الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تجفيف مصادر تمويل "داعش"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تتمحور مصادر تمويل تنظيم داعش حول خمسة مصادر رئيسية تتمثل فى إيرادات بيع النفط المسروق من الآبار النفطية الواقعة فى الأراضى السورية والعراقية، التى يسيطر عليها التنظيم، ومتحصلات مدفوعات الفدية جراء خطف المدنيين العراقيين والأجانب، والإتاوات والرسوم وما يشبه الضرائب على الأفراد ومنشآت الأعمال التجارية والصناعية والمالية والزراعية والنقل، وإيرادات الأنشطة الإرهابية وسرقات الآثار والمخطوطات التاريخية، وتبرعات الأثرياء والمراكز الإسلامية فى الدول الغربية.
ومن الواضح أن المصادر السابقة تم التعامل معها بشكلٍ جيد مؤخرًا؛ فالحرب الروسية التركية المكتومة أدت إلى تعرية النظام التركى الذى يرسل شاحناته لجلب البترول من الآبار التى يسيطر عليها داعش فى سوريا والعراق لكى يبيعها لتركيا -أردوغان وابنه وزوج ابنته- بثمنٍ بخس مقابل السلاح الذى يحصل عليه التنظيم من الدولة التركية علاوة على التسهيلات اللوجستية الأخرى وعلاج عناصر التنظيم فى المستشفيات التركية، وقد تزامن كشف المخابرات الروسية لذلك مع تدمير الشاحنات التركية التى تساعد التنظيم فى تصريف إنتاجه اليومى من البترول والذى تختلف التقديرات بشأنه ما بين ٢٨ و١٧٠ ألف برميل يوميًا، ولا شك أن كشف علاقة أردوغان ببترول داعش وتدمير شاحنات المستورد الرئيسى لهذا البترول يحرم التنظيم من مصدر تمويل مهم يُدِرُ عليه ما يصل إلى حوالى ٢ مليون دولار يوميًا.
وعلاوة على ذلك، فإن مصادر التمويل الأخرى لداعش أصبحت على المحك بعد تراجع قوة التنظيم وقدرته السريعة على الحركة وفرض سيطرته على مناطق النفوذ، وهو ما استتبع بالضرورة تناقص موارد التنظيم من الرسوم والإتاوات، وتراجع الأنشطة الإرهابية التى كانت تُدِرُ عائدات مختلفة من نهبٍ للمصارف، وسبى للنساء اللاتى كن يُعْرَضْنَ فى أسواقٍ للرقيق ويُبَعْنَ فيها لصالح التنظيم، وسرقاتٍ الآثار والمخطوطات التى كانت تشتريها الدول التى لا تاريخَ لها ولا هَمَ لها إلا سرقة تاريخ الآخرين لكى تتباهى به فى متاحفها الوطنية التى تقتات على حضارات الآخرين، كما أن تبرعات أثرياء الخليج والمراكز الإسلامية الغربية أصبحت محل شك بعد أن طالت عمليات داعش بعض الدول الخليجية والغربية، وبالتالى أصبحت هناك رقابة صارمة على التحويلات النقدية.
ومن الواضح أن المصادر السابقة لتمويل داعش لم تكن الوحيدة التى كان يجب التعامل معها وتجفيفها، فقد تعامل الاتحاد الأوروبى مع مصدر آخر للتمويل لم يكن فى الحسبان، وقد ساعد هذا المصدر فى تمويل العملية الأخيرة للتنظيم، والتى ضرب فيها الدولة الفرنسية بعملية إرهابية غير مسبوقة تؤذن ببداية عمليات التنظيم فى القارة الأوروبية، بل وربما ساعد هذا المصدر فى تمويل العملية الأخيرة التى نُفِذت على الأرض الأمريكية بعد ساعات قليلة من تصريحات الرئيس الأمريكى باراك أوباما المتعالية بأن الولايات المتحدة محصنة ضد تنظيم داعش، وهو ما تكرر بعدها فى مالي؛ فمصدر التمويل الجديد عابر للحدود، ويمد أيادى التنظيم السوداء فى كل بقعةٍ من العالم الذى نعيش فيه، وفى سابقة هى الأولى، قررت دول الاتحاد الأوروبى فرض قيود على التعاملات المالية التى تتم بالعملة الافتراضية الشهيرة باسم «بيتكوين» Bitcoin.
فبُعَيْدَ العمليات الإرهابية فى فرنسا، تداول الإعلام الفرنسى بيانًا لقراصنة يُطلقون على أنفسهم «Ghostsec»، ويقولون إنهم تابعون لمجموعة القراصنة الشهيرة «أنونيموس»، بشأن امتلاك تنظيم داعش حسابًا بهذه العملة الافتراضية، وأوضح البيان أن رصيد الحساب يناهز ٩٢٩٨ «بيتكوين»، أى ما يعادل ٣ ملايين دولار، وهو ما أجج المخاوف من إمكانية إقدام «داعش» على استخدام هذا الحساب لتمويل هجمات إرهابية جديدة سواء فى أوروبا أو فى مناطق أخرى من العالم، ولعل هذا هو ما دعا إلى صدور قرار أوروبى بفرض قيود على التحويلات والتعاملات المالية التى تتم باعتماد «بيتكوين»، وهو الأمر الذى يواجه صعوبات كبيرة أهمها الطبيعة الافتراضية لهذه العملة.
وعلى شبكة الإنترنت، توجد آلاف المواقع المتخصصة فى تدبير هذه التعاملات، نسبة منها تقدم خدماتها باللغة العربية، ويُعَرِفُ أحد هذه المواقع «بيتكوين» بأنه «شبكة جامعة توفر نظامًا جديدًا للدفع ونقودًا إلكترونية بشكلٍ كامل»، «بيتكوين» هو أول شبكة دفع غير مركزية تعمل بنظام الند للند، تتم إدارتها بالكامل من قبل مستخدميها بدون أى سلطة مركزية أو وسطاء، ومن وجهة نظر المستخدم، فبيتكوين يمكن تشبيهها إلى حد كبير بالعملة النقدية الخاصة بالإنترنت، وتاريخيًا، كلمة «بيتكوين» هى الاسم الذى حمله أول تطبيق معلوماتى ينتصر لمفهوم «العملة المشفرة» غير نقدية الذى تم الحديث عنه لأول مرة فى عام ١٩٩٨، وفى غضون سنوات قليلة تحول التطبيق إلى منصات كبرى لإدارة هذا النوع من التعاملات المالية، غير أن القائمين على هذه المنصات يؤكدون أنهم مجرد مطورين لا يتدخلون فى التعاملات التى تتم عبر منصاتهم.
ويتضح من خلال هذا التعريف أن أهم خاصية لـ«بيتكوين» قابلية إجراء تحويلات مالية بدون الحاجة إلى تقديم بيانات أو وثائق تثبت الهوية إلى طرفٍ ثانٍ يمكنه تسلم الحوالة بدون أن يكون مجبرًا على الكشف عن هويته أو الإدلاء بوثائق تثبت أنه المعنى بالحوالة فعلًا.
إن العُملة الافتراضية تمنح التنظيمات التى نشأت فى أحضان الإنترنت حياةً جديدة يجب إزهاقها قبل أن تقضى على الحضارة الإنسانية بأدوات عصر المعلومات!