البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

في التباعد تتوه معالم الحياة


أول ليلة رأس سنة تمر علينا في مصر المحروسة ومعظم الأسر متفرقون، كل فرد من أفراد الأسرة في مكان بعيد عن الآخر بسبب هذا الوباء اللعين المُخلَّق لأغراض لم تظهر حقيقتها بعد، إما معزولا رغما عنه بالمشفى لسوء حالته الصحية، أو معزولا باختياره في حجرة من حجرات المنزل . 
كانت معظم الأسر تنتظر هذه المناسبة لتجتمع حول مائدة محتشدة بصنوف الطعام المطهو بالحب، تحتفل بالتقارب وتتمنى أمنيات العام الجديد، وربما تسافر داخل مصر أو خارجها لتبتهج وتتسوق، كانت تعبر عن سعادتها بقبلات حانية تجسيدا للمودة، وأحضان دافئة تعيد الوصل، وضحكات عالية ترج المكان وملامح تشع بالسعادة .
اليوم صار التباعد أمرا مفروضا من الدولة وفي كل وسائل الاعلام بالمعنى الحرفي للكلمة، عبارة سخيفة وقاسية فرضت نفسها علينا هذا العام، (في التباعد حياة) اختفت على أثرها ملامحنا بكمامة بلهاء، وتفرق شملنا فلا نجتمع على رأي، التهينا بالبروتوكولات والأشعة والتحاليل والمسحات، أُنهِكت صحتنا حتى بعد الشفاء بمصل زائف ربما يعدل في الجينات، انتُزِعت البهجة من القلوب ليحل محلها الفزع والخوف، الفزع من الوباء والخوف من الموت، ولا ندري من يفعل بنا هذا؟ ولماذا.
لم يتبق أمامنا سوى هذا الفضاء الأزرق الذي كنا نعتقد أنه عالما افتراضيا، لكن مع هذا التباعد الاجباري أصبح واقعا لا يستهان به، وصار الوسيلة المثلى للتقارب والدعم والمساندة واعلانات الخطبة والزواج والعمل والوفاة وتقبل العزاء، وعلى الرغم من عبارات المجاملة الرنانة التي ربما تكون زائفة فإن هناك مشاعر صادقة مهما حاولوا اقناعنا بالتباعد، فلا زالت المحن تجمعنا والابتلاءات تقربنا من بعضنا البعض بتلقائية.
وكما فعل أجدادنا الفراعنة منذ آلاف السنين، عندما كانوا يحفرون بعض المقابر كبئر عميق، وبعد أن يضعون فيها متعلقات الميت من ملابس فخمة وتماثيل ذهبية ومقتنيات فاخرة وكل ما هو ثمين، يُنقل تابوت الميت داخل المقبرة بحيث يتوسط سقف المدفن "قُلَّة" ملآى بالرمال الناعمة، ثم يقوم آخر الخارجين من المقبرة بكسر القلة لتتسرب الرمال الناعمة من خلال الفتحة التي أحدثها الكسر، فتملأ الرمال فراغ المقبرة وتسوي الأرض في أعلى البئر حتى تصبح جزءا لا يتجزأ من الأرض المحيطة، فتختفي معالم المقبرة المدفونة تحت الرمال .
ربما ينبغي علينا أن نتبع تقليد أسلافنا ونكسر "قلة" خلف العام السابق عام الجائحة 2020 لعله يختفي بآلامه ومصائبه من ذاكرتنا ومن التاريخ، ونبتهل للعام الجديد مهللين: أيها العام الجديد لعلك بخير.