجدان وعقل يزاحم فى معرض الكتاب، لذلك يستحق وعن جدارة تحقيق ثورته المؤجلة لبلوغ العدالة الاجتماعية التى هى إلى جانب الوعى والقوة ضمانة لدحر الإرهاب للأبد.
فلم تكن سنة حكم الإخوان سنة عابرة ولكنها سنة فاصلة، حاولوا تصدير التخلف وبناء ثقافة القطيع، حاولوا تغيير هوية هذا البلد وتكريس حكاية أن الوطن مجرد حفنة من تراب عفن، تلك الصدمة التى تلقاها الشعب لم تمر مرور الكرام، وجاء الرد صاعقًا فى نهاية الشهر الثانى عشر من حكمهم ليقول تراثنا للمحبطين إن مصر مصرية، وإن الكاتب الفرعونى الجالس الذى رأيناه فى تمثال بديع لم يكن أبدا ليرضى بمثل ذلك الخواء، فجاء أحفاده إلى معرض الكتاب رغم موجات البرد المتتالية ليفتحوا لنا نافذة أمل بعيدًا عن هلاوس الفيسبوك والمتنطعين بعناوين الأخبار فارغة المضمون.
وبغض النظر عن ضعف أمسيات الشعر التى كانت فيما سبق حاشدة ومشهودة، إلا أن التواجد فى الندوات النقاشية جاء كتعويض لذلك النقص، فالندوات التى تبحث موضوعًا فكريًا أو تعرض كتابًا تمت فى أجواء صحية من الجدل والاشتباك الذى يجعل الراصد مطمئنًا لمستقبل هذا الوطن، وأن قوته الناعمة المتمثلة فى الثقافة والفنون مازالت صالحة لإثارة الدهشة.