الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أسرار اغتيال أول عالمة ذرة مصرية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى صباح يوم الجمعة ١٥ أغسطس من عام ١٩٥٢ لقيت فتاة مصرية خمرية اللون فرعونية التقاطيع.. مصرعها فى ولاية كاليفورنيا بأمريكا، فى حادث سيارة غامض!
وبعد أسبوعين.. هبطت طائرة أمريكية فى مطار القاهرة.. أسرعت تقف إلى جوار باطنها سيارة إسعاف.. وفى صمت حمل بعض الرجال من باطن الطائرة تابوتا حملته سيارة الإسعاف مسرعة إلى منزل أسرة الفتاة التى روعها خبر مصرعها الغامض.
وتم وضع التابوت فى نفس حجرة نوم الفتاة.. نفس الحجرة التى شهدت أيام شبابها.. وكانت مهدا لأحلامها التى لم تتحقق كلها.
أطاح الحزن بصواب أسرة الفتاة القتيلة.. وأصرت أمها الثكلى على أن ترى جثمانها.. واضطر أفراد الأسرة لكسر التابوت الخشبى.. ففوجئوا داخله بصندوق من الرصاص.. وعندما فتحوه وجدوا صندوقا آخر من الرصاص.
فتحوا الصندوق ووقفوا فى ذهول وخشوع ينظرون إلى جثمان ابنتهم المصرية.. خمرية اللون.. فرعونية التقاطيع! كان المشهد مروعا.. يهز أعتى القلوب.. كانت ترقد مرتدية كامل ملابسها، كأنها لا تزال على قيد الحياة.. كأنها ذاهبة إلى حفل ساهر طويل.. شعرها مصفف بطريقة جميلة.. الساعة الذهبية تلمع فى يدها.. سوار آخر جميل يزين رقبتها.. نزعت الأم نفسها من أمام تابوت ابنتها. جرجرت قدميها إلى خارج الحجرة.. قالت فى ذهول المجانين لأولادها وبناتها: «خشوا شوفوا أختكم.. زى العروسة!». كان هذا المشهد الأخير فى حياة عالمة الذرة المصرية الدكتورة سميرة موسى.. التى ما زالت أسرار نهايتها الغامضة مجرد علامات استفهام حائرة.. طوال الـ٤٧ عاما الماضية..
هل لقيت مصرعها.. قضاء وقدرا؟!
هل اغتالوها؟ ومن؟ الأمريكان؟ أم اليهود؟
فى قرية «سنبو الكبرى» مركز زفتى بمحافظة الغربية، ولدت سميرة موسى.. كانت البنت الرابعة فى الترتيب بين أخوتها التسعة -سبع بنات وولدين- هم «هانم وفتنة ووديعة وسميرة وأحمد وعواطف وفكرية ومسرات وماهر».
كان جدها لوالدها أول من تعلم فى القرية.. وكان «أفنديا» يرتدى الطربوش.. وكان يعمل فى مصلحة الأموال.. أما والدها فكان مزارعا ميسور الحال.. والغريب أنه كان يتمنى أن تولد سميرة.. صبيا!
وبين دروب حوارى قرية «سنبو الكبرى».. وتحت ظلال أشجار الجميز التى تحيط بترعها، نشأت سميرة موسى وترعرعت.. كانت من البداية طفلة «غير عادية».. صحيح أنها كنت مثل كل الصغار تميل إلى اللعب كثيرا، لكنها ما أن أصبحت صبية صغيرة حتى بدأت تفضل العزلة والانزواء. ولم يكن أحد من أهل البيت المزدحم يسمع لها «حسا». إذا تكلمت خرج صوتها أقرب إلى الهمس. وسرعان ما بدأت تحتل مكانا مميزا لدى والدها الذى لم يكن يرفض لها طلبا!
وظهر نبوغ سميرة موسى مبكرا..
كانت هناك واقعة شهيرة تعتبر «محطة انطلاقها الأولى». كانت لا تزال تلميذة صغيرة عندما مات الزعيم سعد زغلول. وطلبوا منها فى المدرسة أن تقرأ نعيه المنشور فى الجريدة. فقرأت سميرة النعى دون أن تخطئ فى كلمة واحدة. وأعجب المدرسون بها. فطلبوا منها أن تقرأ النعى مرة أخرى..
وكانت المفاجأة التى أذهلتهم.. وضعت التلميذة الصغيرة سميرة موسى الجريدة جانبها. وبدأت تتلو النعى من الذاكرة، بعد أن حفظته من مجرد القراءة الأولى.. وأيضا لم تخطئ فى كلمة واحدة.. وأسرع مدرسها حسين البكرى يقول لوالدها: دى بنت عبقرية.. ولازم تهتم بها..
وأدرك المزارع البسيط بفطرته.. عبقرية ابنته.. قبل أن تدركها هى! وباع قطعة من أرضه. ورحل إلى القاهرة حيث اشترى لوكاندة فى حى الحسين. وأخرى فى العتبة هى «لوكاندة وادى النيل» التى لا تزال قائمة يديرها شقيقها الصغير..
بدأت سميرة موسى رحلتها مع العلم.. والحياة..
النبوغ لا يدق الأبواب.. وإنما هى الأبواب التى تنفتح تقديرا واحتراما له!
وعندما التحقت سميرة موسى بمدرسة البنات الأشراف الأهلية التى كانت تشرف عليها الرائد نبوية موسى.. كانت سميرة تتمنى أن تدرس العلوم. ولم يكن بالمدرسة قسم للعلم ففتحت لها نبوية موسى هذا القسم خصيصا، بل وأقامت لها معهدا وتخرجت سميرة موسى لتكون الأولى على القطر المصرى والتحقت بكلية العلوم وتخرجت الأولى أيضا على الكلية، وكان من المفترض أن تصبح معيدة. لكن الجامعة رفضت.. لماذا؟
لأنها.. بنت!
وكانت مناصب التدريس وقتها مقصورة على الرجال. لكن أستاذها الدكتور مصطفى مشرفة الذى كان صديقا لعالم الذرة أينشتين هدد بالاستقالة إذا لم تقبلها الجامعة كمعيدة!
وقد كان للدكتور مصطفى مشرفة دور هام فى حياة سميرة موسى واتجاهها لأن تكون أول عالمة ذرة مصرية!
وكانت جادة فى دراستها.. تعشق العلم والقراءة.. كانت تذاكر وتظل تقرأ طوال الليل.. حتى يغلبها النوم وتسقط الأوراق على صدرها، ويدخل عليها والدها فى هدوء ويجمع الأوراق وينصرف على أطراف أصابعه ويغلق باب الغرفة بحذر، لتنام ابنته العبقرية الساعات القليلة التى تبقت مـن الليل!؟.