البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

قانون الأحزاب السياسية في مصر


التطور التاريخى والتجارب الأخرى (7-8)

فى إطار حديثنا عن قانون الأحزاب فى مصر، أوضحنا، فى مقالات سابقة، أننا سنعتمد منهاجية تاريخية اجتماعية إلى جوار الاهتمام بمقارنة القانون المصرى بنظيره فى بلدان متنوعة من حيث درجة التطور الديمقراطى، وذلك تأكيدا على أن مصر لا تستطيع أن تحيا بمعزل عن العصر، وبدأنا بالفعل، بعد تحديد هذه المنهاجية بشىء من التفصيل، الحديث فى المقال الأول عن نشأة الأحزاب فى مصر بداية بالثورة العرابية والحزب الوطنى القديم ثم تطرقنا إلى ظهور عدد كبير من الأحزاب مع موجة التحديث التى شهدها القرن العشرين، وحاولنا فى المقال التالى أن نستكمل الاستعراض التاريخى الاجتماعى لتطور الأحزاب السياسية فتعرضنا لثورة ١٩١٩ التى كانت السبب فى ظهور أهم موجة حزبية فى مصر، ثم تابعنا بعد ذلك التطورات التى انتهت بظهور قانون ٤٠ لسنة ٧٧ والذى يمكننا أن نعتبره ثمرة لموجة النضال الديمقراطى التى بدأت فى ١٩٦٨ عقب هزيمة ٦٧ ووصلت إلى ذروتها فى انتفاضة يناير ١٩٧٧.

وقفنا بعد ذلك، وفى المقال الثالث بشىء من التفصيل عند القانون ٤٠ لسنة ٧٧، فتعرضنا إلى خطوطه الرئيسية من خلال استعراض أبوابه الثلاثة، كما تعرضنا أيضًا إلى الشروط التى تضمنها لتأسيس الأحزاب والقيود التى فرضها على حركتها، و حددنا الأحزاب التى تمت الموافقة عليها وفقًا لهذا القانون، وأخيرًا عرضنا فى المقال الأخير، المقال الرابع، الخطوط الرئيسية للقانون الجديد، القانون رقم ١٢ لسنة ٢٠١١ الذى يعتبر ثمرة من ثمرات ثورة ٢٥ يناير، ثم قدمنا فى المقال الخامس قراءة نقدية لهذا القانون مبرزين الفروق بينه وبين القانون ٤٠ لسنة ٧٧ وحاولنا فى المقال السادس أن نتطرق إلى استعراض سريع لقوانين الأحزاب فى بعض الديمقراطيات الناشئة والعريقة.
واستعرضنا بعض تجارب الديمقراطيات العريقة من خلال دولتين من أعرق الدول الديمقراطية وهما: ألمانيا وفرنسا، وتعرفنا على شروط تأسيس الأحزاب والقضايا التى تشغل بال المُشرع فى هذين البلدين.
والآن دعونا ننتقل إلى بلدان ديمقراطية ناشئة، فى الأردن مثلاً، مثلما هو الحال فى مصر، هناك عقبة تتعلق بعدد المؤسسين إذ يجب ألا يقل عدد الأعضاء المؤسسين لأى حزب عن خمسمائة شخص من سبع محافظات على ألا تقل نسبة النساء بينهم عن (10 بالمائة) ونسبة المؤسسين من كل محافظة عن 5بالمئة)، ويشترط فى المؤسس أن يكون ( أردني منذ عشر سنوات على الأقل، وأن يكون قد أكمل الحادية والعشرين من عمره، وأن يكون مقيما عادة فى المملكة.
ويُسمح لخمسة فقط من المؤسسين بالعمل من أجل جمع الأعضاء المؤسسين الخمسمائة لمدة لا تتجاوز ستة شهور.
وتقدم طلبات التأسيس للجنة يتم تشكيلها فى وزارة الداخلية تسمى (لجنة شئون الأحزاب) للنظر فى طلبات تأسيس الأحزاب ومتابعة شئونها وفق أحكام هذا القانون برئاسة وزير الداخلية وعضوية كل من رئيس ديوان التشريع نائبا للرئيس يقوم مقامه عند غيابه، وأمين عام وزارة العدل، وأمين عام وزارة الداخلية، وعضو من مؤسسات المجتمع المدنى يسميه رئيس الوزراء، والمفوض العام لحقوق الإنسان، ويعين وزير الداخلية من بين موظفى الوزارة أمين سر للجنة.
فى تونس يبدو الوضع أفضل إلى حد كبير، فالفصل الأول من المبادئ العامة يؤكد أن هذا المرسوم يتضمن حرية تأسيس الأحزاب السياسية والانضمام إليها والنشاط فى إطارها ويهدف إلى تكريس حرية التنظيم السياسى ودعم التعددية السياسية وتطويرها وإلى ترسيخ مبدأ الشفافية فى تسيير الأحزاب السياسية"، ويشترط فقط على مؤسسى الحزب السياسى ومسيريه التمتع بالجنسية التونسية وبحقوقهم المدنية والسياسيةالكاملة"، ولا يشترط القانون عدد محدد للتقدم بطلب تأسيس الحزب ولا يشترط أيضاً جنسية الأبوين أو مرور عدد محدد من السنوات على التجنس ولا يتم تقديم الطلب إلى وزير الداخلية أو لجنة تابعة لوزارة الداخلية، وإنما ينص القانون على أن تقديم الطلب للوزير الأول أو رئيس الوزراء بحيث تصبح الموافقة نهائية إذا مر60 يوما دون اعتراض وإذا اعترض يتم اللجوء للقضاء.
سنحاول أن نختم هذه العجالة بالإشارة إلى وضع ديمقراطية عربية ناشئة أخرى، ونعنى بذلك العراق الذى يعيش حالة من التعددية السياسية لدرجة أن انتخاباته البرلمانية الأخيرة والتى جرت فى 18 محافظة فى 30/4/2014 وشارك فيها 60% من 22 مليون ناخب، ومن خلال 277 حزبا وتيارا سياسيا، تنافست على 328 مقعدا، قد جرت، وهى الانتخابات البرلمانية الثالثة التى تتم فى العراق منذ 2003، والأولى بعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق فى 2011، أقول قد جرت هذه الانتخابات دون وجودقانون حديث ينظم وجود الأحزاب!!.
كان هناك قانون يعود إلى عام 1929 تجاوزه الزمن وتناسته الحكومات العراقية المتعاقبة، وحظر البعث قيام الأحزاب فى 1963 وأكد ذلك بتغليظ العقوبات فى 1968، وبعد احتلال العراق كان الحاكم الأمريكى بول بريمر أو سلطة الائتلاف المؤقتة المنحلة قد أصدرت قانون فضفاض برقم 97 لسنة 2004 ظهرت على أثره مئات الأحزاب.
و يؤكد بعض الخبراء و المحللين ان هناك مشروع قانون للاحزاب فى العراق لم يتم إقراره فى الدورة التشريعية السابقة بسبب خلافات كبيرة بين الكتل المتصارعة، ويتردد أن تعطيل إصدار هذا القانون كان بسبب أنه يقيد هذه الكتل بضرورة الإفصاح عن مواردها المالية، ويحظر عليها الاتصال بأية جهة أجنبية، وتردد أيضاً أن القانون يتضمن تعديل مقترح يسعى لإنهاء المحاصة والطائفية، وهو أمر كان ولا يزال موضع خلاف كبير بين التيارات الرئيسية فى العراق.