الأربعاء 29 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

ملائكة وشياطين في التخشيبة.. أسرار العالم السفلي للسجن الاستثماري.. ومنتحل شخصية عبدالفتاح السيسي يروي قصة النصب باسم الرئيس

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

أسرار العالم السفلى للسجن الاستثمارى

منتحل شخصية عبدالفتاح السيسى يروى قصة النصب باسم الرئيس

كتاب جديد يكشف لعبة المساجين لتهريب مخدرات وسلاح خلال عودتهم من المحكمة

مهرب أنفاق غزة: الدولة كانت تسهل لنا المرور وتشاركنا قبل سقوط "مبارك"

منتحل شخصية عبدالفتاح السيسى مدخل لاختراق السجن الاستثمارى بالقاهرة.. وراء كل قصة حياة كاملة تستحق أن تروى، كل سجين يخفى جريمته في قلبه، ويحمل أدلة براءته على كفه، و"ياما في السجن مظاليم" لا تفارق لسانه لدرجة تدفعك إلى الاعتقاد بأنّ كل من دخل السجن سيخرج لعدم كفاية أدلة الاتهام، أو لعدم وجود اتهام من الأساس.

للقصة روايتان، الرواية الأولى عند النيابة، وفى التحريات، والورق الخاص بملف القضية أمام القاضى، الرواية الثانية في دماغ كل سجين يعتقد أنه دخل السجن ظلمًا، وسيخرج في الجلسة المقبلة.

السجن الاستثمارى حالة خاصة تبدأ من اسمه، الذي منحه له السجناء بدلًا من اسمه الحقيقى وهو "سجن استئناف القاهرة"، أما لماذا أطلقوا عليه لقب "الاستثمارى" فهذا سؤال يجيب عنه شريف الصيرفى، خلال كتابه "شغب في المعتقل" الصادر عن دار كنوز

يقول: "سُمِّى بهذا الاسم لأن أي شخص من أي سجن في جمهورية مصر العربية لديه قضية في سجن الاستئناف يتم ترحيله إليه حتى تنتهى القضية، وكانت الأموال تنهال على الأمناء والمخبرين، رشاوى واتجار في المخدرات.. إلخ، فذلك السجن يضم أشخاصًا من أول مصر إلى آخرها، حتى إنه يضم السياسيين والجنائيين، وعندما دخلت إلى الاستئناف وتم تفتيشى دفعت نحو كرتونتين سجائر حتى لا يتم بعثرة متعلقاتى". 

يرجع الصيرفى السبب المباشر لتسمية سجن الاستئناف بالاستثمارى إلى أن «أمناء الشرطة يتاجرون في المخدرات، وينقلون من يشاءون من غرفة لأخرى بالسجائر، وكان سعر حبة المخدرات خارج سور السجن يتراوح بين جنيه و٥ جنيهات، وبمجرد أن يدخل المخدر داخل السجن يرتفع سعره من اثنين جنيه - مثلا إلى ١٠٠ جنيه حسب الكمية الموجودة". 

تسير تجارة المخدرات داخل "الاستئناف" بطريقة سلسة، وتحت إشراف كبار «الدبابير»، عن طريق سماسرة من المساجين، منهم: سبتية، نبطشى زنزانة ٨، الذي كان تاجر مخدرات - لصالح المخبرين وأمناء الشرطة يجلبون له الأفيون والبرشام والترامادول وما لذّ وسَطَل وخفّ وزنه ثم يعيد هو بيعها، ويضع حصته في جيبه، ويدخل الباقى حصَّالة حرَّاس السجن، وأحيانًا كان يبيع راديوهات وأجهزة إلكترونية وفلاشات عليها أغان.


اختراق العالم السرى لسجن الاستئناف، الذي أصبح "استثماريًا" لطبيعته، يكشف بيزنس خفيا يدور في الزنازين المغلقة، ووراء الجدران المعتمة، يخرج منه السجَّان، الذي يحصل على راتب حقير من وزارة الداخلية آخر الشهر، مليونيرًا.

مليونيرات الداخلية ليسوا الوزراء ومساعدى الوزير واللواءات وحدهم، إذ إنّ كل رتبة تستهدف نوعًا خاصًا من البيزنس يليق بها، من اختلاس الأراضى وتجارة السلاح بين الكبار إلى تجارة الترامادول للمخبرين ومآمير السجون.

باختصار، كل حركة وكل خدمة في السجن الاستثمارى بمقابل ضخم، وكل العابرين عليه يدفعون، وكله بالتسعيرة، الخروج من الغرفة والتمشية في السجن بالكامل بعلبتي سجائر، دخول حمام المخبرين المجهز بسخَّان مياه بعلبة سجائر واحدة، إدخال أطعمة ممنوعة أو قطعة حشيش بـ"إتاوة" تحددها المفاوضات، وتختلف حسب كمية المخدرات الواردة إلى السجن.. كل يوم بسعر.

بورصة السجن رابحة، كل مخبر يضارب يخرج بمحصول يكفى لإغراق محل بقالة يدرّ دخلًا ضخمًا، حيث إنه في نهاية اليوم يجلس أمين الشرطة الكبير وبجواره جبل من كراتين السجائر، والأموال المبعثرة على صينية الشاى، الذي يحبس به بعد العشاء، ويبدءون في تقسيم الغلَّة "قسمة العَدْل" كما يدّعون.

دخول السجن عائدًا من جلسة محاكمة، أو قادمًا من جهة خارجه لا يمرّ دون تفتيش، وإجراءات خانقة تبدأ بخلع البنطلون، ودخول الحمام، وإخراج "بول وبراز" لكشف ما إذا كنت بلعت أمبول مخدرات أو أي ممنوعات.. من القصص التي تدور داخل السجن في باب النميمة أن عتاة الإجرام يرفعون حتى زجاجة ٦٠٠ مللى مملوءة بالمخدرات، ويدخلون بالمطاوى والأسلحة البيضاء، البعض يقول إنهم من أصحاب الأيادى الخفيفة، ومهارة التهريب لديهم تكفى لمرور أي ممنوعات مهما كانت ضخمة وبارزة ومشمومة كما تمرّ النملة تحت عقب الباب.

البعض الآخر يشكك في قدراتهم الإجرامية مؤكدًا أن الأمر كله راجع إلى تربيطات مع المخبرين، وأمناء الشرطة، الذين يسمحون بالمرور مقابل "قسمة العدل" أيضًا.


أين يقع منتحل شخصية الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى من المشهد؟.. كان راقدًا على بلاط زنزانة ٨ البارد داخل السجن الاستثمارى في "باب الخلق" بالقاهرة، يروى لزملاء "القروانة" - حسب مفردات السجون قصته.

ظلَّ منتحل صفة نقيب أمن دولة لمدة ٥ سنوات، نصب خلالها على مؤسسات حكومية عن طريق رقم هاتف مميز، ورقم هاتف خاص، ورقم آخر يُمْنَح للأمراء والشخصيات العامة يظهر للمتصل "٠٠٠"، وحصل عليه عن طريق صديق له يعمل في شركة اتصالات حين سافر الأمير العربى الذي كان الخط في تليفونه الخاص تركه دون تعطيله، وظلّ الخط يعمل.

يقول: "أنا وأصدقائى من العاملين بالداخلية نصبنا كمينًا وهميًا في منطقة السادس من أكتوبر واستخدمنا سيارات شرطة خاصة بإحدى الجهات التي نعمل فيها، لسرقة المارَّة، وبالصدفة مرَّ رئيس مباحث قسم أكتوبر ودار الحوار التالى:

رئيس المباحث: أنا ماعنديش علم بوجود كمين في المنطقة دي؟!

النصاب: حضرتك ده كمين أمن دولة.

رئيس المباحث: ماعنديش معلومات.

النصاب: حضرتك جاى من الشغل ولا من البيت؟

رئيس المباحث: من البيت.

النصاب (بلغة حازمة): خلاص يبقى حضرتك تتفضل على القسم وتسأل هناك.

بينما تغادر سيارة رئيس المباحث، أمر النصاب أصدقاءه بفضّ الكمين فورًا.

ما أسهل أن تجد وظيفة في مصر! هي رحلة بحث منذ تخرجك من الكلية، وحصولك على بعض الشهادات، واصطياد بعض كلمات اللغة الإنجليزية التي تؤهلك للعمل ثم تتقدم بأوراقك وشهاداتك لشركات ومصانع ومكاتب، تجرى لقاءات بصاحب العمل، ينتهى بكلمة "كان بودى أعيّنك.. لكن إيدى أقصر كتير منى"  

خطة ممنهجة لضياع الوظيفة وتدميرك نفسيا ومعنويًا، بينما على الجانب الآخر من الحياة، كان منتحل شخصية "السيسى" يعرف مدى رغبة شخصيات عليا في الدولة لنفاق القيادات، وتقديم أي تسهيلات أو وسائط أو خدمات لـ"نيل الرضا"، وانتظارًا لرد الجميل.

بهذا الفهم العميق لنفسية الموظف المصرى، الذي يحمل رغبة في الانحناء (وليست - فقط قدرة على الانحناء) صاغ طريقته للنصب على الوزراء والشخصيات العامة، كان يتصل بوزير أو أكثر، يقدم نفسه بصفة نقيب من جهة أمنية، ويطلب: "الجهاز يريد فلانًا في المنصب الفلانى، هذا ليس طلبًا شخصيًا، إنما له علاقة بأمور تخص عملية نقوم بها حاليًا"

يغلق الهاتف ثم ينتظر اتصالًا من فلان يبلغه بأنه تمّ تعيينه سكرتيرًا لمكتب وزير، أو وكيل وزارة، أو عضوًا بالمجلس الأعلى للثقافة أو "حقوق الإنسان"

العالم الخفى للوظائف في مصر يدار بطريقة غير عادلة، يحركها شِلَل من النصابين والمسؤولين "المشتاقين" إلى مسئوليات أثقل ومناصب أعلى، فهم يريدون أن يرتفعوا إلى مراتب الأنبياء والقديسين مهما كلّفهم ذلك من قرارات ستعود عليهم بالفضيحة.

 


سقوط "نصاب زنزانة ٨" كان مدويًا داخل أروقة الأجهزة السيادية

قرَّر أن ينتحل صفة رئيس المخابرات الحربية، لتعيين نفسه في شركة بترول براتب لا يقل عن ربع مليون شهريًا.. ضربة قاضية قرَّر أن ينهى بها حياته في النصب ليحجز مكانا مرموقًا في شركة كبرى، اتصل برئيس الشركة وقدَّم نفسه باسم اللواء عبدالفتاح السيسى، مدير المخابرات، وبعد نهاية عملية تعيينه، اتصل وزير البترول بوزير الدفاع مجاملًا، ومنتظرًا ردّ الجميل، وأبلغه بتعيين نسيبه "فلان" في المنصب، ولكن الوزير فوجئ بأنه تم النصب عليه، وألقت الشرطة العسكرية القبض على المتهم، وأحالوه للمحاكمة، وحكم عليه بـ٣ سنوات سجن.

 حبيب العادلى حاضر في قصة عقيد الأمن المركزى المتهم في قضية أموال عامة، وكان سمينًا جدًا، ولم يستطع دفع باقى الأقساط بسبب إفلاس شركته.

قال عن ثورة ٢٥ يناير: "اعتقدنا أن هناك حربًا، لكن الأمر أتفه من ذلك. بص، إحنا لو كنا عايزين منخليش حد يقرب لأقسام الشرطة زى ما عملنا مع معسكرات الأمن المركزى كنا عملنا وحمينا الأقسام كلها، بس إحنا خفنا المسألة تتطوَّر"

ويعلق على وزير الداخلية الأسبق، حبيب العادلى: "الوزارة كلها عارفة إنه متورط في قضايا ياما، بس هيخرج، كل الناس دى هتخرج في الآخر؛ دى سياسة وإحنا طرف فيها، وهنكسب في الآخر، والإخوان دول أغبيا طول عمرهم، البلد كانت في إديهم بس غباءهم بقى هنقول إيه!".


يروى "الصيرفى" عن شخصية غامضة صادفها داخل سجن الاستئناف "الاستثمارى": "دخل صابون ميرى كتعيين للحجز، وكان رديئًا للغاية، فقرر الشيخ (أ) نقشه على شكل قطع شطرنج، وكنا نلعب به جميعًا لنسلِّى وقتنا

السؤال الآن: وما الغريب في ذلك؟.. يمكن أن يحمل وصف الشخصية جانبًا من الإجابة: "كان قصير القامة جدا وسمين الجسد وعمل سباكًا في ليبيا وكان يعطى نفسه قدسية من نوع ما، لأنه شيخ بالرغم من أنه لم يدرس الدين أبدًا، ورغم أنه لم يدخل تعليمًا جامعيًا، ولا درس أي دراسة أكاديمية، يكفِّر ويدخل من يشاء الإسلام، بل يلقى به في الجنة، ويلقى بمن يغضبه في النار، لمجرّد أنه عضو في جماعة الإخوان.. لكنه يلعب معنا شطرنج ولا يعتبر إن (كش ملك) كفرًا". 

غرفة "الإيراد" معدة لمن يريد أن يموت مع كل سحبة طبلية من تحت قدميْ سجين بالبدلة الحمراء؛ فأمامها مباشرة غرفة الإعدام، و"عشماوى" ضيف دائم.

ولأن من يقع من الإخوان أو الثوار أو مهربى الأنفاق لا بد أن يقضى أيامًا سوداء قبل أن يجد طريقه القانونى السليم بالنيابة ثم المحكمة ثم السجن، يأخذ حصته من الرعب والموت في "الإيراد" 

دخلها ٣ من بور سعيد سقطوا خلال تهريب بضاعة من الميناء عن طريق دفع الرشاوى ثم يذهبون بها إلى سيناء، يعبرون الأنفاق، والقصة الكاملة لهم تحمل خفايا وأسرار "إمبراطورية التهريب

السؤال كان حاضرًا: كيف تعبرون كل هذه المسافة؟ ومن يسهل لكم التهريب؟

الإجابة: "قبل سقوط نظام مبارك كانت الدولة تسهِّل لنا العبور، وكانوا سايبنا بس بعد الثورة الوضع بقى صعب جدا من حيث التأمين والتفتيش، التهريب يشمل سلع عادية لا سلاح ولا غيره، بس بيدفعوا هناك كتير قوى مقابل مرور السلع المطلوبة، واللى سهّل لنا المرور في الأنفاق عرب، وفلسطينيين، وأفارقة، وجنسيات مختلفة


ماذا لو دخل رسام السجن؟.. تجربة ليست جديدة مرَّ بها محسن شعلان، الذي كان متهمًا بسرقة "زهرة الخشخاش" قبل سنوات، وحين خرج قال عن عمل فان جوخ: "دى لوحة زبالة" السجن يغيِّر النفوس كثيرًا، من الشراهة في عبادة اللوحات والألوان إلى كراهية الفن، ومن شيء يمين إلى شيء أقصى اليسار، والله أعلم بعباده، وقد يتحوَّل الرسام إلى شخص أكثر إبداعًا فيرسم كاريكاتير ساخر للمأمور والمساجين على جدران الزنازين!

وهو ما جرى في سجن الاستئناف.. علاء النهرى، مسجون "أموال عامة"، كان "رسامًا بارعًا وابن ناس كبير قوى وعنده أراضى ياما سياحية، وأبيض الشعر، ويبدو عليه إنه ابن عز، لكن الزمن جار عليه، وتمّ الحجز على كل أملاكه لسبب ما وبقاله في السجن أكثر من ١٥ سنة، وكان موهوبًا في الرسم لدرجة إن في يوم من الأيام رئيس المباحث أهانه فرسم رسمة للسجن، ورسم المساجين مربوطين في الأعمدة، ورسم رئيس المباحث - كما هو بالضبط يضرب أحدهم"، كما يروى شريف الصيرفى.

ما الذي جرى لـ"النهرى"؟.. عاقبوه بالتأديب فاعتزل الرسم والألوان، وحين طلب منه رسم بورتريه لأحد المساجين السياسيين، ردّ: "مش هارسم تانى