الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أهِلَةٌ وصُلبَان!

د. شريف درويش اللبان
د. شريف درويش اللبان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الظاهرةُ اللافتة في الدعايةِ الانتخابية لبرلمانِ ٢٠١٥ هي خلطُ الدينِ بالسياسة التي سيطرت على المشهدِ السياسي المصرى عَقِبَ ثورة ٢٥ يناير، بعد تَشَكُلِ عددٍ من الأحزاب الدينية وتَصَدُرُها للعمل السياسي المصري؛ هذه الظاهرة لم تَغِبْ عن الانتخابات البرلمانية الحالية، بل تجسدت الظاهرة في جلاءٍ ووضوح في عديدٍ من الدوائر، وكأن الشعبَ المصرى لم يَقُمْ بثورةٍ على الإخوان وحكمهم الذي كاد يُسْلِمَ مصرَ لدولةٍ دينية يحكمُها مكتبُ الإرشاد.
وفى هذا المقال نتناولُ بعضَ أوجهِ التوظيف للدينِ في الدعايةِ الانتخابية بالانتخاباتِ البرلمانية الحالية، وعلى رأسِها استخدامِ المساجدِ والكنائس في الدعاية.
فقد سيطرَت على منطقةِ وَسْطِ الدلتا الدعايةُ داخلَ دور العبادة سواءَ كانت المساجد أو الكنائس، ففى محافظةِ الشرقية رصدَ أحدُ مَراصدِ الانتخابات افتتاحَ أحدِ المرشحين مسجدِ أبى بكر الصديق، وتأدية الصلاة به، وشرحَ بعدَ الصلاة برنامَجَهُ الانتخابى للمُصلين، وفى المحافظةِ نفسِها ولكن في الدائرةِ السابعة، استغلَ أحدُ المرشحين صلاةَ العصر في مسجدٍ بقريةِ القراموص ونظمَ لقاءً داخلَ المسجد لعرضِ برنامجِهِ الانتخابى من خلالِ مُكبرِ الصوت.
وفى محافظةِ المنوفية، زارَ أحدُ المرشحين أحدَ المساجدِ والكنائس في إطارِ جولاتِه الانتخابية، وفى شبينِ الكوم زارَ أحدُ المرشحين كنيسةَ قريةِ «ميت خاقان» للتأكيدِ على ضرورةِ مشاركةِ الأقباطِ في الانتخابات، في حين نظمَ مرشحٌ آخر بالدائرة السادسة بمحافظةِ الغربية مسابقةً لحفظِ القرآنِ الكريم وتكريمِ أوائلِ الطلاب، وداخلَ مسجدٍ بقليوب نظمَ مرشحٌ ثالث ندوةً حضرَها رئيسُ مجلسِ المدينة ونائبِ رئيسِ المدينة ورئيسِ المركز.
وقامَ أحدُ المرشحين عن دائرة العامرية باستغلالِ المساجدِ بدائرتِه ووضعِ مُلصقاتِه على جدرانِها للدعايةِ الانتخابية له.. جاءَ ذلك بعدَ نشرِ فيديو له داخلَ أحدِ مساجدِ «المضيفة» التابعة لقريةِ «فلسطين» بدائرةِ العامرية وهو يقومُ بدعوةِ الأهالي للتصويتِ له، وتمَ تشكيلُ لجنةٍ من وزارةِ الأوقاف، للتحقيقِ في الواقعة، وعقد اجتماعاتها مع أئمةِ مساجدِ الدائرة، لمنعِ محاولةِ أي من المرشحين استغلالَ المساجدِ لصالحِه، وتمَ نشرُ المُلصقاتِ على عددٍ من المساجدِ تحملُ صورتَه واسمَه والرقمَ والرمزَ الانتخابى له.
وتمَ رصدُ عددٍ من داعمى مرشحى «حزبِ النور» السلفى بأحدِ مساجدِ قرى مركزِ المنصورة عقبَ صلاةِ الجمعة لدعمِ مرشحى الحزبِ السلفى بدائرةِ المركز والذي يتنافسَ فيه على سبيلِ المثالِ وليسَ الحصر كلٌ من حسن المير عضو مجلس النواب الوطنى الأسبق وحازم نصر نائب رئيس تحرير «أخبار اليوم» ومدير مكتب الدقهلية ومحمود محمد عماشة مرشح «حزب النور».
وقامَ «حزبُ النور» السلفى بتوزيعِ بعضِ السلعِ الغذائية على المواطنين محدودى الدخل في عددٍ من مناطقِ «قولونجيل» و«جديلة» و«شارع النخل» بمدينةِ المنصورة والتي كان يوجد بها الساحاتُ الدينية الخاصة بالسلفيين بعدَ صلاةِ عيدِ الأضحى الماضى، وقبلَ بدءِ الفترةِ المحددة للدعايةِ الانتخابية، والتي لا تتضمنُ بحالٍ من الأحوال توزيعَ لحومِ الأضاحى والسلعِ الغذائية.
ورغمَ كلِ هذا الكمِ من حالاتِ استغلالِ المرشحين واستباحتِهم لساحاتِ المساجد ومكبراتِ الصوت المخصصة لرفعِ الأذان وجدرانِ المساجد من الخارج للدعاية الانتخابية، إلا أن الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف كان قد قال: «لن نسمحَ باستغلالِ المساجدِ أو ملحقاتِها من ساحاتٍ لأى مظاهرَ انتخابية»، موضحًا أن الوزارةَ ستعيدُ النظرَ في جميعِ تصريحاتِ الخطابة الممنوحة خلالَ فترةِ الانتخابات، ولعل الواقع المُعاش يؤكد بما لا يدعُ مجالًا للشك أن كلامَ الوزير ذهبَ أدراجَ الرياحِ هو وقرارات اللجنةِ العُليا للانتخابات.
وكما تمَ استغلالُ المساجدِ في الدعايةِ الانتخابية، تمَ أيضًا استغلالُ الكنائس بشكلٍ غيرِ مسبوق، حيثُ قامَ مرشحو البرلمان بزيارة الكنائس لحث الإخوة الأقباط على التصويت لصالحهم كجزء من الدعايةِ الانتخابية، وخاصةً في الدوائرِ التي يُمَثِلُ فيها الأقباطُ وزنًا لا يُستهانُ به.
والسؤالُ الذي يطرحُ نفسَه هو: أين المؤسسات الدينية الرسمية في الدولةِ المصرية ممثلةً في الأزهر ووزارةِ الأوقاف والكنيسة من هذه الخروقات والانتهاكات؟ وأين اللجنة العليا للانتخابات بقراراتِها المتعددة التي تُحَرِمُ استغلالَ دورِ العبادة في الدعايةِ الانتخابية؟
إن المرشحين في الانتخاباتِ البرلمانية ليسوا رُسَلًا مُرْسَلِينَ من قِبَلِ الله حتى يبدأوا حملاتِهم الدعائية من فوقِ مآذنِ المساجدِ التي تعلوها الأهِلة وأبراج الكنائس التي تعلوها الصُلبان، لأن هذه المساجد والكنائس هي بيوتٌ لله، ولا يصحُ أن يتمَ توظيفُها في غيرِ ما شرع اللهُ به.
كفانا خلطًا للدينِ بالسياسة، ولنضعُ نُصْبَ أعينِنا أن هذا الخلط هو الذي كادَ أن يُورِدُنَا مواردَ الهلاك.