الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

السياحة الهشة التي يقتلها تصريح صحفي

خالد حريب
خالد حريب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لن أكتب عن ردود الفعل غير المنطقية التى صاحبت تحطم الطائرة الروسية فى سيناء. التربص والكيل بألف مكيال أصبح منهج المجتمع الدولى الجديد، ومن أصابته المفاجأة من رد الفعل الدولى عليه أن يراجع نفسه سياسيًا ليعرف موضع قدمه بين دول العالم، ويدرس من جديد رؤية الآخر له ولبلاده.
الحادث مؤلم بلا شك، مدنيون أبرياء انتهت حياتهم فى ثوان معدودة، وبدلًا من التضامن والتعاضد الدولى لكشف سر الحادث، راحت كل دولة تحكى فيما يخدم حربها غير المعلنة مع مصر، هذا مفهوم وواضح، ولكن غير المفهوم هو التعامل الرسمى مع تلك الأزمة، فقد بدت مصر وكأنها من ارتكب الجريمة وبدا الجانى كصاحب حق يفعل ما يريد، نعم انعدام الكفاءة السياسية فى مواجهة ذلك الموقف صنع مناحة كبيرة، وكأن السياحة بمصر هى نهر النيل الذى نشرب منه، وإن تعثرت منابعه تذهب بلادنا إلى الهاوية.
أكتب هذا لنضع الأمور فى حجمها ونستخلص الدروس المستفادة من الأزمة، فليس معقولًا أن تمتلك مصر كل هذا الميراث الحضارى والطبيعة الجاذبة بينما تفشل فى صناعة بنية أساسية لتلك الصناعة تكون قادرة على الدفاع عن نفسها ولا تتأثر بأى متغيرات، عشنا عمرنا كله ونحن نتعامل مع القائمين على صناعة السياحة وكأنهم أطفال لم يتجاوزوا مرحلة الفطام، صراخ وشكوى ومطالبات متواصلة بأن تقدم لهم الدولة كذا وكذا، نعم الدولة مسئولة فى بعض الجوانب ولكن أين مبادرات صُناع السياحة؟ بدون شراكة حقيقية بين الدولة ومليونيرات السياحة، سنضطر لكتابة مثل هذا المقال مرة ثانية بعد عشرة أعوام.
المواطن المصرى البسيط تساءل مع بدء الأزمة وتصاعدها عن الملفات الضريبية لمليونيرات السياحة حتى يقرر التضامن معهم من عدمه، كما تساءل عن العائد عليه شخصيًا ولم يجد إجابة، فصار الموقف بالنسبة له واضحًا وهو أن يدعى إلى ميدان المواجهة ولا يدعى إلى المجالسة عند استقرار الأحوال، هذا الخلل إذا لم يتم وضعه فى عين الاعتبار سوف تخسر صناعة السياحة كثيراً، تقول بعض الأرقام إن إيرادات قطاع السياحة فى عام ٢٠١٠ بلغت حوالى ١٤ مليار دولار وساهمت فى زيادة الاحتياطى النقدى، وكذلك ساهم قطاع السياحة فى تشغيل ما يقرب من ٤ ملايين مواطن أغلبهم من الشباب، كما ساهم القطاع فى دعم أنشطة ٧٠ صناعة تقدم خدماتها لقطاع السياحة، وكل هذا جيد وحسن ولكن على متخذ القرار أن يتذكر أن مصر تضم أكثر من ٩٠ مليون مواطن، من الممكن أن يكونوا شركاء فى صناعة السياحة إما بالعمل فيها أو كمستهلكين لها. 
قطاع السياحة الذى يمد مصر بـ ١١٪ من الدخل القومى بالعملة الصعبة، ليس هو الأوحد بمصر حتى ننصب سرادق العزاء على الاقتصاد المصري، سافرنا إلى دول عديدة وعلى وجه الخصوص دول آسيوية ورأينا كيف تتعامل تلك الدول مع ضيوفها، لا مجال هناك للفهلوة أو الابتزاز، لا مجال للطبقية فى نوعية السياح، لا مجال للكذب أو الغش التجاري، لا مجال للتحرش أو لشرطة الأخلاق، فضاء مفتوح للعمل وكل من يجتهد يحصد.
الفرص مازالت متاحة، التخطيط العلمى والكفاءة والمرونة التشريعية هى مفاتيح المستقبل، الأمن هو المفتاح الرئيس وتطبيق القانون بحسم على من يخرج عليه، وهل تعلم مؤسسة الرئاسة أنه قبل أعوام ثلاثة استطاع بدو من جنوب سيناء طرد ملاك بعض الفنادق فى مدينة دهب واحتلال الفنادق بالسلاح وتحويل حمامات السباحة إلى مكبات للنفايات، ليس هذا فقط، ولكن هل تعلم أن من ارتكبوا تلك الجرائم مازال بعضهم أحرارًا فى شوارعنا، القصة ليست طائرة وحادثا وتربصا دوليا، القصة تبدأ من عندنا وتنتهى إلينا أيضاً.
وهذا التحرك الآن، الآن، الآن، وليس غدا هو المطلوب والواجب على إدارة الدولة، ليس بالأغانى أو البرامج التى لا يشاهدها أى سائح لكنها بإدارة مشروع سياحى ينفق عليه مليونيرات السياحة لوضع مصر كرغبة أولى عند كل سائح على مستوى العالم، ولدينا من التنوع الحضارى ما يلبى شغف كل سكان العالم، من أقصى الأرض إلى أقصاها، ولدينا بالفعل دعايات متأصلة فى كل الدول التى فتحت لعلم المصريات أقساما فى جامعاتها، وحان الوقت لننفض التراب عن الدراسات المخزنة عن السياحة وتنشيطها، وأن نردم التراب على ما يسمى «هيئة تنشيط السياحة» التى حولت التنشيط إلى تثبيط وروتين سخيف.
وهذا التحرك ليس مقصورا على السياحة، بل على كامل الخريطة الاقتصادية التى أصبحت «مناظر» وليست «قصة»، وشكلا فارغا من الإيمان به، ولنا فى كل الجوانب الأخرى حديث يطول.