الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

كراهية تحت المطر "٢"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
غانيــــة.. من باريس!
لم تكن حكاية من حكايات «ألف ليلة وليلة» وإن بدت فى ظاهرها كذلك!
كانت الحفلة الساهرة الراقصة فى قصر «الخواجة موصيرى» قد بدأت لتوها. عندما دخلت السيدة الجميلة «مارجريت» المكان تسبقها رائحة عطرها الفرنسى. وهى تتيه فى دلال بين المدعوين بفستان سهرة يكشف أكثر مما يخفى. من مفاتن جسدها الساحر!
أحاط بها الرجال وحاصرتها نظرات حسد وحقد النساء. أما «البرنس على»، أو المليونير الفتى على كامل فهمى، الذى كان فى ذلك الوقت صورة مجسمة للفتى «البلاى بوى» فى القاهرة. الذى ورث ثورة طائلة عن والده الراحل، وانطلق فى حياة كلها لهو وعبث وإسراف، يعيش مثل أمير من روايات الشرق القديمة. يحيط نفسه دائمًا بالجميلات والعشيقات- أما «البرنس على» فقد كان الوحيد فى الحفل الذى تسمر فى مكانه. وقد تعلقت أنظاره التى أصبحت نارية بالحسناء الفرنسية «مارجريت».
شعر «البرنس على» بأن قلبه يخفق لأول مرة فى حياته. مشاعر عجيبة وعميقة تفجرت مرة واحدة فى صدره وهو يتطلع فى شغف إلى «مارجريت» التى كانت ببشرتها البيضاء تبدو مثل فجر جميل جاء ليضيء الليلة وكل الليالى.
همس لنفسه: أهو الحب؟
ولم ينتظر ليرد على نفسه، ونهض من مكانه باحثًا عن المضيف «الخواجة موصيرى» لعله يقدمه إلى هذه الفرنسية الحسناء التى ملكت قلبه من أول نظرة.
ابتسم الخواجة اليهودى موصيرى ابتسامة خبيثة قائلًا له: وماله يا برنس.. أنا وهى تحت أمرك.. ومن حسن الحظ أننى أعرفها، فقد التقيت بها فى فرنسا الشتاء الماضى!
سأله الفتى على كامل فهمى: ماذا تعرف عنها؟
رد الخواجة موصيرى الحقيقة لا أعرف الكثير، سوى أنها مريضة وأن الأطباء الفرنسيين نصحوها بالسفر إلى بلد مشمسة دافئة مثل مصر.. ثم ماذا تريد أن تعرف.. جمالها يقول كل شيء عنها.. تعال لأقدمك إليها!
وهكذا بدأت المأساة..
قصة الحب القاتلة.. بين فتى الشرق العابث.. وحسناء الغرب اللعوب!
***
فى تلك الأيام من عشرينات القرن الماضى، وكما أصبح عدد كبير من أهل الشرق يتطلعون إلى الغرب بحضارته وتقدمه، وكان هناك آخرون من الشرقيين قد بهرهم أسلوب الحياة الأوروبية وطابع الحرية التى تصل إلى حد الانحلال، كانت فى نفس الوقت كثيرات من النساء الأوروبيات مبهورات بسحر الشرق وغموضه وسخونة وبدوية ناس الشرق، خاصة رجاله من الأثرياء الذين فى إمكانهم تحقيق أحلام «ألف ليلة وليلة» لأى حسناء أوروبية مغامرة!
وطار الفتى على كامل فهمى سعادة حين قدمه «الخواجة موصيرى» إلى الحسناء الفرنسية ماريا مارجريت. وشعر أنه يسير فوق السحاب، حين أخذ يحدثها عن نفسه وعن حياته، وهى بجمالها الباهر تنصت إليه بكل اهتمام وإعجاب. كأنه الرجل الوحيد الذى فى إمكانه الكلام فى هذه الدنيا!
والحق أن الفتى المليونير على كامل فهمى كان ساذجًا، لا تتعدى خبراته فى عالم النساء راقصات الصالات وفتيات الحانات. رغم أنه منذ وضع يده على ميراث والده، كان يقضى الصيف من كل عام فى باريس أو لندن التى كان يفضلها رغم المطر والضباب.
ولم يدرك الفتى الغر أنه كان فى تلك اللحظة قد وقع أسير شباك فرنسية لعوب من الطراز الأول. ومحترفة حقيقة فى عالم النساء والرجال.
كانت مارجريت فى نحو الثانية والثلاثين وتكبر بحوالى عشر سنوات كاملة من «الخبرة الطويلة». كانت «ماجي» صورة ناطقة لفتاة فرنسية فقيرة ولدت وعاشت بدايات حياتها فى قاع مجتمع باريس.
وكان أبوها سائق التاكسى يصارع الفقر والحياة. ومنذ بلغت ابنته الجميلة «ماجي» السادسة عشرة من عمرها انطلقت فى حياة لهو وعبث ليس من أجل اللهو والعبث فقط. كان هدفها مثل كثيرات غيرها هو المال ولا شيء لا غير المال!
ولم تكن تلك أول زيارة لها إلى مصر..
كانت مارجريت قد تزوجت فى سن صغيرة وأنجبت ابنة واحدة ثم طلقت من زوجها ولم يستمر زواجها طويلاً. فانطلقت فى عالم الحب. تصطاد رجلًا من هنا أو هناك. حتى أصيبت بمرض خطير. ونصحها الأطباء بالسفر إلى منطقة لا تغيب عنها الشمس.
هكذا جاءت مارجريت إلى مصر أول مرة عام ١٩١٨ فى زيارة سياحة للاستشفاء. وقضت فى مصر فترة. أقامت خلالها فى فندق شبرد. وانفتحت على مجتمع الذوات والصفوة فى القاهرة. كانت مارجريت كما وصفتها بعض الصحف المصرية بعد ذلك: «يقودها طموح مجنون إلى الثروة. وكان كل همها البحث عن ظبى وكانت ترى نفسها غزالًا شاردًا»!
وفى فندق شبرد المطل على نيل القاهرة تعرفت مارجريت إلى جنرال تركى كان قد فر من القسطنطينية بعد أن صدر ضده حكم بالإعدام. وتوطدت الصداقة بين مارجريت والجنرال التركى الهارب. الذى عرض عليها أن يصحبها فى جولة إلى الصعيد، للاستمتاع برؤية الآثار الفرعونية القديمة!
***
حكى الكاتب الصحفى صلاح عيسى عن مارجريت التى انتهت زيارتها إلى مصر، وعادت إلى باريس لتستأنف حياة اللهو التى كانت أدمنتها. كواحدة من الغانيات فى مجتمع الصفوة الفرنسى.
«وفى مصيف روفيل الفرنسى حيث كانت مارجريت تقضى سهراتها مع أصحاب الألقاب الضخمة والثروات الضخمة. تصاعد نجمها وتعرفت على «دوق وندسور» ولى عهد انجلترا. والذى تولى بعد ذلك العرش البريطانى. لفترة قصيرة تحت اسم «إدوارد الثامن»!
«وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى تزوجت مارجريت للمرة الثانية من الفرنسى «شارل لوران» والذى كان ابن كبار التجار الفرنسيين. لكن ذلك الزواج لم يدم أكثر من عامين. حصلت فى نهايتهما مارجريت على طلاقها وحريتها».
ويقول صلاح عيسى: وعادت مارجريت بعد الطلاق إلى أسلوب حياتها الذى تعودته وكانت قد أدمنت «مركز الخليلة». وتعودت على أن يعاملها الرجال بالطقوس التى يعاملون بها خليلاتهم. فتعرفت إلى مليونير من «شيلى»، عاشت معه شهوراً حتى دبت الخلافات والمشاجرات بينهما وعاودها المرض الذى يتطلب إقامتها فى بلد مشمس. فغادرت باريس فى شتاء ١٩٢٢ إلى القاهرة. بدعوة من مسيو موصيرى الذى كان قد سبق أن تعرف بها فى باريس. ثم دعاها إلى زيارة مصر. فجاءت مع أختها تلبية لدعوة الخواجة اليهودى.
***
فى تلك الليلة..
لم تترك مارجريت الفتى المليونير على كامل فهمى، إلا بعد أن تأكدت من أنها أحكمت شباكها حوله. وأصبح أسيرًا لجمالها الفاتن وشخصيتها المحيرة الآسرة.
قبل أن يقبل يدها وهو يودعها فى نهاية السهرة قال لها الفتى وهو على نفس حالته المفاجئة من الوله والعشق: هل تقبل أميرتى دعوتى على العشاء فى قصرى المطل على النيل؟
ابتسمت مارجريت فى دلال، ثم ردت بلهجة ناعسة كادت أن تطيح بما تبقى من تماسك الفتى العاشق: لى الشرف الكبير.. سمو البرنس!