صراع الضواري على كعكة البرلمان
انتهت انتخابات الرئاسة، وغدا يتسلم الرئيس الجديد مهام عمله، انتهى الصداع والتلاسن والشتيمة والتشكيك والتخوين، حسمها القاضي وأعلن النتيجة، ودافع الشعب والمرشح النموذجي المنافس حمدين صباحي عن النتيجة، لنغلق إذن هذه الصفحة وننظر للأمام.
لدينا انتخابات شرسة قادمة، اسمها انتخابات مجلس الشعب (نعم أعرف أن الدستور الجديد يقول إن اسمه مجلس النواب وهو الاسم الذي لا أستسيغه)، هذه الانتخابات هي الخطر الحقيقي القادم وأنا لست متفائلًا بما ستسفر عنه تلك الانتخابات، ومبعث عدم التفاؤل هو ما نراه الآن على الساحة من تدافع بالأكتاف بين المشتاقين للحصانة.
إنها دولة الفساد تتجلى مع بروز خريطة الأسماء الراغبة في الترشح، أعرف العديد من تلك الأسماء، ولو كتبت ما عندي عنهم فلن تكون كتابة كالتي نعرفها وسأتجه للسب والقذف مباشرة لأن تلك الأسماء لا تعرف إلا هذا النوع من الكتابة، ولذلك راجعوا أنتم أسماء المحيطين بكم واهزموهم مبكرا بالسباب والسخرية.
لست مشغولا بأن يكون البرلمان القادم مساندا الرئيس، وبالطبع ارحب بالحلف المدني الذي يتشكل لقطع الطريق على تجار الدين من الوصول للبرلمان، لكن ما يهمني ويشغلني الآن هو هؤلاء المشتاقون الذين أمطرونا منذ الانتهاء من انتخابات الرئاسة بصورهم الفوتوشوب وتصريحاتهم اللزجة وابتساماتهم الكاذبة، يحاولون بكل الطرق غسل تاريخهم وسمعتهم القذرة، حتى إن الضالعين في قذارة الماضي يطلون علينا اليوم باعتبارهم أبطال معركة التغيير.
أما الحلف المدني الذي يسعى البعض لتشكيله فستواجهه أحلاف مدنية أخرى، وعندنا مثال صارخ في انتخابات البرلمان الماضية عندما تشكلت الكتلة المدنية، فواجهها البعض بتحالف الثورة مستمرة، كما برز تيار ثالث كان عماده من يسمون أنفسهم شباب الثورة بأموال أمريكية، نعم حدث هذا ونحن هنا نقرر واقعا ولا نتجنى على أحد، ومع هذه التفتيت كان الصعود السهل للإخوان المسلمين.
ستتكرر التجربة لأن آفة حارتنا النسيان، لأن الزعامة مرض سياسي يصيب المبتدأين فور فطامهم واكتشاف الحنجرة، ستكون المعركة غاية في الصعوبة، فانتخابات البرلمان تعتمد على السيرة الذاتية للأشخاص وقدراتهم الانتخابية سواء المالية أو القبلية، أما البرامج والأهداف، فلا مكان لها في هذه المعركة.
ولأنني لست من الذين يدينون الأحزاب السياسية ووصمهم باتهامات مجانية مثل غيابهم عن الشارع أو ميل الأحزاب لـ"الدولتية"، فهذه اتهامات فارغة، لأن أصحاب هذا الاتهام يفتقدون الاستقامة الفكرية والنزاهة والموضوعية، هم حناجر بائسة وشوكة في ظهر الحياة السياسية وهم غطاء المتأسلمين وحلفائهم، فكيف يكون التصرف والواقع متشظيا كما نرى؟
في تقديري أن الأمر يحتاج إلى جراحة ماهرة، يحتاج إلى ذكاء خارق وروح مبدعة، يحتاج إلى خيال وإلى تواضع وإلى رصد خارطة الوطن كاملة والبحث الجدي عن الجواهر المدفونة التي تليق بدولة ما بعد 30 يونيو، يحتاج إلى تنشيط الذاكرة في حلفاء الأمس الذين صاروا أعداء، وأعداء الأمس الذين يحاولون الاقتراب ليكونوا حلفاء، يحتاج عملا جماعيا لم تتعود الحياة السياسية في مصر عليه، وإلى جانب ذلك يحتاج الحسم من العقول المسئولة عن بناء تلك التحالفات وعدم الخضوع للابتزاز أو المجاملة، لو سار الأمر كذلك ربما يكون هناك ضوء في نهاية النفق.