الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ثورة اليوم الواحد واختزال التاريخ

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الثورة هى الفعل المقترن بحياة البشرية منذ فجر التاريخ، وتعتبر عملية تغيير من حقبة تاريخية بكل أسسها ومظاهرها الحضارية «السياسية والاقتصادية والفكرية والعلمية..... إلخ» إلى حقبة تاريخية جديدة، تدشن على أنقاض العهد السابق، ولقد تطورت حياة الإنسان على الأرض، بدءا من المجتمع المشاع، الذى لم يشهد ظاهرة الحاكم والمحكوم بحكم تدنى الإمكانيات البشرية لإقامة حياة مشتركة، وعاش الإنسان على الأرض آلاف السنين لا يعرف السلطة الحاكمة، ومع تطور الحياة البشرية وتطور العمل الجماعى بين البشر، الذى صاحبه تقسيم نوعى للعمل، ظهرت السلطة لأول مرة فى التاريخ، على أنها كانت سلطة إرشادية تتحلى بحكمة كبار السن من القبيلة، حتى جاءت مرحلة القرى والمدن والدويلات الصغيرة، التى صاحبها تقسيم عمل أكثر رقيًا وتعقيدًا، فتطورت أجهزة الحماية والأمن للدفاع عن الدويلات، ثم الدفاع عن الطبقات الحاكمة فى مواجهة المحكومين، وأصبح العصر العبودى هو أكثر أشكال الاستغلال لطبقة العبيد، وشهد التاريخ فيما بعد ثورات العبيد فى العالم بأسره، حتى سقطت دولة العبودية لصالح كبار القياصرة والملوك والكنيسة، وتم تدشين المجتمع الإقطاعى بكل عوراته ومساوئه، وتزاوجت الكنيسة مع السلطة فى العصور الوسطى، لتشهد البشرية أشد مراحل القهر والظلام فى التاريخ، ومع ظهور الصناعة وهى الأساس المادى للمرحلة الرأسمالية، قادت الطبقة الرأسمالية الأمة لتحطيم نظام الحكم الإقطاعى الرجعى، ورفعت شعارات الحرية، والعدالة، والمساواة، وإسقاط السلطة الدينية، ومع تمكن الرأسمالية من إحكام القبضة ظهر وجهها البشع فى القهر والظلم، خاصة ضد العمال الذين خاضوا بدورهم حروبًا شرسة ضد جموع الرأسمالية وطغيانها، وشهد العصر الحديث اصطفافا للبشر أو للعمال فى النقابات والجمعيات والأحزاب، وعرفت البشرية النضال الجماعى فى مواجهة احتكار السلطة والثروة.. هذه نبذة بسيطة عن تاريخ الشعوب فى الثورات، أما عن منطقتنا العربية، فقد تحولت المجتمعات العربية إلى مجتمعات رأسمالية، دون أن تخوض الرأسمالية حربًا شرسة مع الطبقات القديمة، وظلت عاجزة عن إنتاج فكر مستنير، ينتصر لقيم الحرية والعدالة والمساواة والمواطنة، وهى الأسس الأخلاقية للمجتمعات الحديثة، وظل جزء كبير من أنظمة الحكم فى المنطقة ملكيًا، أما أنظمة الحكم المدنية فجاء معظمها عن طريق الجيش لصالح الشعوب المضطهدة، وفى إطار مرحلة التحرر من الاستعمار، ولقد شاخت بعض الأنظمة واحتكرت السلطة والثروة فى معظم بلدان المنطقة، وفى الوجه المقابل لم تستطع شعوب المنطقة من انتزاع حقوقها الديمقراطية، خاصة فى إنشاء النقابات والأحزاب والجمعيات أو أشكال الدفاع عن حقوقهم، كانت دعوة الشباب الثورى لثورات الربيع العربى نتيجة طبيعية لما وصلت إليه الأنظمة الحاكمة من قهر وتعفن واضطهاد، وفيما عدا تجربتى الربيع العربى فى تونس ومصر، فقد انحدرت باقى ثورات الشعوب إلى مسارات أدخلت المنطقة فى حروب من الصعب التكهن بنتائجها «سوريا اليمن العراق ليبيا» نجح النموذج التونسى وهو شرارة الربيع العربى، وذلك نتيجة لأن الشعب التونسى تاريخيًا خاض حربا ضد الرجعية، واستطاع أن ينتزع أدوات للتعبير عن مصالحه مثل «منظمة الشغل»، وهى بمثابة النقابة العامة للعمال التونسيين، ولها حضور قوى فى الحياة السياسية، كذلك جمعيات المرأة وحقوق الإنسان، التى لها تاريخ مشرف فى الكفاح الوطنى، ولقد ساهمت هذه الأشكال مع تعاطف الشعب التونسى فى انتصار الطيار المدنى على كل القوى الرجعية، وبأدوات الدولة الحديثة «صندوق الانتخابات»، وفى مصر حيث بداية القرن الواحد والعشرين وإرهاصات الحركة الوطنية، كانت موجودة على الساحة، وشارك آلاف من عمال مصر بتاريخ مشرف من الاعتصامات والإضرابات، كذلك النضال فى النقابات المهنية، مما دفع الشباب المصرى إلى حلم التغيير، وقد استجاب الشعب المصرى لدعوة الشباب الثورى فى ٢٥ يناير ٢٠١١، وحتى نصل إلى يوم تنحى مبارك عن السلطة لصالح المجلس العسكرى، وقيام الشباب بنظافة ميدان التحرير، ليعودوا إلى بيوتهم، بينما التيار الدينى السياسى قرر الاستفادة من نتائج الثورة، والكل يعرف كيف تعاونوا مع المجلس العسكرى والتفوا حلو الثورة، وأخذوا يدفعون شباب الثورة، والزج بهم فى معارك وهمية مثل «محمد محمود الأولى والثانية ومجلس الوزراء، وحصار موقع المجلس العسكرى وحرق مبنى مباحث أمن الدولة، وحرق المجمع العلمى....إلخ »، وقد خسر شباب الثورة الكثير من رفاقهم فى كثير من هذه المعارك الوهمية، وبعد مرحلة حكم الإخوان، اكتشف الشباب بل الشعب المصرى كله حقيقة المؤامرة، فكانت الدعوة لإسقاط مرسى، وظهرت جبهة الإنقاذ ثم حركة تمرد التى أثرت فى حراك الشعب المصرى ضد الإخوان، وكانت الدعوة لإسقاط نظام الإخوان، التى أيدها الجيش والشرطة، حتى نصل إلى ٣٠ يونيو وهو الإعلان الرسمى لوحدة هذا الشعب، ورفضه لنظام حكم ديكتاتورى متآمر ضد الوطن، إذن كان هناك حراك شعبى شديد قبل ٣٠ يونيو، وكان الشعب المصرى متحفزًا لإنهاء حكم المؤامرة، وجاءت المرحلة الانتقالية بكل استحقاقاتها، التى انتهت بمجلس النواب الجديد، وعلى الرغم من التحفظات على القانون المنظم للعملية الانتخابية وتقسيم اللجان وحجم الإنفاق فى هذه الانتخابات الذى فاق الحد، إلا أن هناك بعض الشخصيات الوطنية الشريفة وصلت لمجلس النواب، وستمارس حقها فى الدفاع عن حقوق الشعب، وعن شعارات الثورة، وفى هذه الأيام ما زال الشباب مصرا على «كتالوج» واحد للثورة، وهو الدعوة عبر وسائل التواصل الاجتماعى عن موعد الثورة، والهدف ما زال مقررا هو إسقاط النظام، لقد أصاب خيال الثورة شباب الثورة بالشيخوخة، فلم تعد الدعوة لثورة اليوم الواحد دعوة يستجيب لها الشعب المصرى، وقد تكررت هذه الدعوة عشرات المرات منذ ٣٠ يونيو. ولكن الشعب المصرى قاطعها جميعها، وعلى الرغم أن الشعب المصرى لم يحصد حتى الآن ثمار الثورة، إلا أنه ليس فى حالة صراع مع النظام فى الوقت الحالى، ومع التأكيد أنه فى كل الدعوات السابقة لم تكن هناك الآليات الحقيقية مثل «أحزاب، منظمات، نقابات... إلخ » يتبنى الدعوة. وأخيرا شباب الثورة لا يدركون ماذا بعد إسقاط النظام؟ وأن نظام الحكم ليس بهذه الهشاشة التى يسقط بها أمام دعاوى خيالية، أيها الشباب أقول لكم: «الثورة مستمرة»، ولكن تحتاج إلى بناء، وجهد، وكفاح ضد الفكر الظلامى السائد، ثم الانخراط فى العمل الجماهيرى اليومى، من خلال ما سبق أن ذكرته، ولن يكون الشعب المصرى خلفكم إلا إذا تواجدتم بين صفوفه أو على الأقل حاولوا أن توحدوا صفوفكم من هذا التشرذم الرهيب، وأن تخوضوا معركتكم عبر آليات الدولة المدنية، فدعكم من «كتالوج» «ثورة اليوم الواحد»، والصدام بأجهزة الدولة، وأمامكم معركة الانتخابات المحلية كاختبار حقيقى لتأثيركم وتواجدكم، و«الثورة مستمرة».