ذكريات عيد الميلاد المجيد
يطيب لى في صباح عيد الميلاد المجيد أن أرسل باقات من التهانى الملونة بالفرح والورود والأغانى لا لمسيحيى مصر فقط بل للمصريين جميعا، نساء ورجال، شباب وشابات، شيوخ وأطفال، عيد ميلاد مجيد «المجد لله في الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة»، يطيب لى أن أرسل قبلات ودعوات لكل الأطفال الذين يحتفلون بالعيد في المستشفيات. الأطفال الذين اعتدت في السابع من يناير من كل عام أن أقضى معهم العيد ونحن نبتسم ونلعب ونصنع فرحا صغيرا، يقول لهم أنكم لستم وحدكم هنا في هذه الغرف الباردة، هناك من يأتى من أجلكم ويحضر لكم فرحا صغيرا، ويتمنى لكم الشفاء والفرح. هناك من يهتم. أتذكر مارينا طفلة البهجة التى شاركتها واحدة من ورشات عملى الخاصة بالمناسبات. صنعنا فيها صلبانا من أوراق مقواة، وشجرات عيد ميلاد وبراويز من الكارتون الملون تعلمتها سريعا لتصنع من بسمتها والأوراق الملونة هدايا لإخوتها في المنزل تأخذها معها لهم. هدية من صنع يديها. حينما تعود إلى بلدها وبيتها الدافئ. أتذكر ابتسامة أمها الرقيقة التى أسعدها أن أزور ابنتها في العيد. أتذكر كيرولس صاحب الـ«أحد عشر عاما»، الصبى الرائع الذى يشبه زهرة صغيرة تتفتح للحياة وهو على سرير المرض يقاوم شراسته بابتسامة، والذى تلقانى في العيد بابتسامة حينما قالت له الممرضة إننى جئت من أجله في العيد لأقضى معه وقتا نقرأ فيه أو نرسم أو نلون أو حتى نتحدث عمّا يشغله باعتبارى كاتبة أطفال وصاحبة ورشة تعمل معهم وتهديهم أنشطة لقتل الملل. سالنى كيرولس عن موضوع الورشة فقلت له ببساطة سنصنع نماذج للرموز المسيحية بمناسبة عيد الكيلاد الجيد وأعياد رأس السنة. أشجار خضراء من الورق والجليتر وصلبانا بأسماء أحبابك الذين كنت تتمنى أن يكونوا معك اليوم وأنت هنا على سريرك وهم يقضون العيد كما اعتادوا في كل عام ابتسم وقال سأفعل وأشاركك القص واللصق وما هو أكثر. كان بالغرفة طفلة أخرى وأمها شاركتانا الفرح والقص واللصق وصناعة الورود أيضا لأمه وأم الطفلة التى تشاركه الغرفة. الأمهات وأنا تشاركنا وتسابقنا وكيرولس أخذ يعدد أسماء أطفال عائلته. قال إنه سيعلمهم ما تعلمه في الورشة ليسعدوا جميعا أثناء زيارتهم له في المنزل وربما تبرعوا هم أيضا بمنتجاتهم من الورود والأشجار والبراويز وأيضا كروت المعايدة التى تحمل اسم كل منهم بتصميم متفرد يخص الشخص المهدى إليه، قضيت وقتا جميلا معه وكانت الغرفة أشبه بناد صغير ملىء بالفرح وأصواتنا المتداخلة ونحن نتشارك القص واللصق والفوم وألوانه ومقترحات فيما بيننا لتجويد المنتجات. وقبل أن أستعد للمغادرة استوقنى كيرولس وقال: طنط، ممكن تعلمينى أعمل فانوس إزاي؟ فابتسمت وقلت له: فانوس! ونحن في عيد الميلاد فقال لى أعجبتنى الورشة وفرحت بها وأردت أنا أيضا أن أهدى صديقى هشام فانوسا، من صنع يدى في رمضان. سأعلمه صنع الفوانيس وسنصنع عددا منها نعلقه في حبل يربط بين بلكونتنا وبلكونتهم. لم تقفز دمعة من عيوننا نحن الأمهات قدر ما قفزت فرحتنا، وبالفعل استجبت لما طلبه منى، وتركته وهو يضع فانوس رمضان بجوار شجرة عيد الميلاد بجوار الصلبان الملونة التى صنعها. ومضيت، وأنا ممتلئة بالسعادة والإيمان بأن مصر لن يقوى عليها أحد. يطيب لى في صباح العيد أن أرسل التحية وأقول لجيراننا وزملائنا في العمل وإخوتى في الوطن كل عام ونحن جميعا بخير، كل عام ونحن نعى معنى مصريتنا منذ ثورة 1919 التى خلدت الهتاف الشهير عاش الهلال مع الصليب وحتى السلاسل البشرية حول الكنائس في عام 2013 أعرف أن هناك شجونا قد تثار أيضا في ذاكرتنا لكنه وقت الفرح وقت العيد وقت المشاركة والمحبة وقت معنى مصريتنا وقت هويتنا التى لن يقدر أحد على محوها أو تشويهها مهما حاولوا. كل عام ومصر بخير تدب عليها أقدامنا مسلمين ومسيحيين في درب واحد ساعين إلى مستقبل مزدهر تحت سمائها التى يطل علينا منها شهداء ضحوا بأرواحهم ودمائهم لنحيا، ونسعد، على الدوام.