البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

في الذكري الـ 155 لميلاد بورسعيد: دخلها ديلسبس 1859.. وبدأ حفر القناة في عهد الخديوي سعيد.. واستشهد 120 ألف عامل أثناء الحفر.. وكانت أول مدينة تجمع بين الثقافتين الأوربية والعربية

  الذكري ال 155 لميلاد
الذكري ال 155 لميلاد المدينة الباسلة

ها هي المدينة الاستثناء، زهرة مدائن مصر، تقف شامخة تطل بقنالها على ناصية العالم منذ 155 عامًا، عندما وطأت قدما الدبلوماسي الفرنسي "فرديناند ديليسبس" أرضها يوم الاثنين 25 من أبريل عام 1859م وضرب فيها أول معول لحفر قناة السويس، في عهد والي مصر الخديوي سعيد، وكانت حينها تفتقر ملامح الحياة مجرد صحراء جرداء منخفضة عن سطح البحر تغمرها المياه وقت الفيضان.
وقام بعدها مسيو "فرديناند ديليسبس" بتشكيل لجنة هندسية دولية لدراسة تقرير المهندسين (موجل ولينان بك) كبيرا مهندسي الحكومة المصرية، وقامت اللجنة بزيارة منطقة برزخ السويس وبورسعيد، وأكدوا إمكانية شق القناة وأنه لا خوف من منسوب المياه لأن البحرين متساويين في المنسوب، وأنه لا خوف من طمى النيل لأن بورسعيد شاطئها رملي.
عقب صدور تقرير اللجنة الدولية، أصدر "الخديوي سعيد" فرمان الامتياز الثاني، وكان من بنوده حفر القناة من ميناء السويس إلى البحر المتوسط عند نقطة خليج الفرما، وبعدها بدأت أعمال البناء والحفر بأيدي العمال المصريين الذين تم جلبهم من جميع أنحاء مصر وأستشهد منهم أكثر من 120 ألف عامل خلال حفرها.
و بداية العمران في المدينة كانت عبارة عن خيام تم انشاؤها، لإقامة المهندسين الفرنسيين المشرفين على عمليات الحفر، ثم تحولت إلى مجموعة من الأكشاك الخشبية، ثم منازل مصنوعة من الأخشاب المستوردة بأحياء العرب والمناخ،ثم منازل من الطوب المحروق المصنوع من الطمي المستخرج من قاع بحيرة المنزلة، وبعد ذلك أقيمت بعض الأعمال التنظيمية والمينائية والورش اللازمة لها، والتي كانت تقدم من خلالها الخدمات للعاملين في القناة.
وجلبت الشركة مياه الشرب من المناطق القريبة "دمياط أو المطرية"، ولكنها لم تسد حاجة العمل، وبتقدم الزمن وصلت المياه لبورسعيد بعد توصيل أنابيب ذات قطر واسع لنقل المياه من ترعة العباسة، وانتهت مشكلة المياه للأبد بعد حفر قناة المياه العذبة، واعتبر شقها حدثًا تاريخيًا عند أهل بورسعيد، لا يقل عن حدث شق قناة السويس.
وتم صنع فنار مؤقت من الخشب عام 1859 على الساحل وكان يضىء لمسافة 10 أميال وبعد بناء رصيف دى لسبس بني فنار جديد بموقعه الحالى في عام 1869، ويعرف حاليًا باسم فنار بورسعيد القديم بعد أن حل محله في العمل حاليا فنار جديد هو الثالث في تاريخ بورسعيد.
وبنى فنار بورسعيد القديم من الخرسانة وكان ذا لون رمادى، أما الحاجز الشرقى فقد وضع به فانوس يضىء على مدى 20 ميلا وكان يضىء بغاز الاستصباح، وما زال الفنار قائما حتى الآن كأحد الآثار المهمة ببورسعيد.
وتوالت الأحداث منذ ذلك التاريخ وتطورت بورسعيد، لتأخذ رغم حداثة نشأتها مكانة بارزه وسط المدن المصرية بل والعالمية أيضًا، نظرًا لموقعها العبقري الفريد الذي يربط قارات العالم القديم آسيا وأفريقيا،وأوربا فاكتسبت مقومات القارات الثلاث لاسيما بعد شق القناة.
وكانت دائمًا من أول المدن تمتعًا بالخدمات ووسائل الحضارة والتمدن، بل امتدت أيضًا لتشمل الطابع الثقافي للمدينة حيث اتسم مجتمع بورسعيد بطابع متعدد الثقافات فسكنها العديد من الجنسيات والأديان خصوصًا من دول البحر المتوسط وأغلبهم من اليونانيين والفرنسيين بجانب المصريين في تعايش وتسامح.
فأصبحت أول مدينة بل الوحيدة في العالم العربي التي تبلورت فيها المواجهة بين الثقافة العربية والثقافة الأجنبية في حيين متقابلين هما حي الافرنج وحي العرب، وبعدما كانت السيطرة للثاني أضحت للأول بعد صراع كفاحي مرير.
ووصف حيوية مجتمع بورسعيد بوضوح الأديب البريطاني "روديارد كبلينغ" قائلًا: "إذا أردتم ملاقاة شخص ما عرفتموه وهو دائم السفر، فهناك مكانين على الكرة الأرضية يتيحا لكم ذلك، حيث عليكم الجلوس وانتظار وصوله إن عاجلا أو اّجلا وهما: "موانئ لندن وبورسعيد".