الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

أبرز محطات العلاقات الثقافية بين القاهرة وباريس

الرئيس عبد الفتاح
الرئيس عبد الفتاح السيسي و الرئيس ايمانويل ماكرون
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أهداف كثيرة تتنوع ما بين الاقتصادي والعلمي والتجاري؛ تحققها زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى فرنسا، والتي تبدأ اليوم الإثنين وتستمر حتى الخميس المقبل، يلتقي خلالها نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، حيث يبحث الرئيسان تعزيز التعاون الثنائي، والمصالح المشتركة، بين البلدين.
حيث أعلن قصر الإليزيه، أن الرئيس ايمانويل ماكرون سيستقبل، الثلاثاء المقبل، الرئيس السيسي، وأن الرئيسين سيجتمعان على غداء عمل فى أول لقاء بينهما، لتناول القضايا ذات الاهتمام المشترك ومنها الأزمات الإقليمية ومكافحة الإرهاب، ووفقا للمعلومات المتاحة فإن جدول الزيارة سيكون عامرا باللقاءات، حيث من المقرر أن يلتقى الرئيس عبد الفتاح السيسي عددا من المستثمرين فى فرنسا، لبحث سبل تعزيز الاستثمارات فى مصر، إضافة إلى لقاءات أخرى لبحث التعاون الاقتصادى والتجارى والعلمى.

علاقات ثقافية ممتدة
ورغم هذه الأهداف المهمة التي تحققها هذه الزيارة، فإن التعاون الثقافي بين البلدين في مجال الثقافة طويل وممتد، وله جذور تبدأ من القرن الثامن عشر، وخلال هذا الملف نلقي الضوء على جزء مشرق من العلاقات الثقافية بين مصر وفرنسا والتأثير المتبادل بين الثقافتين منذ شرع نابليون بونابرت في التجهيز للحملة الفرنسية، على مصر والشام (1798-1801م) بهدف إقامة قاعدة في مصر تكون نواة لإمبراطورية فرنسية في الشرق من ناحية، وقطع الطريق بين بريطانيا ومستعمراتها في الهند من ناحية أخرى والتي استمرت 3 سنوات وفشلت وأسفرت عن عودة القوات الفرنسية إلى بلادها.

وصف مصر..
وقد أثرت الحملة الفرنسية على الواقع الثقافي والعلمي المصري بشكل غير مسبوق، ومنها انطلقت فكرة حفر قناة السويس، حيث اقترح علماء الحملة توصيل البحرين الأحمر والمتوسط، ولكن الفكرة لم تنفذ وذلك بسبب اعتقاد خاطئ بأن البحر الأحمر أعلى في المستوى من البحر المتوسط، كما قامت الحملة بفك رموز حجر رشيد، بعد أن استطاع شامبليون فك رموز حجر رشيد واكتشاف أسرار اللغة المصرية القديمة، وقد ساعد فك رموز اللغات المصرية القديمة (الهيروغليفية – الهيراطيقية - الديموطيقية) من معرفة أسرار الحضارة الفرعونية.
فضلا عن إصدار كتاب "وصف مصر" وهو عمل استثنائي في تاريخ الثقافة المصرية، عبارة عن 20 مجلدًا، يضم مجموع الملاحظات والبحوث التي تمت في مصر خلال الحملة الفرنسية، وتمت كتابتها وتجميعها إبان الحملة الفرنسية على مصر حيث اصطحب نابليون بونابرت معه فريقا من العلماء من كافة التخصصات ليسجلوا ملاحظاتهم، وبعد عودة الفريق إلى فرنسا قام وزير الداخلية الفرنسية آنذاك جان انطوان شبتال وبالتحديد في 18 فبراير 1802 بتنظيم تشكيل لجنة بين أعضاء فريق العلماء والملاحظين فتشكلت لجنة من ثماني أعضاء قامت بجمع ونشر كافة المواد العلمية الخاصة بالحملة والتي كانت عبارة عن 10 مجلدات للوحات، منها 74 لوحة بالألوان، وأطلس خرائط، وأخيرًا، 9 مجلدات للدراسات.

البعثات العلمية..
وفي عهد محمد علي باشا انطلقت العديد من البعثات العلمية إلى العديد من الدول الأوروبية مثل إنجلترا وإيطاليا، إلا أن البعثات العلمية إلى "مدينة النور"، كانت الأكثر والأبرز تأثيرا في الحضارة المصرية، كونها واحدة من أهم منابر العلم ومنارات الحضارة والثقافة خلال القرن الثامن عشر، فقد لعبت هذه المدينة دورا بارزا في عصر التنوير؛ بعد أن نجح المبتعثون فور عودتهم في أن يكون لهم دور كبير وواسع التأثير في الحياة العامة المصرية، وكانت البداية مع المترجم الأول رفاعة رافع الطهطاوي الذي رشحه الشيخ حسن العطار لكي يقوم لطلابها بالوعظ والإرشاد، ويؤمهم في الصلاة، في البعثة لكنه لم يكتف بذلك ونبغ في تعلم الفرنسية؛ وأجادها رفاعة إلى أن طلب الانضمام للبعثة كدارس، فتَمَ ضَمَّه إليها لدراسة الترجمة، وتتلمذ على أيدي أنبه علماء فرنسا في ذلك الوقت، وبعد سنوات خمسٍ حافلة، أدى رفاعة امتحان الترجمة، وقدَّم مخطوطة كتابه الذى نال بعد ذلك شهرة واسعة "تَخْلِيصُ الإِبْرِيزِ فىِ تَلْخِيصِ بَارِيز"
وظل جهد رفاعة يتنامى؛ على مستويات عديدة، وكان له الفضل في إنشاء مدرسة الألسن، كما أنشأ أقساما متخصصة للترجمة (الرياضيات - الطبيعيات - الإنسانيات) وأنشأ مدرسة المحاسبة لدراسة الاقتصاد، ومدرسة الإدارة لدراسة العلوم السياسية. وكانت ضمن مناقبه استصدار قرار تدريس العلوم والمعارف باللغة العربية (وهى العلوم والمعارف التى تدرَّس اليوم في بلادنا باللغات الأجنبية) وإصدار جريدة الوقائع المصرية بالعربية بدلًا من التركية؛ هذا إلى جانب عشرين كتابًا من ترجمته، وعشرات غيرها أشرف على ترجمتها.

طه حسين..
من أبرز المثقفين الذين أثروا وغيروا شكل الثقافة في مصر كان عميد الثقافية العربية الذي سافر عام 1914 إلى مونبلييه بفرنسا، حيث درس الآداب وعلم النفس والتاريخ الحديث، وبقي هناك عاما واحدا، أثار خلاله معارك وخصومات متعددة، بسبب الاختلاف الكبير بين تدريس الأزهر وتدريس الجامعات الغربية ما حدا بالمسؤولين إلى اتخاذ قرار بحرمانه من المنحة المعطاة له لتغطية نفقات دراسته في الخارج، لكن تدخل السلطان حسين كامل وحال دون تطبيق هذا القرار، فعاد إلى فرنسا من جديد لمتابعة التحصيل العلمي، ولكن في العاصمة باريس فدرس في جامعتها مختلف الاتجاهات العلمية في علم الاجتماع والتاريخ اليوناني والروماني والتاريخ الحديث وأعد خلالها أطروحة الدكتوراة الثانية وعنوانها: "الفلسفة الاجتماعية عند ابن خلدون"، وكان ذلك سنة 1918 إضافة إلى إنجازه دبلوم الدراسات العليا في القانون الروماني، والنجاح فيه بدرجة الامتياز، وفي غضون تلك الأعوام كان قد تزوج من سوزان بريسو الفرنسية السويسرية التي ساعدته على الاطلاع أكثر فأكثر بالفرنسية واللاتينية، فتمكن من الثقافة الغربية إلى حد بعيد.

محمد مندور..
مثقف آخر أثر بشكل كبير في النقد العربي كله، وهو الدكتور محمد مندور الذي فضّل السفر إلى فرنسا على التعيين وكيلًا للنيابة، وحصل خلالها على الليسانس من السوربون في الآداب واللغات اليونانية القديمة واللاتينية والفرنسية والأدب المقارن، وتتلمذ على يد العديد من المستشرقين وقام بتحضير الدكتوراة في الأدب العربي، وقد نفذ مندور الجزء الأول في تسع سنوات (من 1930 إلى 1939)، ولكنه لم يقدم الدكتوراة لتدهور الظروف السياسية في أوروبا آنذاك عقب فشل مفاوضات تشمبرلين مع هتلر وظهور بواكير الحرب العالمية الثانية في الأفق، ففضل مندور العودة إلى مصر دون أن يكتب رسالة الدكتوراة، وإن كان قد حصل من السوربون ـ بالإضافة إلى الليسانس ـ على دبلوم في القانون والاقتصاد السياسي والتشريع المالي، كما كان يحضر محاضرات الفلسفة والتاريخ والاجتماع وعلم النفس بالإضافة إلى البرامج المقررة.
وفي باريس التحق مندور أيضًا بمعهد الأصوات، حيث درس أصوات اللغة دراسة معملية، وقام ببحث عام عن موسيقى الشعر العربي وأوزانه مسجلة ومقاسة بالكيموغراف، وكتب في ذلك بحثًا مهمًا بالفرنسية.