بوتين: نؤيد إعطاء الدول الأفريقية مكانة لائقة في المنظمات التي تحدد مصير العالم
قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إن بلاده تؤيد إعطاء الدول الأفريقية مكانة لائقة في المنظمات التي تحدد مصير العالم.
وأوضح بوتين - في مقال له منشور بصحيفة (الأهرام) الصادرة صباح اليوم الاثنين - أن موسكو تدرك بارتياح المكانة الدولية المهمة للدول الأفريقية سواء كل بلد على حدة أو للقارة السمراء بشكل عام، خاصة فيما يتعلق برغبتها في إثبات وجودها بكل قوة وأخذ زمام الأمور لحل مشاكل القارة بأيديها.
وأشار إلى دعم بلاده المبادرات البناءة لشركائنا ونؤيد إعطاء الدول الأفريقية مكانة لائقة في المنظمات التي تحدد مصير العالم، بما في ذلك مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ومجموعة العشرين، والتي تعمل من أجل إصلاح المؤسسات المالية والتجارية العالمية التي تلبي مصالحها.
ونوَّه بوتين باستضافة مدينة سان بطرسبورج خلال يومي 27 و28 يوليو أعمال قمة روسيا - أفريقيا الثانية والمنتدى الاقتصادي والإنساني روسيا - أفريقيا.
وشدد على أن علاقات الشراكة مع أفريقيا تتمتع بجذور قوية وعميقة، وقد تميزت هذه العلاقات في جميع الأوقات بسمات الاستقرار والثقة والنوايا الحسنة.. لقد دعمنا باستمرار الشعوب الأفريقية في نضالها من أجل التحرر من الاضطهاد الاستعماري، وقدمنا المساعدة في بناء المؤسسات وتعزيز السيادة والقدرة الدفاعية، وبالفعل تم تنفيذ الكثير من الأعمال لإنشاء أسس متينة للاقتصادات الوطنية.
وأكد أنه - بمشاركة الخبراء الروس في أفريقيا - تم بناء أكثر من 330 منشأة للبنية التحتية الكبيرة ومنشآت صناعية في منتصف الثمانينيات، من بينها محطات توليد الطاقة وأنظمة الري والمؤسسات الصناعية والزراعية، التي تعمل بنجاح حتى يومنا هذا وتستمر في تحقيق الأهداف المطلوبة من خلال المساهمة في التنمية الاقتصادية للقارة السمراء، بالإضافة إلى كل ذلك حصل عشرات الآلاف من الأطباء والفنيين والمهندسين والضباط والمعلمين الأفارقة على تعليمهم في بلادنا.
ولفت إلى التعاون التقليدي الوثيق في الساحة الدولية والدفاع الثابت والمتسق من قبل الاتحاد السوفيتي ومن ثم روسيا عن مصالح البلدان الإفريقية من خلال المنصات الدولية، والالتزام بمبدأ «القضايا الأفريقية لها حلول أفريقية» والتضامن مع الأفارقة في كفاحهم من أجل تقرير المصير والعدالة ودعم حقوقهم المشروعة.
وقال بوتين: "من الضروري أن نذكر بأنه لم تكن هناك محاولة أبدًا من قبلنا لفرض الأفكار الخاصة حول مسائل ترتيب البيت الداخلي وأشكال وأساليب الإدارة وأهداف التنمية وطرق تحقيقها على الشركاء من أفريقيا، ونحن لم نغير من موقفنا ومازلنا نحافظ بكل صدق على احترامنا لسيادة الدول الأفريقية وتقاليدها وقيمها ورغبتها في تقرير مصيرها بشكل مستقل وبناء علاقات مع الشركاء بكل حرية".
وأعرب عن تقدير بلاده رأس مال الصداقة والتعاون المتراكم وكذلك تقاليد الثقة والدعم المتبادل التي تطورت بين روسيا والدول الإفريقية على مدى عقود من الزمن، والرغبة المشتركة في هيكلة نظام علاقات يقوم على أولوية القانون الدولي ومراعاة المصالح الوطنية وضمان الأمن للجميع والاعتراف بالدور التنسيقي المركزي لمنظمة الأمم المتحدة.
ونوه بوتين بالشراكة البناءة القائمة على الثقة والطموح للارتقاء إلى الأفضل بين روسيا وإفريقيا.. مضيفًا "نحن نشهد تشكل مراكز قوة ونفوذ اقتصادية وسياسية متينة في العالم، والتي تثبت جدارتها أكثر فأكثر وتطالب بإصرار أن يحسب لها حساب، ونحن على ثقة من أن النظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب، الذي تم تحديد معالمه بالفعل، سيكون أكثر عدلًا وديمقراطية، ولا شك أن إفريقيا - إلى جانب آسيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية - ستأخذ مكانها الصحيح في هذا العالم، وتتحرر أخيرًا من الإرث الثقيل للاستعمار القديم والاستعمار الجديد ورفض ممارساته الحديثة".
وحول الأوضاع العالمية، أعرب بوتين عن أسفه لغياب الاستقرار حاليًا في العالم، قائلًا: "نشهد كيف أن بعض البلدان تعمل على تعميق الصراعات «القديمة» الموجودة في كل منطقة تقريبًا، حيث تظهر تهديدات وتحديات جديدة، وإفريقيا - مثلها مثل أي جزء آخر من العالم - تشعر بعبء المشاكل العالمية، وبالتالي نحن نتوقع في مثل هذه الظروف الصعبة أن يتم العمل على تشكيل جدول أعمال خاص بالتعاون البعيد عن جميع أنواع التمييز".
وأضاف الرئيس الروسي: "لقد تم تحديد الاتجاهات الإستراتيجية للتعاون فيما بيننا من خلال قرارات القمة الروسية الإفريقية الأولى، التي عقدت في سوتشي في نهاية شهر أكتوبر 2019، وبهدف تنفيذ هذه القرارات بشكل فعال تم إنشاء منتدى الشراكة بين روسيا وإفريقيا، ولقد أنشأنا لجانًا حكومية دولية ثنائية حول التعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والتكنولوجي مع العديد من الدول في القارة السمراء، وسيتم توسيع شبكة السفارات والبعثات التجارية الروسية في إفريقيا، كما يتم حاليًا بشكل مكثف صياغة المزيد من الأدوات المخصصة لتحسين هيكلية العلاقات الاقتصادية ومنحها ديناميكيات أكبر".
وأعرب بوتين - في مقاله المنشور بصحيفة (الأهرام) - عن ارتياحه إلى زيادة حجم التبادل التجاري بين روسيا والدول الإفريقية في عام 2022 ووصل إلى قرابة 18 مليار دولار أمريكي، ومع ذلك فإننا جميعًا ندرك جيدًا أن حجم الإمكانيات التي يمكن أن تتمتع بها شراكتنا التجارية والاقتصادية أعلى من ذلك بكثير.
وقال إن الشركات الروسية تولي اهتمامًا كبيرًا للعمل في القارة ضمن مجالات عديدة من بينها مجال التقنيات العالية والاستكشاف الجيولوجي، وكذلك في إطار مجمع الوقود والطاقة بما في ذلك الطاقة النووية وفى الصناعات الكيميائية وهندسة التعدين والنقل والزراعة والثروة السمكية، وهنا لابد من الإشارة إلى حقيقة أن التغييرات التي تحدث في العالم تتطلب منا البحث عن حلول تتعلق بإنشاء طرق نقل-لوجستية جديدة، وإنشاء نظام نقدي ومالي وآليات تسوية متبادلة آمنة وخالية من التأثيرات الخارجية السلبية.
وأضاف أنه بلاده تتفهم أهمية الإمدادات الغذائية المستمرة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية والحفاظ على الاستقرار السياسي للدول الإفريقية، وبناءً على ذلك فقد أولينا دائمًا اهتمامًا كبيرًا بالقضايا المتعلقة بتوريد القمح والشعير والذرة والمحاصيل الأخرى إلى البلدان الإفريقية، علمًا أننا قمنا بذلك على أساس تعاقدي وعلى أساس مجاني كمساعدات إنسانية، بما في ذلك من خلال برنامج الغذاء التابع للأمم المتحدة، فعلى سبيل المثال قامت روسيا في عام 2022 بتصدير 11.5 مليون طن من الحبوب إلى إفريقيا، وقامت في الأشهر الستة الأولى من هذا العام بتصدير ما يقرب من 10 ملايين طن أخرى، وقد جرى كل ذلك على الرغم من العقوبات المفروضة على صادراتنا، والتي تعيق بشكل خطير بالفعل تصدير المنتجات الروسية إلى البلدان النامية وتعقد المسائل اللوجستية كالنقل والتأمين والمدفوعات المصرفية.
وتابع بوتين قائلًا "ربما سمع الكثيرون عما يسمى بـ «صفقة الحبوب»، والتي كانت تهدف في الأصل إلى ضمان الأمن الغذائي العالمي، والحد من خطر الجوع ومساعدة أفقر البلدان في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وفي الواقع هذا هو السبب في أن روسيا تعهدت بالالتزام في تقديم المساعدة وتنفيذ هذه الصفقة، ومع ذلك فإن هذه «الصفقة»، التي تم إظهارها من قبل الغرب على أنها تعبير عن اهتمامه ورعايته بالدول الإفريقية، تم استخدامها في الواقع وبلا خجل فقط من أجل إثراء الشركات الأمريكية والأوروبية الكبيرة التي قامت بتصدير الحبوب من أوكرانيا وإعادة بيعها للدول الأخرى".
وواصل حديثه: "لكم أن تحكموا بأنفسكم، على مدى عام تقريبًا تم تصدير في إطار الصفقة ما مجموعه 32.8 مليون طن من هذه المواد من أوكرانيا، حيث ذهب أكثر من 70% منها إلى البلدان ذات الدخل المرتفع والمتوسط، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، في حين أن نصيب بعض الدول مثل إثيوبيا والسودان والصومال وكذلك اليمن وأفغانستان، كان أقل من 3% من الحجم الإجمالي، بعبارة أخرى أقل من مليون طن".
وشدد على أنه لم يتم الوفاء بأي شرط من شروط «الصفقة» الخاصة باستثناء الصادرات الروسية من الحبوب والأسمدة إلى الأسواق العالمية من العقوبات المفروضة، علاوة على ذلك هناك عوائق تواجه حتى شحنات الأسمدة الروسية المجانية المخصصة للبلدان المحتاجة والأكثر فقرًا، فمن بين 262 ألف طن من المنتجات المحتجزة في الموانئ الأوروبية، تم إرسال دفعتين فقط، واحدة بكمية 20 ألف طن إلى ملاوي وأخرى 34 ألف طن إلى كينيا، أما الباقي فلا يزال في أيدي عديمي الضمير من الأوروبيين، وهذا ما يحدث في واقع الأمر على الرغم من حقيقة أننا نتحدث عن عمل إنساني بحت ولا ينبغي فرض عقوبات عليه من حيث المبدأ.
وأكد أنه - في ضوء كل هذه الحقائق - لم يعد هناك جدوى من استمرار «صفقة الحبوب» التي لا تحقق هدفها الإنساني، ونحن اعترضنا على مسألة الموافقة على تمديد إضافي لـ«الصفقة» واعتبارًا من 18 يوليو تم تعليق تنفيذ الصفقة، أود أن أؤكد لكم أن بلدنا قادر على استبدال الحبوب الأوكرانية، سواء على أساس تجاري أو على أساس مجاني، خاصة وأننا نتوقع مرة أخرى حصادًا كبيرًا هذا العام.
ونوَّه باستمرار موسكو - على الرغم من العقوبات - العمل بكل ما في وسعها لتنظيم توريد الحبوب والأغذية والأسمدة إلى إفريقيا، وتطوير جميع القطاعات الخاصة بالعلاقات الاقتصادية مع إفريقيا بشكل ديناميكي سواء كان ذلك مع الدول كل على حدة، أو مع منظمات التكامل الإقليمي، وبالطبع مع الاتحاد الإفريقي.
ورحب بوتين بالنهج الاستراتيجي للاتحاد الإفريقي نحو مزيد من التكامل الاقتصادي وتشكيل منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، نحن على استعداد لإقامة علاقات عملية مبنية على أساس المنفعة المتبادلة، بما في ذلك من خلال الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، كما أننا مصممون على تكثيف التعاون مع المنظمات الإقليمية الأخرى في القارة السمراء.
وأشار إلى تخطيط بلاده لمواصلة تقديم المساعدة في تدريب الكوادر الوطنية للدول الإفريقية، وهنا لابد من الإشارة إلى حقيقة أنه يدرس في بلدنا حوالى 35000 طالب من القارة السمراء، من بينهم أكثر من 6000 طالب يدرس من خلال المنح الدراسية الروسية، ونحن في كل عام نقوم بزيادة عدد المنح الدراسية المقدمة، ونحفز التعليم على أساس عقود مدفوعة الأجر، وكذلك من خلال العلاقات بين الجامعات وهذه الصيغة من التعاون اكتسبت زخمًا كبيرًا في الآونة الأخيرة.
وقال بوتين إن مسألة الارتقاء إلى مستويات عالية في العديد من المجالات بما في ذلك المجال الإنساني ومجال الثقافة والرياضة والإعلام تصب في مصلحتنا المشتركة، وهنا اغتنم هذه الفرصة لأوجه الدعوة لأصدقائنا الأفارقة الشباب للحضور إلى روسيا وبالتحديد إلى مدينة سوتشي في شهر مارس 2024 لحضور مهرجان الشباب العالمي.
يذكر أن هذا المنتدى الدولي الواسع النطاق سيجمع في أروقته أكثر من 20 ألف مندوب عن أكثر من 180 دولة لإجراء حوار مفتوح وودي غير رسمي، وخالٍ من الحواجز الأيديولوجية والسياسية والأحكام المسبقة العرقية والدينية، ويوحد جيل الشباب حول أفكار السلام الدائم والمستدام والازدهار والإبداع.
وفي ختام مقاله بصحيفة (الأهرام) قال بوتين: "نعلق أهمية كبيرة على القمة الثانية القادمة بين روسيا وإفريقيا، وبناءً على نتائجها من المخطط اعتماد بيان شامل، وعدد من البيانات المشتركة، والموافقة على خطة عمل منتدى الشراكة روسيا - إفريقيا للفترة حتى عام 2026، كما يجرى إعداد حزمة مهمة من الاتفاقات ومذكرات التفاهم الحكومية الدولية والمشتركة بين الوزارات والمؤسسات للتوقيع عليها، سواء مع الدول كل على حدة ومع المنظمات الإقليمية في القارة السمراء.. أتطلع إلى عقد اجتماعات مع قادة الدول الإفريقية في مدينة سانت بطرسبورج، وأتطلع إلى حوار بناء ومثمر، إنني على يقين من أن قرارات القمة والمنتدى، وكذلك العمل المشترك والمتعدد الأوجه، ستعمل على زيادة تطوير الشراكة الاستراتيجية الروسية الإفريقية لصالح بلداننا وشعوبنا".