الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أنيس منصور قال لي عن السادات "١-٢"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أشياء كثيرة جمعتنى بالكاتب الكبير أنيس منصور وأولها أننى كنت فى شبابى مثل ملايين القراء فى مصر والعالم العربى من معجبيه أجرى وألهث وراء كتاباته المثيرة الشيقة.. سواء مقالاته أو كتبه وأشهرها «٢٠٠ يوم حول العالم».. وهو واحد من أجمل كتب أدب الرحلات.. وفيه أعاد أنيس منصور بطريقة صحفية فكرة الكاتب الفرنسى جول فيرن التى ظهرت فى كتابه الشهير «٨٠ يوما حول العالم».. وهى رواية جميلة عن رجل إنجليزى يقوم برهان مع أصدقائه على أن يطوف العالم فى ٨٠ يوماً!
لكنى رأيت أنيس منصور لأول مرة فى دار «أخبار اليوم» بشارع الصحافة بالقاهرة.. كنت محرراً صغيراً وكان هو رئيساً لتحرير مجلة «آخر ساعة» التى أنشأها أمير الصحافة محمد التابعى ١٩٤٣.. لتكون واحدة من أقدم وأشهر المجلات المصرية.. والغريب أن أنيس منصور هو الذى تنبأ أننى سوف أجلس على مقعده كرئيس تحرير لمجلة «آخر ساعة» ذات يوم.
وكان ذلك وقت أن كنت بعد سنوات أقوم بإعداد الأعداد التجريبية لجريدة «أخبار الحوادث».. واستدعانى الكاتب الصحفى الكبير إبراهيم سعدة وكان رئيساً لتحرير «أخبار اليوم» لأطلع أنيس منصور الذى كان يزوره فى مكتبه عليها.. وبعد أن تصفح أنيس منصور هذه الأعداد قال لإبراهيم سعدة: تعرف يا إبراهيم.. لن يحقق لك التطوير الذى تحلم به لـ«مجلة آخر ساعة» سوى محمود.. لماذا لا تعينه رئيساً لتحريرها؟
ولم يعلق إبراهيم سعدة وقتها على ملحوظة أنيس منصور.. لكنه عيننى بالفعل رئيساً لتحرير «آخر ساعة» بعد هذه الواقعة بحوالى ٨ سنوات!
وهكذا تحققت نبوءة أنيس منصور وجلست على مقعده كرئيس تحرير.. وكان قد غادر «آخر ساعة» منذ سنوات بطلب من الرئيس أنور السادات.. الذى جعله يصدر مجلة «أكتوبر» التى كانت بفضل أنيس منصور واحدة من أنجح المجلات المصرية.
لكن تلك لم تكن كل علاقتى بأنيس منصور.. فقد كنت أستشيره فى كل كبيرة وصغيرة فى مجلة «آخر ساعة» طوال السنوات الأربع التى رأست تحريرها.. وكتبت عنه أكثر من مرة.. وكتب هو عنى فى عموده اليومى الشهير فى جريدة «الأهرام» أكثر من مرة.. ومن أطرف ما كتبه ما اعتقده عن التواصل الروحى الغريب بينى وبينه.
كتب أنيس منصور فى «مواقف» يقول: كنا نتناول طعامنا فى أكبر محلات برلين «كا.. دى.. فى» وفجأة قال أحدنا: إننى معجب بهذا الشاب محمود صلاح رئيس تحرير «آخر ساعة».. ففيه حيوية وصحفى عفريت.
فسألته إن كان يعرفه شخصياً.. فأجاب: كقارئ فقط.. فوعدته أن أجمع بينهما إذا التقينا فى القاهرة.. وفجأة دق جرس التليفون فى جيبى.. وكان المتحدث هو محمود صلاح.. فصرخت: هل تعرف أننا كنا نفكر فيك الآن.. أين أنت؟
فأجاب محمود: أتحدث إليك من مسقط بسلطنة عمان.
سألته: وهل تعرف أين أنا.. إننى فى برلين!
وتساءل أنيس منصور فى نهاية مقاله «إننى بكل تواضع أضيف هذا اللغز القديم فى العلاقات الإنسانية إلى كثير من معضلاتنا التى لم يفلح القرن العشرون فى حلها.. فلعل الحادى أو الثانى من العشرين أن يجد لها حلاً!».
لكنى كتبت أعلق على تساؤل أنيس منصور قائلاً: «الحل بسيط.. وهو أنه كان كما يقول المصريون «القلوب عند بعضها»!
وعاد أنيس منصور ليكتب عنى مرة أخرى فى عموده «مواقف» بالأهرام أيضاً قائلاً: من المؤكد أن الصحفى اللامع محمود صلاح رئيس تحرير «آخر ساعة» لم يعرف الأستاذ محمد التابعى.. لا جلس إليه ولا شرب معه.. ولا دعاه إلى موائده الفاخرة.. التى كانت تضم عظماء مصر فى السياسة والفن والأدب والجمال.. ولكن القدر ساق الأستاذ محمود صلاح إلى حيث كان التابعى أمير الصحافة والرشاقة.. فعندما ذهب إلى تركيا نزل فى غرفة كان ينزل بها التابعى!
«وها هو الآن يجلس على كرسى محمد التابعى صاحب ورئيس تحرير «آخر ساعة».. ولما توفى التابعى ذهب محمود صلاح يسأل ويعرف من السيدة حرمه.. التى أهدته مذكرات التابعى.. والتى نشرها أخيراً بعنوان «أوراق أمير الصحافة».. ومحمود صلاح لم ينشرها كما هى.. وإنما قدم لها وربطها مساعدة للقارئ.. على فهم ما حدث فى مصر منذ خمسين عاماًَ.. الأسبوع القادم نكمل.