نظرية السخرية.. وإسقاط الدولة المصرية
تقوم نظرية السخرية على الاستهزاء برموز الدولة الوطنية والدينية والعسكرية والمدنية باستغلال ميل الشعب المصري بطبيعته إلى السخرية مما وجد على جدران المعابد وما هو مرسوم على البرديات الفرعونية القديمة التي كان يسخر فيها المصريون القدامى من أعدائهم، فيظهرونهم غاية في الضعف والهزال وذوي شعر طويل يجعلهم أقرب للنساء منهم إلى الرجال، ويظهر القادة العسكريون المصريون غاية في القوة وهم يمسكونهم من شعرهم في مشهد يعد استعراضا للقوة بامتياز.
قد يكون هذا مقبولا كسلاح ساخر ضد أعداء الدولة المصرية أياً كانوا سواء كانوا من الهكسوس أو التتار أو المغول أو الصليبيين أو غيرهم على مر الزمان، وقد يكون هذا سلاحا فعالا ضد جماعة الإخوان المسلمين إبان حكم الرئيس المعزول مرسي ومكتب الإرشاد الذين أثبتوا أن ولاء الجماعة ليس لمصر بل لتنظيم دولي لا نعلم عنه شيئا، والذين أثبتوا عداءهم الشديد لهذا الشعب الذي انتخبهم وأوصلهم بأكثرية إلى مجلس الشعب وأوصل مرسيهم إلى سدة الحكم في مصر، والآن هم يذيقون هذا الشعب الويل والثبور عقاباً له على ثورته عليهم.
ولكن غير المقبول هو السخرية ممن ساندوا الثورة المصرية الثانية التي اندلعت في 30 يونيو الماضي، ويبدأ الأمر بالسخرية من رموز الدولة المصرية، ليستخف الناس بهم، ثم يستهزأون بأفعالهم، ثم تسقط هيبتهم، ثم يتم اغتيالهم معنويا، ولاسيما أن هذا لا يتم بمعزل عن ميليشيات إلكترونية إخوانية ممولة تعمد إلى بث سمومها على الإنترنت في المنتديات والمدونات وشبكات التواصل الاجتماعي، وتهدف هذه الجهود كافة إلى إسقاط الدولة المصرية وليس نظام الحكم في مصر، وهو تكرار ممسوخ من تجربة إسقاط نظام مرسي والإخوان.
نعم كنا نصفق لباسم يوسف وبرنامجه الساخر عندما كان يسخر من مرسي وطغمة الإخوان الحاكمة التي ملأت الأرض ظلما وفساداً وفشلاً وتفريطاً في تراب هذا الوطن، لأن سخرية صاحب البرنامج كانت توافق اتجاهات الرأى العام المصري الذي اتخذ من هذه السخرية وقودا للثورة على النظام الإخواني الذي كان يحكم مصر، ولكن السؤال الذي أوجهه لباسم يوسف لماذا السخرية من النظام الحالي؟ ولماذا الآن؟!!..
لقد انقطعت يا باسم شهوراً عن تقديم برنامجك بعد ثورة 30 يونيو بحجة عدم مناسبة الظروف لتقديم البرنامج، والسؤال الذي أوجهه إليك: هل الظروف التي يمر بها الوطن وسط العواصف والأنواء والإرهاب والانفلات الأمني ووسط المؤمرات الخارجية التي تُحاك لمصر مناسبة لتقديم برنامج للسخرية من كل الرموز التي تحاول أن تقود سفينة الوطن وسط كل هذه الأمواج المتلاطمة؟.
وقد يقول باسم أو صديقه الصدوق الأمريكي جون ستيوارت إن النظام الذي لا يتحمل السخرية لا يستحق أن يستمر، وهو قولٌ حقُ يُراد به باطل؛ لأن النظام المُشار له في هذه المقولة يجب أن يكون مستقراً، تدعمه مؤسسات منتخبة ويتمتع بدستور منذ سنوات بعيدة ينظم العلاقة بين السلطات ويمنح الشعب حقوقاً مستقرة، وهو ما يمكن أن ينطبق على الولايات المتحدة الأمريكية، أما بالنسبة لمصر فالأوضاع مختلفة غاية الاختلاف؛ فنحن بالكاد كتبنا دستوراً، ومازلنا نتلمس طريقنا نحو المستقبل، ونسعى لانتخاب رئيسِ للبلاد، ونطمح إلى انتخاب برلمان جديد، وبالتالي ليس هذا وقت السخرية، بل وقت البناء وتقديم يد المساعدة لمن نسخر منهم حتى نبني هذا الوطن بدلاً من محاولة تقويض أركانه.
صدقني يا باسم: إن برنامجك لم يعد يُضحك المصريين، وإذا كنت تفخر أن عدد المشتركين في صفحة البرنامج على اليوتيوب قد وصل إلى مليون، فتأكد أن ملايين المصريين لهم رأى آخر في البرنامج، وهو رأي قد لا يعجبك، ولكنه الرأي الصواب، لأن المصريين أصبحوا أكثر وعيا وإدراكاً لما يدور حولهم.
إن أكثر الناس سعادة ببرنامجك الآن هم الإخوان ومَن والاهم، وهم الوحيدون الذين يرددون مقولاتك، اعتقاداً منهم أنك ستحرك الشارع أو صاحبتك اللعوب التي أطلقت عليها "جماهير" لقلب نظام الحكم مثلما فعلت بهم وبمرسيهم.. ولكن هيهات أن يحدث ذلك، فالجماهير المصرية لها صوت ومواقف ومبادىء لن تحيد عنها ولن تتراجع، جماهير حقيقية تساند من يريد أن يبني هذا الوطن، وليست "جماهير" التي تسكن مخيلة كاتب برنامج ساخر كان جيداً عندما كان يصب في مصلحة الوطن، وصار رديئاً عندما أصبح يصب في صالح أعداء الوطن.