البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

الجماعة الإرهابية في الجزائر.. تاريخ من محاولات السيطرة على الحكم "3-3"

 صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

ترتبط حركة مجتمع السلم الذراع السياسية الأبرز للإخوان فى الجزائر مع الولايات المتحدة بعلاقات وطيدة، حيث تتميز مواقفها دائما ببراجماتية، ووفقا لمصالحها فهى لم تندد إطلاقا بخضوع الجزائريين للتفتيش الدقيق أكثر من غيرهم بين أمم العالم، فى المطارات الأمريكية، وما يمثل ذلك من إهانات فى كامل مطارات الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك حرصا على علاقة الروابط التى يملكها رجل حمس القوى عبدالرزاق مقري، بمنظمة فريدم هاوس الأمريكية فى الجزائر.
وتشكل هذه العلاقة لأحد أهم رجال أكبر حركة إسلامية سياسية فى البلاد، بمنظمة من حجم فريدم هاوس، تأكيدا واضحا على أن فكرة الإخوان كبديل سياسى للأنظمة ما زالت موجودة لدى الولايات المتحدة، وتعمل على ترسيخها.

وقد نمت العلاقات الأمريكية الجزائرية بداية من يوليو ٢٠٠١، عندما أصبح الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة أول رئيس جزائرى يزور البيت الأبيض منذ ١٩٨٥، وهذه الزيارة تبعها لقاء ثان فى نوفمبر ٢٠٠١، وآخر فى نيويورك فى ديسمبر ٢٠٠٣، وذلك بمشاركة أعضاء خمس من الحكومة الجزائرية.
ومنذ هجمات الحادى عشر من سبتمبر ٢٠٠١ فى الولايات المتحدة، تكثفت الاتصالات فى المواضيع الأساسية ذات الاهتمام المتبادل، بما فيها تطبيق القانون والتعاون فى مكافحة الإرهاب والإخوان طرف فيه، وقد أدان الإخوان بالجزائر رسميًّا الهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة ودعمت بكل قوة الحرب على الإرهاب، وفقًا لمنهج «التقية». 
وفى أغسطس ٢٠٠٥ قاد رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، آنذاك، السيناتور ريتشارد لوجار، وفدًا إلى الجزائر والمغرب بمشاركة الإخوان للإشراف على إطلاق سراح ٤٠٤ أسرى مغربيين متبقين كانت تحتجزهم جبهة بوليزاريو فى الجزائر، وأزال إطلاق سراح الأسرى عقبة من العلاقات الثنائية المغربية الجزائرية.
وبالنظر إلى نتائج انتخابات الرئاسة الجزائرية الأخيرة، يظهر أن «إخوان الجزائر لدغوا من جحر رفض الجزائريين لهم للمرة الرابعة» كما علق بعض الجزائريين وآخر خيبة صدم بها إخوان الجزائر، تلك النتائج التى أفرزتها صناديق الاقتراع فى انتخابات الرئاسة، سواء من للتيارات المقاطعة التى تفاجأت بحجم المشاركة، أو للذين شاركوا فيها ممثلين فى الإخوانى عبدالقادر بن قرينة رئيس ما يعرف بـ«حركة البناء».
الإخوانى بن قرينة زعم حتى قبل الحملة الانتخابية بأنه «رئيس الجزائر المقبل»، وأبدى قناعة تامة بذلك، وظل يردد الحلم على من حضر فى تجمعاته الانتخابية، إلى أن استفاق على كابوس نسبة تصويت الجزائريين، والتى وصلت إلى ١٧.٣٨٪ فقط، وبفارق كبير عن المتصدر تبون.

أما أول خيبة لإخوان الجزائر فكانت فى أول انتخابات رئاسية تعددية عام ١٩٩٥، حيث لم يحصل مرشح الإخوان محفوظ نحناح مؤسس ما يعرف بـ«حركة مجتمع السلم» الإخوانية على أكثر من ٢٦٪ من الأصوات، ثم رفض ملف ترشحه فى رئاسيات ١٩٩٩ بسبب عدم وجود وثيقة الانتماء للثورة التحريرية ضد الاستعمار الفرنسي.
وفى انتخابات ١٩٩٩، ركب الإخوانى عبدالله جاب الله موجة المقاطعين لها بين بقية المرشحين الذين كانوا يوصفون بـ«ثقيلى الوزن»، حينما كان رئيسًا لما يعرف بـ«حركة النهضة».
وبعد تفريخه تيارًا إخوانيا جديدًا فى الساحة السياسية عشية انتخابات ٢٠٠٤ باسم «حركة الإصلاح»، اكتفى الإخوانى جاب الله بالحصول على ٥٪ من أصوات الناخبين، وتكررت الخيبة مع التيار ذاته فى انتخابات ٢٠٠٩ بحصول خليفته الإخوانى محمد جهيد يونسى على ١.٣٧٪ من نسبة التصويت.
أثبتت نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة فى الجزائر، مرة أخرى، وفق مراقبين، عدم قدرة التيارات الإخوانية على استقطاب الشارع، بما يملكه من خلفيات عنهم فى ضوء تجربتهم خلال تسعينيات القرن الماضي، عند صعود ما كان يعرف بـ«الجبهة الإسلامية للإنقاذ» إلى المشهد السياسي، وتبنى قياداتها الإخوانية خطابات متطرفة «صريحة».
ومن تلك المنطلقات، لا ينظر الناخب الجزائري، للمرشحين الإخوان وخطاباتهم الانتخابية على محمل الجد، إذ يعتبرونها تعبيرا عن متلازمة انتهازية تمجد صناديق الاقتراع وأدوات الديمقراطية، طالما جاءت بهم إلى سدة الحكم قبل أن ينقلبوا عليها فى مسعى لتكريس أفكارهم عن التمكين.
وترسخت عند غالبية الجزائريين قناعة تتأكد مع كل موعد انتخابى بأن التيارات الإخوانية ما هى إلا «جدار يعزل الفعل الديمقراطى ويلغيه بمجرد انتقاله إلى موقع صانع القرار»، ويستدلون على ذلك أيضا بما تشهده التيارات الإخوانية فى تسييرها الداخلى من «انعدام تام لآليات الديمقراطية فى غالبيتها وديمقراطية شكلية فى بعضها الآخر تتخفى وراء الولاء للشخص».

ويصف الجزائريون، كما تبرزه ردود أفعالهم الدائمة عبر منصات التواصل، التيارات الإخوانية بـ«المستثمرات السياسية»، ويعزون ذلك إلى «استعمال تلك التيارات كل أنواع التضليل السياسى لبيع بضاعتهم الكاسدة، والتى باتت مع الحراك الشعبى الأخير منتهية الصلاحية، بشكل أصبح ضررها السياسى واضحًا لعيان غالبية الجزائريين».
ويقول المتابعون للشأن السياسى فى الجزائر إن التيارات الإخوانية «تعيش فى زمن غير زمانها، ولا تعرف حقيقة المشكلات التى تواجهها البلاد والمواطن»، بل «استغلت همومه وأوجاعه بخطابات رنانة حاولت من خلالها دغدغة عواطفه الاجتماعية والسياسية».
لكن كثيرًا من المتابعين يؤكدون أن حصول مرشح الجماعة على نسبة متدنية فى انتخابات الرئاسة الجزائرية ما هو إلا «تأكيد لنتيجة استفتاء شعبى على مدى ٩ أشهر ترجم رفضه لوجود التيارات الإخوانية ومحاولتهم القفز عليه، ما جعلهم معزولين ومنبوذين فى مشهد سياسى تغيرت تركيبته وفق متابعين.
تحاول جماعة الإخوان فى الجزائر أن تجد لنفسها مكانًا أمام موجات الانحسار التى تعيشها التنظيمات الإخوانية الأخرى فى العالم العربي. ويمكن أن نرصد الملاحظات التالية: ما زالت ما تعانيه جماعة الإخوان فى الجزائر بجناحيها من تعثّرات كبيرة، من خلال تحالفات هشة يدفع بها فى أغلب الأحوال إلى مزيد من الانشقاق داخل الصف الإخوان نفسه وهو ما يحول دون وجود كيان واحد لها فى المستقبل. 
وتجعل حالة الانقسام داخل الإخوان استحالة التوافق على وحدة الموقف الوطنى تجاه القضايا الوطنية الكبيرة وهو ما أثبتته الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
كما أن التنافُس بين الإخوان فى الانتخابات التشريعية والبلدية انعكس سلبًا على نشاط الحركة الدعوى والتربوي، وبذلك تكون الحركة قد تفرغت من محتواها الأصلى فى النشاط الدعوى والتربوى إلى العمل بالسياسة، وفقدت توازُنها كحركة إسلامية. وأدى الصراع الداخلى إلى افتقاد الجماعة لولاء نسبة كبيرة من الشباب الجزائري، بسبب عدم رغبتهم فى الدخول فى صراعات جديدة ليس لهم علاقة بها.
كما انعكس الفشل الكبير للجماعة الأم فى مصر على إخوان الجزائر وهو ما تم رصده فى العام الأخير من انقسامات وانشقاقات وتصدع فى البنية التنظيمية وانحسار فعالياتها فى الشارع الجزائري.