الأربعاء 29 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

مسار الدولة المصرية على الساحة الدولية.. نظرة موضوعية "3"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا شك أن رصيدا معتبرا نضيفه إلى التجربة المصرية فى سعيها إلى بلوغ موقعها الصحيح على الساحة الدولية، يظل رهنا بالاعتراف بما تحقق من متغيرات على الساحة الدولية، وما نتج عنها من مستجدات التوازنات الإقليمية والدولية، فضلا عن قبول صادق لنوعية اللاعبين الدوليين، دون حساسيات تحجز تطورا مطلوبا فى منهج استيعاب الدولة المصرية لسُبل نهوضها بدور مؤثر إقليميا ودوليا.
فقد شهدت الساحة الدولية تطورًا تاريخيًا فى نوعية اللاعبين الدوليين الأساسيين؛ إذ لم يعد الأمر حكرًا على «الدولة»، ككيان قانونى هو الأقدم. حيث تزايدت منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وتأسيس منظمة الأمم المتحدة، أدوار المنظمات الدولية، الحكومية وغير الحكومية على السواء، وتنوعت وتوسعت أنشطتها. مثلما كان لتعاظم الدور الفاعل للاقتصاد الحر أثره البالغ فى نمو مطرد للشركات متعددة الجنسيات وعابرة القارات، حتى باتت لاعبًا أساسيًا فى العلاقات الدولية المعاصرة. كذلك انضم فريق من الشخصيات البارزة إلى صفوف اللاعبين الدوليين الأساسيين، سواء بحكم قدراتهم الاقتصادية، أو تميز أدائهم السياسى، أو العلمى، أو الاقتصادى، وخروجه من النطاق المحلى إلى فضاء الساحة الدولية، بحكم التبادل الكثيف الذى أتاحته الثورة التكنولوجية الاتصالية وما أفرزته من مفهوم واسع للعولمة.
وعلى هذا النحو، أجدر بالتجربة المصرية أن تضع استراتيجية واضحة، بموجبها تتواصل وفق قواعد ومعايير منضبطة، مع جميع الفاعلين الأساسيين على الساحة الدولية، دون تجاهل لطرف ما، سواء عن استعلاء بقوة الدولة، أو عن جهل بحقيقة المتغيرات التى أفرزت أدوارًا متنامية ربما لم تجد بعد قناعات حقيقية فى الثقافة السياسية للدولة المصرية، ارتكازًا على محورية «الفكر المركزي» الراسخ فى الدولة المصرية الأعرق بين الدول.
فإذا ما تركنا «الدولة» كلاعب أساسى فى الساحة الدولية، باعتباره لاعبًا نال بالفعل اعترافًا وقبولًا راسخًا، فإن حاجة مُلحة باتت تدفعنا إلى تناول أكثر عمقًا لدور «المنظمات الدولية»، بشتى تصنيفاتها، الحكومية وغير الحكومية، المتخصصة والعامة، الإقليمية والدولية. غير أن نجاحًا ندركه فى هذا الشأن لا يمكن تحقيقه بعيدًا عن ترسيخ قواعد الدولة المصرية الحديثة على طريق التحول الديمقراطى، إذ لا سبيل إلى الانخراط فى المجتمع الدولى من خلال المنظمات الفاعلة، دون إحراز تقدم ملموس فى تجسيد منظومة القيم العالمية، والتى يمكن قياسها بمدى قوة المجتمع المدنى، بجميع تفصيلاته.
وهنا تتأكد ضرورة تنقية الثقافة المجتمعية من النظرة السلبية للعمل الأهلى، وما لحق به من تشويه، بعضه يعود إلى ضعف قبضة سيادة القانون على مدى عدة عقود، ما أدى إلى شيوع الفساد على نحو مُخيف، وبقيته بحكم ما شاب المجتمع المدنى من ارتباط بمؤامرات خارجية على الوطن، بالفعل أنتجت أثرها فى كثير من جوانب العمل الوطنى، خاصة فى وجهه السياسى والإعلامى.
إلا أن مواجهة حاسمة، نسترد بها المجتمع المدنى إلى طريقه الوطنى الصحيح، لم تعد رفاهية يمكن تأجيلها، أو التراخى عنها. ذلك أن تنمية شاملة لا يمكن اكتمالها دون انخراط المجتمع المدنى فى استراتيجية وطنية تؤهلنا إلى دولة مدنية حديثة. وفى هذا الشأن تعلو أهمية إنتاج تشريعات أكثر قدرة على إلحاق المجتمع المدنى بمسئولياته، بعد أن توفر له الدولة المناخ الحاضن لأسباب نجاحه فيما هو موكول إليه من أدوار وطنية، تتزايد وتتشعب كثيرًا بحكم ثقل المسئوليات الواقعة على كاهل الدولة المصرية، واتساع رقعة المشكلات الاجتماعية وتنوعها، ورسوخها فى كثير من جوانب الوطن. يؤكد ذلك أن المنظمات الفاعلة على الساحة الدولية تجد متنفسًا طبيعيًا لها عبر تواصلها مع منظمات المجتمع المدنى داخل الدولة، مثلما تعمد إلى تكثيف تفاهماتها مع المؤسسات الرسمية للدولة، فإذا ما ظلت حبيسة الغرف الرسمية فقط، فقدت معناها ومضمونها المميز لها بين أقرانها من الفاعلين الأساسيين على الساحة الدولية، فيما يشى بخلو الدولة من جوهر الممارسة الديمقراطية، وهو ما لا ينبغى أن تستمر مصر عليه بعد الموجة الثورية التى انطلقت فى الثلاثين من يونيو، والتى تميزت باستنادها إلى إرادة شعبية حرة. لا ينفى ذلك انخراط بعض المنظمات الدولية كأدوات نافذة لسياسات استعمارية، إلا أن الأمر على هذا النحو لا ينبغى أن يمنعنا عن إدراك سُبل آمنة للتواصل والتعاون مع المنظمات الدولية بما يمكننا من استخلاص مصالحنا الوطنية.
وفيما يتعلق بالشركات متعددة وعابرة الجنسيات والقارات، فليس أقل من توفير بيئة متطورة، تشريعيًا واجتماعيًا وإداريًا، تجد أصداءها فى جميع طبقات المجتمع، وتياراته السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بموجبها تتزايد جاذبية الدولة أمام كثير من الاستثمارات الأجنبية، بما لا يجعل من مؤتمراتنا الاقتصادية سقفًا حكوميًا دعائيًا موجهًا إلى الرأى العام المحلى قبل أن يخاطب القوى الاقتصادية العالمية. لاحظ هنا مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي!.
من جهة أخرى، فإن استيعاب الأدوار الدولية لكثير من الشخصيات البارزة دوليًا، يعد أمرًا لا يحمل فى طياته تقليلًا من هيبة الدولة، ولا يشير بأى حال إلى أى انتهاك لسيادة الدولة؛ إذ ندفع إليه إلى تسهيل الالتفاف على استقلال القرار السيادى المملوك حصراً للدولة. بل إن الأمر لا يتعدى تمكين الدولة المصرية الحديثة من استخدام جميع أدواتها المشروعة والمقبولة على الساحة الدولية، بغرض تحقيق أمنها القومى، وبلوغ أهداف التنمية الشاملة الكفيلة بتجسيد طموحات وآمال الشعب.
ولا شك أن الدولة المصرية، أنجبت الكثير من الشخصيات المؤهلة للنهوض بدور إقليمى ودولى، يضيف ولا يخصم من رصيدها، إذا ما تم استيعاب الأمر فى إطار منظومة وطنية حاكمة. وهو أمر يتطلب قدرا أعلى من الفهم لطبيعة الصراع الدولى فى صورته المعاصرة، واستناده فى كثير من فعالياته إلى منشأ اقتصادى، إلى جانب نمو المد الديمقراطى وما يفرضه من صعود «شعبية» ممارسة العمل السياسى على المستوى الدولى، فى تعبير حقيقى عن «شعبية» الممارسة ذاتها على المستوى المحلى. الأمر الذى يزيد من فرص ديمقراطية العلاقات الدولية.
وعليه، فإن توظيفًا أكثر تميزًا تنتظره الدولة المصرية الحديثة، لتضم تحت جناحها رصيدها من الشخصيات المصرية البارزة إقليميًا ودوليًا، فيما يعبر عن تطور الفكر الحاكم للدولة، وإقرارها بما وصلت إليه الساحة الدولية من متغيرات أتاحت فرصًا متنامية على الساحة الدولية أمام كفاءات تمتلك قدرًا متميزًا من الكفاءة، وقدرة فائقة على الابتكار فى مجالات شديدة التأثير فى العلاقات الدولية. ولعل فى ذلك ما يكفى للإشارة إلى ضرورة تنقية الثقافة المجتمعية من عداءاتها الراكدة فى مواجهة أبنائها المتميزين، علمًا ومالًا وفكرًا، شريطة أن تظل سيادة القانون حكمًا لا يغيب عن المشهد الوطنى. لعل تراجعًا نشهده بين صفوف فريق أعداء النجاح، ومراجعة نلحظها تفرض نفسها على المزايدين من دعاة احتكار الوطنية.
والحال كذلك... تبقى «الدولة»، ذلك الكائن القانونى، فى صدارة اللاعبين الدوليين، بحكم تاريخية نشأتها قبل غيرها من اللاعبين الأساسيين، مدعومة بقوة إمكاناتها. إلا أن تفوق «الدولة» على تحدياتها يظل رهنًا وانعكاسًا لقدرتها على إدراك جميع السُبل للتواصل مع مختلف الأطراف الأساسية الفاعلة على الساحة الدولية.