الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

قراءة في الصحف

"خريف الكذب".. رد اعتبار أنور السادات

مثقفون غربيون يردون على "هيكل"

 أنور السادات
أنور السادات
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
محللان غربيان: «هيكل» تفنن في تشويه «السادات» في «خريف الغضب»
«بايبس»: مؤلف الكتاب اتهم الرئيس الراحل وأسرته بالفساد والتجسس.. وبرر لقاتليه تدبير حادث اغتياله
جون كامبل: «هيكل» كان يضع السم في العسل.. والكتاب لا وزن له في تقييم التاريخ لبطل الحرب والسلام
وما دين المرء سوى كلمة.. وما شرف الله سوى كلمة.. الكلمة نور.. وبعض الكلمات قبور.. الكلمة فرقان بين نبى وبغي.. هكذا قال الكاتب عبد الرحمن الشرقاوى في رائعته «الحسين شهيدا» على لسان الإمام الحسين رضى الله عنه.
قد يقول بعض الناس إن مهاجمى الكاتب محمد حسنين «هيكل» يفتعلون معارك معه لكسب جزء من شهرته، لكن الهجوم على «الأستاذ» كما يلقبه دراويشه ومريدوه يأتى هذه المرة من كتاب ومحللين غربيين، رأوا أن «الأستاذ» تعمد الكذب على الرئيس الراحل محمد أنور «السادات» في كتابه «خريف الغضب» الذي ترجم إلى أكثر من ٣٠ لغة، ليس لأهمية كاتبه ولكن لأنه يتناول قصة بداية ونهاية عصر الرئيس الراحل محمد أنور «السادات» رجل السلام والحرب.
الكثير من المراقبين الغربيين هاجموا «هيكل» وكتابه منذ صدوره وحتى الآن، لكن ما يهمنا هنا ما ذكره المحلل والكاتب الأمريكى «دانيال بايبس» في مدونته، إذ قال: «منذ الصفحة الأولى من خريف الغضب تجد «هيكل» يكتب جملة «أنا مولع جدا بالسادات»، وما يرغب فيه «هيكل» هو جعل القارئ يتذوق تلك الكلمات اللطيفة وتؤثر على عقله حتى ينتهى من قراءة كتابه، فهيكل هنا يدس السم في العسل، حيث ينتهج أسلوبين متناقضين تماما في هذا الكتاب.
بداية يقنع القارئ بأنه يحب الرجل وبعد ذلك ينهال عليه بالطعنات، وكأن كل مشاكل مصر الماضية والحالية ناتجة عن سياسات الرئيس أنور «السادات» الخاطئة، وأن اغتياله في أكتوبر ١٩٨١ جاء حتميا بسبب أخطائه».
وانتقد «بايبس» طريقة «هيكل» في سرد الأحداث وإدانته لكل السياسات الرئيسية للسادات، بما في ذلك طرد المستشارين الروس في عام ١٩٧٢، والتحرير الاقتصادى في عام ١٩٧٤، والسلام مع إسرائيل في عام ١٩٧٧، واللافت للنظر أكثر أنه حتى مع انتصار الجيش المصرى في حرب أكتوبر عام ١٩٧٣ التي كان دهاء وخبرة وخداع «السادات» سببا رئيسيا فيها، فإنه انتقده أيضا في كتابه بقوله: «إنه يختلف بشدة مع إستراتيجية «السادات» بانتهاج حرب محدودة لتمهيد الطريق لسلام دائم».
تعجب «بايبس» من اتهام «هيكل» لـ«السادات» بأنه لم يكن راغبا في الانتصارات الأولىة في الحرب وأن كل ما كان يهمه هو الاتصال بالأمريكان والترتيب معهم، رغم أن الرجل نسق الكثير من الإجراءات مع سوريا، وليبيا، ودول النفط، والعرب حتى يستطيع أن يكون في وضع يمكنه من مواجهة إسرائيل، ووفقا لما قاله «هيكل» فإن نتيجة ما فعله «السادات» وتحوله تجاه الولايات المتحدة أدى بالبلاد إلى ضرر كبير.
رأى «بايبس» أن «هيكل» يدعى معرفته بـ«السادات» وأنه كان مقربا له على مدى السنوات الأربع من حكمه، حتى يتمكن من السيطرة على القارئ حين ينتقد سياساته الدولية والداخلية أيضا، حتى إنه انتقد في كتابه ما فعله إزاء الحركات الدينية آنذاك، والتي إلى يومنا هذا تبعث في العالم الرعب وعدم الأمان، مضيفا أن «هيكل» اتهم «السادات» وعائلته والمقربين منه بالفساد، وإهمال حماية الآثار المصرية، اتهمه أيضا بحصوله على أموال سرية وتجسسه على المسئولين وتدوين المكالمات الهاتفية، هذه الاتهامات الواردة في الكتاب كان «هيكل» يتفنن في وصفها بقدر كبير من التفصيل، وشكل بها الجزء الأكبر من الكتاب، وذلك حتى تثبت التهم على «السادات» أمام القارئ.
وتعجب الكاتب الأمريكى من تصوير «هيكل» لـ«السادات» على أنه كان رجلا منغمسا في الملذات على حساب مسئولياته كرئيس، وهو الذي أهدى النصر إلى مصر، مضيفا أنه كان يصف عاداته على أنه كسول ويستيقظ عادة في وقت متأخر، وتفنن في سرد المزيد من التفاصيل الغريبة حتى عن ممارسات إفطاره، فقال عنه: «إنه كان يتناول ملعقة من العسل المختلط وغذاء ملكات النحل، وكوبا من الشاى، ويقرأ الصحف في السرير»، واستطرد في ذكر جلسات التدليك بأن «السادات» كان له مدلك شخصى، وبعد ذلك يقوم ببعض التمارين البدنية ويأخذ «حمام»، وبعد ذلك يتبعه بوجبة إفطار خفيفة، تتكون على الأرجح بحسب «هيكل» من قطعة من الجبن وبعض قطع الخبز الخالية من السعرات الحرارية، حيث كانت تصنع من الحبوب المستوردة من سويسرا، ووصف «السادات» بأنه كان يرى أن «الفودكا» محفزا مفيدا، وكان يتناول كاسين أو ثلاث منها يتناولها مع صديق، تليها وجبة غداء خفيفة من الدجاج البارد أو اللحم والسلطة، وبعد ذلك يأخذ فترة نوم في منتصف اليوم، ويستغرق في النوم حتى السابعة أو السابعة والنصف، ويستيقظ جائعا.
ثم يقوم بمحادثات مع بعض المسئولين أو محادثات هاتفية مع السياسيين الأجانب، وأنه كان في نحو الساعة التاسعة يطلب لائحة الأفلام المتوفرة، ومن الساعة العاشرة يقوم بمشاهدة الفيلم الأول في سينما خاصة به.
يقول «بايبس»: «إن كل ما يسرده «هيكل» عن عادات «السادات» لا يعرفه أحد، وأن معظم ما يكتبه في «خريف الغضب» ليست له أدلة دامغة أو موثقة، والغريب أنه كان يزيد من الحواشي»، مضيفا أن مزاعم «هيكل» خاصة به، وأن مصداقية «خريف الغضب» تعتمد كليا على صحة المبلغ وهو «هيكل» الذي قال عنه «بايبس» إنه غير صريح حول أهدافه، وأن لديه دوافع خفية، وتساءل المحلل الأمريكى لماذا تكون أحكام «هيكل» جديرة بالثقة وهو ليس فوق الشبهات؟
وبشكل عام فمن وجهة نظر «بايبس» فإن «هيكل» فشل في تحقيق أهدافه من هذا الكتاب وتصدير كراهيته «السادات» للقارئ الغربى، فالغرض الظاهرى من الكتاب هو شرح الأحداث التي أدت إلى اغتيال السادات للغربيين، ولكن الغرض الحقيقى مختلف تماما وهو تشويه سمعة «السادات» وإعلاء ذكرى سلفه الزعيم جمال عبد الناصر، بحسب قوله.
وأشار «بايبس» إلى أن «هيكل» يصور كل فعل من أفعال «السادات» في أسوأ صورة ممكنة، وأنها بسبب تخليه عن سياسات عبد الناصر الاشتراكية، وهاجم «هيكل» الانفتاح الاقتصادى لمصر في عام ١٩٧٤، وقال إنه مهد الطريق لسوء توزيع الدخل والفساد المستشري، فيما أكد «بايبس» أن «هيكل» أهمل متعمدا أن يوضح للقارئ المصرى أو الغربى أن مصر كانت أكثر ديمقراطية، وأكثر ثراء، وأكثر حرية في عهد السادات.
وفشل «هيكل» أيضا في مسألة الدقة، لدرجة أن «هيرمان أيلتس»، سفير الولايات المتحدة في مصر في الفترة من ١٩٧٣ إلى ١٩٧٩ استنكر الكتاب وقال إنه وجد أكثر من ١٠٠ خطأ تاريخى على أرض الواقع في «خريف الغضب»، وقال إنه شخصيا يشهد أنه وهم وغير دقيق وغير صحيح، لأنه يشوه الأمور حتى مسألة السعرات الحرارية والطحين لا يمكن حتى أن يقوم السويسريون بزراعة حبوب مثل تلك التي وصفها «هيكل» في كتابه.
وقال «بايبس» عن «هيكل» إن وجهة نظره السياسية متطرفة والكتاب يعد قصة غير قابلة للتصديق، هو فقط اجتهد لإدانة كل ما يرتبط بالسادات لدرجة أن «هيكل» ينتهى في قصته بالتبير حتى لقاتليه في تدبير حادث اغتياله، وتفنن في تدمير سمعة الرجل، ولذلك لا يمكن الاعتماد على «خريف الغضب»، وليس لها أي اعتبار.
وافقه في الرأى المحلل الأمريكى جون كامبل في مجلة «فورين أفيرز» إذ وصف «هيكل» أيضا بأنه استغل كتابه «خريف الغضب» ليقدم لائحة اتهام لكل السياسات المحلية والدولية لـ«السادات»، محاولا أن يخفى عداءه الشخصى للرجل، وكان يحقن الكثير من السم في العسل في روايته، ولذلك فإن الكتاب لا وزن له في كل التقييمات المستقبلية عن مكانة «السادات» في التاريخ.