الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

نجيب عن السؤال الصعب: من يحاربنا في سيناء؟

كواليس تنشر لأول مرة من واقع الملفات السرية لـ"أمن الدولة"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
■ إيرانيون دخلوا القاهرة بجوازات سفر عراقية لتنفيذ عمليات إرهابية في عدة دول
■ جماعات ليبية اتخذت من مصر معبرًا لدول المغرب
■ عناصر من «القاعدة» دربت قيادات إخوانية على تصنيع القنابل والعبوات الناسفة
■ التنظيم خطط لضرب مواقع حيوية واغتيال شيخ الأزهر والبابا

أخطأ كثيرون عندما انتزعوا التفاعلات التي شهدتها مصر على مدى خمس سنوات كاملة، بداية من 25 يناير 2011، من سياق المشهد الدولى والإقليمى، وتعاملوا مع ما حدث على أنه شأن داخلى لا علاقة له بما يجرى في المنطقة، ورفض هؤلاء أي حديث عن مؤامرة دبرت بليل وحيكت تفاصيلها بدقة مستهدفة مصر والمنطقة بكاملها من أجل تغيير خرائطها بالكامل وإعادة تقسيمها بما يخدم أجندات ومصالح خارجية.
يومًا تلو الآخر تتكشف أمام الرأى العام تفاصيل الصورة الكاملة لما جرى على الأرض من أحداث، وامتداداته الإقليمية والدولية، فما يجرى على أرض سيناء الآن من عمليات إرهابية وملاحقات عسكرية وأمنية للتنظيمات المتطرفة ما هو إلا مشهد النهاية لسيناريو محكم بدأت تفاصيله منذ 2007 في عدة عواصم مجاورة وكادت تطوراته أن تفصل جزءًا غاليًا من الوطن عن بقية الجسد، والآن بات الجميع يستعد لإسدال الستار على تلك المرحلة التي كان الأمن القومى المصرى على المحك وعرضة للانتهاك بشكل لا يختلف كثيرًا عن بعض التجارب المجاورة في سوريا أو اليمن أو ليبيا أو العراق.
لم تكن المجموعات الإرهابية التي يواجهها الجيش الآن في سيناء وليدة اللحظة، ولم تكن - كما فسر البعض - عبارة عن مجموعات شبابية غاضبة من نقص الخدمات وتردى الأوضاع المعيشية أو مجموعات استطاعت التنظيمات الإرهابية غسيل عقولهم لاستخدامهم في تحقيق أغراضها، فالمسألة أبعد من ذلك كثيرا.
هي دائرة واسعة من العمليات القذرة تم الإعداد لها مبكرًا كى نصل إلى النتيجة الحالية.. عناصر من تنظيمات مختلفة في عدة دول مجاورة تتباين في أفكارها وطريقة عملها لكن يجمعها هدف واحد وهو زعزعة الاستقرار وخلق بيئة من الفوضى تتمكن خلالها من التحرك بحرية تامة.. تستغل هذه الفوضى كيانات ودول أخرى تسعى لتحقيق أهداف كبرى.
التفاصيل التي ظهرت للعيان بوضوح الآن، تجمعت مبكرًا أمام أجهزة الدولة ومؤسساتها منذ ٢٠٠٧، غير أن التعامل معها في تقدير قيادات الجهاز في حينها كان يستلزم قدرًا كبيرًا من السرية، هذا ما تكشف عنه الوثائق التي حصلنا عليها من مطبخ جهاز «أمن الدولة» السابق والتي تحتوى على معلومات غاية في الخطورة عن حقيقة المشهد في بداياته.
هل نبدأ سرد تفاصيل القصة من بدايتها؟
البداية كانت من الكتاب الدوري الذي عممته الإدارة العامة لمكافحة النشاط المتطرف بجهاز أمن الدولة السابق على مديرى مكاتب المحافظات التابعين للجهاز في ٨ يناير ٢٠٠٣ لإخطار هؤلاء القيادات بتشكيل وحدات خاصة مهمتها إنشاء ملف لعناصر تنظيم القاعدة الذي كان يقوده في ذلك الوقت أسامة بن لادن.
تمثلت مهمة الوحدة الجديدة في الجهاز في متابعة هذا التنظيم وفكره وعملياته حول العالم وإمكانية اختفاء رموزه ورصد عناصره التي غادرت مصر، وتم رصد انتمائها للتنظيم وقاتلت في السودان أو اليمن أو السعودية عند عودتها لمصر، وطلبت رئاسة الجهاز سرعة إعداد الحصر بتلك العناصر في أسرع وقت ممكن.
هل أصبح واضحًا الآن لماذا كان اقتحام مقر أمن الدولة بعد الثورة؟
كان الدور النشط الذي قام به الجهاز في مواجهة تلك التنظيمات ومتابعة تحركاتها سببًا في استهداف مقاره بعد ثورة ٢٥ يناير، فقد استغلت تلك العناصر حالة الانفلات الأمنى التي شهدتها البلاد لإخفاء كل ما يتعلق بجرائمها وإسقاط أحد أهم عناصر قوة الدولة، فقد تمكن الجهاز من رصد ومتابعة أنشطة تلك التنظيمات وإفساد خططها.
في العاصمة الإيرانية طهران كانت بداية المخطط، وتكشف المعلومات التي بين أيدينا وحصلت عليها أجهزة المعلومات في حينه أن هناك عناصر إيرانية وليبية تم تدريبها في أفغانستان واليمن، وهى المناطق التي كانت قبضة السلطة فيها ضعيفة، ما سهل عمل التنظيمات المتطرفة، لتنتقل إلى سيناء للاستقرار فيها لتكون رأس حربة لمحاولات الانفصال بها وإعلانها إمارة إسلامية.
لماذا سيناء بالتحديد؟
استغلت تلك العناصر القيود التي كانت تضعها معاهدة السلام على انتشار قوات الجيش في المناطق الحدودية من سيناء، والتي تمكن الجيش من تجاوزها لاحقًا عندما لاحظ أن الوضع في طريقه للخروج عن السيطرة، وكان وجود الرئيس الإخوانى محمد مرسي في الحكم بمثابة فترة الازدهار الكبرى لها، فقد سمح لها بإقامة معسكرات تدريبية في سيناء، حتى أن سياراتها وعناصرها كانت تجول في شوارع رفح والعريش في وضح النهار.
المعلومات الواردة بإحدى الوثائق الصادرة عن الجهاز في يوليو ٢٠٠٧ تفيد دخول عناصر إيرانية تتحدث العربية بطلاقة إلى بعض الدول العربية منتحلين صفة عراقيين لاجئين مستغلين جوازات سفر خاصة بأسر عراقية توفى أبناؤها خلال الحرب العراقية الإيرانية، هذه الخلايا الإيرانية النائمة استوطنت بعض المناطق العربية استعدادا لتنفيذ عمليات إرهابية فور صدور تعليمات لها بذلك، بالطبع وصل مصر نصيب من تلك العناصر الخطرة وانتظرت حتى جاءتها إشارة الانطلاق، ومن ثم أصدرت قيادة الجهاز تكليفات لضباطه بتكثيف متابعة نشاط العراقيين المقيمين بالبلاد لرصد أي أنشطة أو ظواهر مناهضة والعمل على إحباطها.
رصد الجهاز أيضا - وفق ما تكشفه وثيقة أخرى - قيام عناصر ليبية متطرفة باتخاذ مصر معبرًا إلى كل من سوريا والعراق للمشاركة في العمليات الإرهابية هناك والمعارك التي كانت تدور رحاها على أرض العراق تحت مسمى المواجهات السنية - الشيعية، وذلك بعد أن منعت السلطات الليبية وقتها العناصر الشابة من السفر للخارج، خاصة مصر حتى لا تكون نقطة الانطلاق للعراق.
الوثيقة نفسها تكشف أن هذه العناصر المتطرفة التي بدأ ترددها على مصر سافرت إلى دول المغرب العربى للتخفى والانخراط ضمن صفوف عناصر الجماعة السلفية للدعوة والقتال المعروفة باسم تنظيم القاعدة ببلاد المغرب، وأن المتابعة كشفت سعى هذا التنظيم الإرهابى لإيجاد حالة من الفوضى بالبلاد، خاصة عقب تنفيذ عدة عمليات إرهابية بدول المغرب ومع تشديد العمليات الأمنية ضدها بدول المغرب، فقد تم رصد احتمالية قيام هذا التنظيم بدفع عناصره كخلايا نائمة للقيام بعمليات في بعض الدول من بينها مصر، بهدف تشكيل خطورة وزعزعة الاستقرار الأمنى بالداخل.
في ضوء المعلومات الواردة بالوثيقة، طلبت رئاسة الجهاز من مكاتبها في المحافظات فحص كل العناصر الليبية المقيمة والمغادرة من مصر لبلاد المغرب العربى وسوريا، خاصة الفئات العمرية التي تتراوح بين ٢٠ و٤٥ سنة تحت إشراف رئيس كل مكتب.
وثيقة أخرى تكشف قدرة الدولة مبكرًا على اختراق تلك التنظيمات في الداخل المصرى، ومتابعة تحركاتها بدقة، فقد توصل ضباط أمن الدولة إلى معلومات وصفت بالمؤكدة حول قيام بعض العناصر الهاربة إلى الداخل المصرى بعمليات رصد لعدد من المواقع والأهداف بناء على تكليفات من قياداتهم التنظيمية المتواجدين بالخارج تمهيدا للقيام بعمليات إرهابية في مصر خلال انعقاد مؤتمر القمة الإفريقى الأوربي الذي عقد يومى ٤ و٥ إبريل عام ٢٠٠٠ مستغلين انشغال رجال الشرطة بتأمين الوفود المشاركة لتحقيق خطتهم في زعزعة الاستقرار بضرب مقومات السياحة ومصالح بعض الدول واستهداف بعض القيادات والرموز الدينية العامة مثل شيخ الأزهر والبابا، إضافة إلى بعض المواقع الشرطية، ومن ثم كان التوجيه إلى قيادات الأمن بالمحافظات بتوسيع دائرة الاشتباه وتكثيف الحملات المرورية خاصة محطات السكة الحديد.
نشر الفكر الشيعى في المنطقة كان إحدى أدوات تفجير الصراع، فقد سعت إيران من خلاله إلى إيجاد طابور خامس لها داخل البلاد العربية، وهو ما رأيناه يحدث بعد ذلك في كل من اليمن ولبنان والعراق وسوريا، على يد الحوثيين وحزب الله وشيعة العراق وسوريا، بل ومن خلال الدعم المباشر للنظام السورى العلوى، غير أن ما حدث في البلدان العربية المجاورة من خلق مخالب تعمل لصالح إيران لم يحدث في مصر.
الوثائق التي بين أيدينا توضح أن الدولة كانت متنبهة لقضية نشر التشيع في المنطقة منذ وقت مبكر، فإحدى الوثائق الصادرة عام ٢٠٠٧ تفيد قيام بعض المرجعيات الشيعية بنشر المذهب في عدد من دول المنطقة، خاصة مصر في إطار خطة شاملة تستهدف المنطقة ككل، وتؤكد الوثيقة رصد اعتناق بعض المثقفين السنة ببعض دول المشرق العربى للمذهب الشيعى وقيامهم بمحاولات لنشر المذهب في الأوساط السنية تنفيذًا لتكليفات المرجعيات الشيعية، وذلك باستخدام عدة وسائل أبرزها الإغراءات المالية وتوفير فرص عمل في شركات يملكها رجال أعمال شيعة، ومحاولة استغلال النجاحات التي حققها حزب الله خلال الفترة من ٢٠٠٦ إلى ٢٠٠٧ في مواجهة إسرائيل.
وماذا عن دور الإخوان في كل ما يجري؟
الإجابة جاءت في وثيقة أخرى تتضمن تفاصيل دقيقة وخطيرة عن علاقة التنظيم الإرهابى ببقية التنظيمات المتطرفة، وهى معلومات تجيب عن أسئلة كثيرة حول ما يجرى من تفجيرات هنا وهناك على يد عناصر التنظيم، وكيف يحصل تنظيم الإخوان على المواد التي يستخدمها في التفجيرات ومتى وأين تعلمت عناصره وعناصر التنظيمات الإرهابية الأخرى كيفية تصنيع واستخدام هذه العبوات الناسفة.
الوثيقة التي تتحدث عن أسلحة الدمار الشامل وسعى عناصر تنظيم القاعدة للحصول عليها تشرح كثيرًا من التفاصيل حول آليات عمل التنظيمات المتطرفة، فهى تقول إن تنظيم القاعدة سعى للحصول على كميات كبيرة من المواد المتفجرة لاستخدامها في تنفيذ عمليات إرهابية على غرار تلك التي وقعت في مترو الأنفاق في العاصمة اليابانية طوكيو أو تلك التي استهدفت محطات القطار في لندن، إضافة إلى معرفة طرق تصنيع تلك الأسلحة باستخدام مواد كيماوية بسيطة ومتاحة أمام الجميع وسهل الحصول عليها من الأسواق.
تؤكد الوثيقة أن عناصر التنظيمات المتطرفة ومن بينها الإخوان قامت بتجنيد خبراء في الكيمياء والعاملين في المعاهد العلمية ومراكز الأبحاث والمعامل الجامعية والمؤسسات الكيماوية وبعض الوحدات العسكرية إن أمكن للحصول على معلومات حول طرق التصنيع، إضافة إلى المعلومات التي يمكن استيقاءها من مواقع الإنترنت.
تؤكد الوثيقة أن قوات الأمن عندما داهمت أوكار بعض الإرهابيين - كان ذلك قبل ٢٠١١ - عثرت على أدوات معملية لتصنيع الأسلحة منها قنينات زجاجية وقفازات ومواد كيميائية وخزانات غازية وملابس وقائية ومضادات سموم ولهذا قامت الأجهزة الأمنية بالتنسيق مع بعض الوزارات الأخرى بحصر ومتابعة المعاهد العلمية ومعامل الأبحاث ذات الصلة بالمواد الكيميائية والبيولوجية والمشعة ومتابعة العاملين فيها.
اللافت أنه من المتابعة تبين أن عناصر من التنظيمات المتطرفة قامت بتجميع بعض المواد الكيميائية المتاحة بالأسواق مثل الكلور وبعض المبيدات الحشرية والزراعية لاستخدامها في تصنيع العبوات الناسفة، وذلك عبر عملية مخططة بدقة بحيث يقوم أكثر من شخص بشراء المواد بكميات محدودة حتى لا يثير الشبهات حولهم، كما يقوم شخص آخر بتجميع هذه المواد في مقر وحيد لتبقى جميع التفاصيل بعيدة عن أعين المشاركين في الجريمة وكذلك بعيدًا عن أعين التجار والأمن.
ما كشفت عنه الوثائق في ٢٠٠٧ هو ما جرى على نحو أوسع بعد ٢٠١١ فخلال السنوات التي أعقبت الثورة تمكنت هذه التنظيمات من العمل بحرية أوسع أضعاف المرات ما كان متاحًا لها في ظل سطوة الدول، ومن ثم استطاعت أن تكوّن كيانات أكبر من الدولة في بعض الأحيان.