هل ماتت النخب؟
منذ أن بدأت "السوشيال ميديا" في التوغل في حياتنا اليومية واستحواذها على الروابط الاجتماعية وسيطرتها على تفاصيل الحياة اليومية، بدأت تغير من مفاهيم كثيرة أهمها رأس المال الرمزي والسلوك الاتصالي ومفهوم النخب؛ لنتساءل من يحرك الجماهير ويشكل وعيهم؟
هذا ما تقصت عنه أحدث دراسة عن شبكات التواصل الاجتماعي للباحث د. سعيد بن أحمد الدحيه الزهراني في رسالته المعنونة (السلوك الاتصالي للنخب الثقافية السعودية عبر شبكات التواصل الاجتماعي) والتي نال عنها درجة الدكتوراه في فلسفة الاتصال الرقمي من كلية الإعلام والاتصال بجامعة الإمام محمد بن سعود، بعد مرافعة ثقافية وعلمية ثرية أدارها باقتدار المشرف على الرسالة أ. د. فهد العسكر، وكل من عضوي اللجنة؛ الأمير أ. د. سعد آل سعود عميد كلية الإعلام والاتصال بالجامعة، ود. حمد الموسى أستاذ الإعلام المشارك.
الدراسة التي كان محورها دراسة النخب وتحولاتها بين الرقمي والتقليدي عبر موقع "تويتر" أكدت أن العالم يشهد ولادة النخبة الموازية وبروز نخبوية النظام الرقمي للهيمنة رمزيًا وفعليًا، وهي تجيب هل حقا ثمة نخب مؤثرة؟!
كشفت الدراسة التي تقع في 800 صفحة أن المشاهير لا يقدمون أي محتوى جاد أو عميق وإنما ينحصر تأثيرهم في السلوك الاستهلاكي للجمهور من خلال المحتوى الترفيهي أو التسويقي، مع عدم الثبات والتحول المستمر، واصفةً إياهم بأنهم أفراد وتجميعات فردية لا رابطة أو كتلة أيديولوجية لها، في حين أن المؤثرين نخب رقمية تنضوي تحت كتلة أيديولوجية وتباشر دورًا معرفيًا ذا رسالة. في الوقت الذي تراجع فيه المكون النخبوي التقليدي، وضعف تأثيره وحضوره في المجتمع السعودي بصورة ملحوظة، مع فقد النخبة فكرتها المحورية وهي فكرة القيادة أمام واقع الكثرة المتنامية.
الزهراني سلط الضوء على اتساع الطبقة الرمزية عبر شبكات التواصل الاجتماعي ودخول مكون المشاهير ضمنها، ما أدى إلى تراجع دور النخب التقليدية، كما قدم تأطيرا منهجيا حول التاريخ الاجتماعي والثقافي للمجتمع السعودي ضمن شبكة الإنترنت بدءًا بالمنتديات ووصولًا إلى شبكات التواصل الاجتماعي وذلك على مدى أكثر من عقدين من الزمن.
ولعل أهم نتائج البحث هي ولادة شكل نخبوي مضاد جديد، أكثر تغولًا وأوسع شمولًا وبأدوات تأثير ونفوذ عابرة للأزمنة والأمكنة والثقافات والأجيال والمجالات، وهو ما أطلق عليه (نخبوية النظام الرقمي) المتمثلة في شركات تكنولوجيا المعلومات والاتصال بأنظمتها الخوارزمية اللوغارتمية من جهة، وملاك تلك الشركات والمؤسسات من جهة أخرى، والحكومات التي تقع في إطارها تلك الشركات والمؤسسات وملاكها من جهة ثالثة، مشكلةً نظامًا جديدًا للهيمنة والنفوذ في بيئات الاتصال الرقمي وعوالم الحضارة الرقمية، بوصفها مركز قوة جديد يضاف لمنظومة مراكز القوى الفاعلة والمؤثرة في السياقات المحلية والدولية.
وأكدت الدراسة أن التنامي المتسارع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أدى إلى تراجع المكون النخبوي التقليدي، وضعف تأثيره وحضوره في المجتمع السعودي بصورة ملحوظة، مع عدم تلاشيه تمامًا مثلما يتردد من قبيل (موت النخب).
الزهراني توصل إلى اتساع مكون النخب من حيث الكم والشرائح والمستويات والتخصصات، لدرجة ذاب عندها مفهوم النخبة ذاته بعد أن أصبحت النخب جماهير واسعة، وبالتالي فقدت النخبة فكرتها المحورية وهي فكرة القيادة.
وتقصت الدراسة البعد الإقناعي الاستمالي في خطاب النخب السعودية وبرز أسلوب الصدمة الذي يقوم على تقديم معلومات أو آراء صادمة للمتابعين للفت نظرهم وإقناعهم بالأفكار بما يُحقق لهم لفت الانتباه والجذب وبالتالي الانتشار والتأثير.
قامت الدراسة باستقراء المرجعيات الفكرية للنخب السعودية التي يفترض أن توجه السلوك الاتصالي، حيث توزع أفراد العينة إلى فئتين؛ الفئة الأول تنتمي إلى التيار الفكري المستقل أو المحايد أو الفني غير المعني بالتصنيفات الفكرية أو تجاذباتها، أما الفئة الثانية فهي فئة التيارات الفكرية المتضادة ممثلة في التيار المحافظ من جهة، والتيار الليبرالي من جهة أخرى، وهما الفئتان اللتان يحضر تمثيلهما في المجتمع بنسبة أقل إلا أن صوتهما هو الأعلى، مع الإشارة إلى ميل الكفة إلى فئة التيار الليبرالي، ولاسيما المعني بالهموم الوطنية، وهي نتيجة يؤولها الزهراني بالاتساق المرحلي الذي تشهده المملكة العربية السعودية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان حيال تغليب صوت التسامح والانفتاح المتزن ومحاربة التشدد والتطرف، حيث تمثل في حالة الاعتراف التي لم تكن مشهوده في الفترات السابقة حيال مصطلح (ليبرالي)، إلى جانب القبول بالتوصيف أو التصنيف بمصطلح (ليبرالي).
وكشفت الدراسة عن بروز فئة التيار الرقموي في السعودية، حيث لاحظ الباحث أن ثمة ما يُؤشر إلى تيار فكري جديد آخذ في التشكل والحضور والبروز بصورة لافتة، وتظهر النتائج وجود اتجاه فكري يرى أن المستقبل سيشهد اندثار مصطلح "النخب" في مقابل ازدهار مصطلح "المشاهير".