الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

قصة الثروة في مصر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إذا كان لي أن أنصح بقراءة كتاب ما، فسأرشح لك على الفور كتاب (قصة الثروة في مصر) الذي وضعه الدكتور ياسر ثابت وصدر مؤخرًا عن سلسلة مكتبة الأسرة.
لماذا؟ أصبر عليّ قليلاً وسوف أخبرك.
من فضلك اقرأ معي هذه الفقرة التي تعلو هامة المقدمة البديعة للكتاب لتوقن أننا أمام عمل مختلف ومتفرد، يقول المؤلف: (عن ستة حروف يتحدث هذا الكتاب: الثروة. هذه الحروف الستة حكمت مصر، وحرّكت الأحداث مثل مسرح العرائس، وأقامت نهار المحروسة ولم تقعد ليلها حتى الآن. لم تكن الثروة في بلادنا راقصة باليه تسير على أطراف أصابعها بخفة ورشاقة، وإنما دبت بقدميها على الأرض مثل مصارع سومو في مهمة عنوانها الإقصاء والانفراد بالمشهد).
يتناول المؤلف في كتابه النادر هذا تاريخ أثرياء مصر في العصر الحديث، الطيبين منهم والأشرار، وكيف تمكنوا من جمع المال واكتنازه؟ وما الظروف السياسية والاقتصادية التي يسرت لهم مراكمة ثرواتهم المهولة هذه؟ وما طبيعة العلاقة بين الثراء والسلطة؟ وما الفروق بين الربح الحلال والاستحواذ الحرام على الثروة؟ وما الخلافات الجوهرية بين أثرياء الزمن القديم وأصحاب المليارات في الزمن الحديث؟ وما مصير المال والذهب والأراضي والعقارات التي امتلكها الأولون؟ وهل لعبت الدور المأمول في تنمية المجتمع؟ أم أنها استنفدت أغراضها في المتع المشروعة وتلك المشبوهة فضاعت الثروة الطائلة في دهاليز الزمن والليالي الساخنة؟ وهل هناك علاقة ما بين الثراء المصري والثراء العالمي؟ أو بين الرأسمالية المصرية وبين الشركات الكبرى وما طبيعتها وحجمها؟ كل هذه الأسئلة وغيرها تحوم في صفحات هذا الكتاب الفريد.
في لغة بالغة الرشاقة والعذوبة يستعرض لنا الدكتور ياسر ثابت سيرة حياة كوكبة من أغنى أغنياء مصر بامتداد قرنين من الزمان وأكثر، حيث يلقي الضوء على حياتهم وثرواتهم وكيف عملوا على تنميتها ومن منهم حافظ عليها وخدم بها مجتمعه، ومن بددها وأضاعها في مغامرات غير محسوبة.
المدهش في هذا الكتاب الآسر أن الدكتور ياسر غاص في بحر التاريخ واصطاد منه لآلئ نادرة عن شخصيات لم نعرفها أو نسيناها، ولعلك ستدهش حين تعرف أن أول أثرياء الزمن الحديث رجل يدعى حسن طوبار يقيم في المنزلة ويمتلك ثروة طائلة قدرها الفرنسيون بنحو خمسة ملايين فرنك حين احتلوا مصر عام 1798، وكان طوبار هذا زعيمًا لإقليم المنزلة الذي قاد الثوار ضد الحملة الفرنسية، وقد أنفق الكثير من ماله الخاص لدحض نابليون وجنوده.
هناك أيضًا السيدة نفيسة البيضا زوجة مراد بك والتي لقبها المصريون بأم المماليك، وقد امتلكت القصور الباذخة والبيوت الفسيحة علاوة على (جيش خاص يتألف من 400 مملوك وأسطول من السفن على النيل، و56 جارية واثنين من الخصيان). ومن عجب أن هذه هي المرأة الوحيدة التي دعت نابليون على العشاء في قصرها في محاولة منها لتخفيف قبضة الفرنسيين عن نساء وزوجات المماليك الهاربين أو المقتولين، وقد أكرمها الجنرال الفرنسي الأشهر حيث (تلقت في تلك المناسبة هدية عبارة عن ساعة مرصّعة بالماس).
حكام وأمراء وتجار تذوقوا لذة الثراء الفاحش طوال قرنين من الزمان، وقد اقترب منهم المؤلف بذكاء وحصافة، كاشفاً عن ثرواتهم ومصيرها، راصدًا دورهم الوطني المحترم أو فاضحًا جشعهم وبؤسهم، ونذكر منهم محمد علي باشا والي مصر موفور الصيت والخديوي إسماعيل وقطاوي باشا وعمر طوسون وأبورجيلة وعبود باشا وعثمان أحمد عثمان ونجيب ساويرس وأحمد عز ومحمد شفيق جبر وغيرهم. لم يكل المؤلف من رصد حياة الأثرياء وتتبع حركة أموالهم، فركض خلفهم من قرن إلى آخر، وقد استوصى بالاطلاع والمهارة والبحث العميق، فأنجز لنا عملًا جديرًا بالحفاوة والاقتناء.
باختصار.. هذا كتاب استثنائي.. إذا أردته كتابًا في التاريخ وافق هواك، وإذا أردته كتابًا في السياسة استجاب لك، وإذا تمنيته كتابًا في الاقتصاد لبّى أمنيتك، وإذا طمعت في كتاب يحلق بك في فضاءات السير الذاتية لم يتأفف من طمعك، أما إذا كنت من عشاق البناء المحكم والعبارة الحلوة واللغة الفاتنة، فستجد في كتاب (قصة الثروة في مصر) ما يشبع هذا العشق ويشعله.
ترى.. هل أدركت الآن لماذا أنصح بقراءة هذا الكتاب؟
دكتور ياسر ثابت شكرًا جزيلاً لك.