البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

خارطة دعم تركيا للتنظيمات الإرهابية في الإقليم

البوابة نيوز

رغم تنوع الأهداف الفرعية للدول والكيانات الداعمة للإرهاب، بين ممارسة الضغوط السياسية والأمنية على بعض الخصوم، أو مد النفوذ إلى داخل حدود عقر دار خصوم آخرين، فإن الكيانات التي اعتادت على دعم الجماعات المتطرفة، تتفق في عدد من الاستراتيجيات العامة، التي تعمل على أساسها، إذ إن الدعم الذي يلقاه الإرهابيون، أو بالأحرى يقدمون ولاءهم لمن يوفره لهم، يعتمد على عدة عناصر أبرزها التمويل المادي، وتوفير السلاح، بالإضافة إلى إيجاد الملاذ الآمن وقت الحاجة.



وتشير الأحداث المتتالية، منذ عام 2011، ومع اندلاع ما يعرف بـ"ثورات الربيع العربي"، إلى أن الإرهاب يشهد نموا وتوغلا في المنطقة العربية، وبخاصة الشطر الآسيوي منها، وذلك تحت غطاء ومساندة من قبل بعض الدول بمنطقة الشرق الأوسط وخارجها، وفي مقدمة هذه الدول تركيا، التي عملت وفق خطط وآليات تسمح لها بإيجاد وسائل اتصال وثيقة مع تنظيم داعش الإرهابي، تطورت بمرور الوقت، منذ نشأة التنظيم، حتى تحولت إلى شراكة يحقق بها كلا الطرفين أهدافا مهمة للآخر.
ولم يعد الدعم الذي يلقاه تنظيم داعش الإرهابي، من أنقرة خافيا، خاصة بعد الحملة العسكرية الأخيرة، التي شنها النظام التركي، داخل الأراضي السورية، زاعما إنشاء منطقة آمنة، لحماية حدوده من الأكراد، فالعدوان التركي على شمال سوريا، لم يسفر فقط، وفق ما تؤيده المعلومات الواردة من هناك، عن ترسيخ واقع جديد يحقق الهدف المعلن لأنقرة، وإنما امتد إلى إنقاذ عناصر تنظيم داعش المعتقلين في سجون قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، التي كانت تسيطر على معظم المساحة التي اجتاحتها القوات العسكرية السورية، في العملية التي أطلق عليها الأتراك اسم: "نبع السلام".
إذا أضفنا إلى هذا الطرح، حقيقة لا تغيب عن عاقل، فضلا عن سياسيين وعسكريين محنكين كالقادة الأتراك، وهي أن الهجوم العسكري التركي على شمال سوريا، في هذا التوقيت والمعطيات التي وقع بها فعلا، مع انسحاب القوات الأمريكية من المكان ذاته، سيؤدي بلا شك إلى تحرير المئات من عناصر داعش في سوريا، ومنحهم "قبلة الحياة"، للعودة إلى النشاط والتدريب وحرية الحركة، داخل المنطقة التي صنعها الهجوم التركي، باعتبارها منطقة آمنة، سنجد أنفسنا أمام نتيجة بالغة الأهمية وهي أن أنقرة تنفذ مخططا موضوعا بعناية، لإحداث تغيير ديموغرافي، ينتهي إلى طرد الأكراد، واستبدالهم بعناصر داعشية، تتصف بالولاء لأنقرة، ليبقوا كدروع تحمي الحدود التركية من أي هجوم كردي محتمل.
موقع "نورديك مونيتور"، الاستقصائي السويدي، نشر في شهر مايو الفائت، تقريرا يفضح التساهل الحكومي التركي مع المقاتلين الأجانب الذين تعتقلهم قوات الأمن، بحسب بيانات خاصة بالاستخبارات التركية، حيث أطلقت أنقرة سراح الغالبية العظمى من المقاتلين المتشددين الأجانب، الذين اعتقلتهم خلال الفترة الأخيرة، الذين قدموا إلى أنقرة كمحطة للعبور والالتحاق بداعش في مختلف أنحاء آسيا، إذ تبين وجود الدواعش بعدد من دول آسيا خارج الشرق الأوسط، ولا سيما بعد عملية سريلانكا التي تبناها التنظيم، وراح ضحيتها العشرات، إثر تفجيرات وقعت في شهر أبريل الماضي، وهو ما يشير إلى سؤال يطرح نفسه بقوة حاليا، وتلقي إجابته الضوء على ملامح المستقبل القريب للإرهاب لا سيما في الشطر الآسيوي من المنطقة، وهو: ما هي خارطة دعم تركيا للتنظيمات الإرهابية في الإقليم؟
أولا: دعم الإرهاب في لبيبا مدخل لفهم الدور التركي
تجاوزت تركيا بتوغلها في دعم الإرهاب، حدود ما تقدمه كيانات أخرى للعناصر الإرهابية، من دعم مادي وإعلامي ولوجستي، حتى تحولت مدنها إلى ملاذات آمنة لعدد من المتهمين بممارسة الإرهاب، والمطلوبين على ذمة قضايا تتعلق بالأمن القومي لعدد من دول المنطقة، وفي مقدمتها مصر، وليبيا، كما أنها تحرض إعلامها للهجوم على كل ما من شأنه دعم التوصل للاستقرار والأمن في المنطقة بأسرها، مستخدمة فيما يتعلق بمصر، قناتي: "الشرق"، و"مكلمين"، وفيما يتعلق بليبيا قناتي: "التناصح"، و"النبأ" 
لجنة الخبراء، التابعة للأمم المتحدة، أقرت في تقرير نشر بتاريخ 23 فبراير 2015، بدعم تركيا للإرهاب في ليبيا، خاصة مليشيات انقلاب فجر ليبيا الإرهابي، مشيرة إلى إمداد تركيا للمتطرفين بالسلاح عبر الموانئ الجوية والبحرية.
وفي 17 ديسمبر 2018، تم ضبط صفقة أسلحة تركية، قبل تهريبها إلى المليشيات في ليبيا، وذلك بميناء "الخمس" الليبي، وشملت أسلحة خفيفة من المسدسات والبنادق، كما سبق هذه الصفقة ضبط صفقة أخرى، احتوت على مدرعات قتالية وسيارات رباعية الدفع، وهو ما يوضح بجلاء تام كيف أن تركيا تدعم الإرهاب في عموم منطقة الشرق الأوسط.
الدعم التركي للإرهاب في الشطر الغربي من الشرق الأوسط، وتحديدا في ليبيا ومصر، يعد مدخلا مناسبا لفهم الدور التركي في المنطقة، وبالتالي يضع المحددات المطلوبة لكشف خارطة أنقرة لدعم الإرهاب في عموم الإقليم، شرقا وغربا، إذ إنه يكشف عن كون التحرك العسكري في الشمال السوري، وما يوفره من فرصة جديدة لعودة داعش، لا يجب النظر إليه بمعزل عن ما يجري في الشطر الأفريقي من الإقليم، لأن استكمال عناصر الصورة على طول مساحة الشرق الأوسط، يؤكد أن أنقرة تلعب دورا خبيثا لإعادة تشكيل المنطقة، وفق ما يحقق مصالحها وحدها، ويمهد لإحياء حلم الإمبراطورية العثمانية، التي تتحدث عنها التقارير الإعلامية ليل نهار.

ثانيا: دولة داعشية تدين لتركيا في سوريا 
منذ وصل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى مقعد الحكم في بلاده، خاصة بعد أن استطاع تعديل الدستور، والحصول على صلاحيات مفتوحة، وهو يضع نصب عينيه، وفق ما تشي به جميع سياساته، التي تعتمد على التدخل في شئون الآخرين، وبحسب العديد من المراقبين، أن يمد نفوذه إلى أعماق الدول المجاورة، خاصة التي لم تعد تستعصي عليه، بحكم حالة السيولة السياسية التي تعيشها، ومن ذلك العراق وسوريا.
ولأن الأوضاع في العراق، ليست على ما يرام بالنسبة لأردوغان، في ظل السيطرة الإيرانية شبه التامة على مفاصل الدولة، وجد الرئيس التركي نفسه أمام سوريا، التي فقدت السلطة المركزية فيها السيطرة على مساحة شاسعة من أراضيها، وبات من اليسير التحرك عسكريا، واستخباريا داخل حدود الدولة السورية المستباحة منذ عام 2011، لذا عمل إردوغان على غلغلة نفوذه في سوريا لتحقيق مجموعة من الأهداف المرحلية، يبدو أبرزها إبعاد الأتراك، ومنح فرصة جديدة لداعش، فضلا عن إحياء الحلم الإمبراطوري الأثير.
ثانيا: التوغل في سوريا وسعي أنقرة لإقامة دولة داعشية، تدين بالولاء لقصر الحكم التركي، مرتبط بعداوة ظهرت ملامحها منذ عقد تقريبا، بين إردوغان والرئيس السوري بشار الأسد، بعد فترة من الازدهار بين الجانبين بدأت عام 2004 بزيارة من بشار الأسد إلى أنقرة، وتوقيع عدد من الاتفاقيات الاقتصادية، انقلبت الأمور رأسا على عقب، واستحالت العلاقة إلى عداوة منذ عام 2011 مع اندلاع الاضطرابات في سوريا ضد الأسد، ولم يفوت إردوغان فرصة دون أن يهاجم الأسد ويدعو لإسقاطه من على كرسي الحكم في دمشق، لكن دون إفصاح عن الأسباب الحقيقية لهذا التغيير الجذري في العلاقة بين البلدين، من الجانب التركي، حتى أن تركيا وقفت بجوار المعارضة السورية المسلحة، بشكل سافر وعلني، أملا في إسقاط الأسد. 
ولم تكتف تركيا بدعم الجماعات المسلحة المعارضة للأسد، وإنما تواطأت لصالح تدفق المقاتلين المنضمين إلى تنظيم داعش الإرهابي هناك، فصارت تقدم كل الدعم الممكن لهم، وسمحت بمرور شحنات الأسلحة الواردة للدواعش، حتى تستعين بهم في تحقيق غرضها بإسقاط الأسد، والحصول على ولاء دائم لهذه الجماعة، عقب ترسيخ وجوده في سوريا، لتكون شوكة في حلق المنطقة للضغط على الجميع، انطلاقا من الدولة الداعشية التي استهدف أردوغان إقامتها استقطاعا من الأراضي السورية، كما أن تحقيق هذا الهدف، يمنح أردوغان فرصة مواتية لمحاربة الأكراد، دون اللجوء لتوريط الجيش النظامي التركي في معركة تعتمد أصلا على التفجيرات والعمليات الانتحارية، التي يجيدها مقاتلو داعش أكثر من غيرهم في العالم.


ثالثا: إرهاب تركيا يمتد لقلب آسيا 
لم يعد من المناسب عند الحديث عن تركيا، وخارطتها لدعم الإرهاب في الإقليم، أن نتوقف عند حدود دول الشرق الأوسط، لأن التوغل التركي في دول شرق ووسط وجنوب آسيا، أصبح لافتا للأنظار، ويشير إلى سعي أنقرة، من أجل وضع المنطقة التي نعيش فيها تحت ضغط ممتد، يضرب العمق الاستراتيجي الطبيعي للشرق الأوسط من جهة الشرق، بالإضافة، إلى إطلاق الأيادي التابعة لتركيا لتهديد المصالح الإقليمية لدول الشرق الأوسط، في عموم قارة آسيا، بما يجعل هذا القابع في أنقرة، قادر على إدارة الأوضاع في منطقة مهمة جدا من العالم، سواء اقتصاديا أو عسكريا.
وتعتمد تركيا في تطوير نفوذها الإرهابي بالمنطقتين الشرقية والجنوبية من قارة آسيا، على علاقات وطيدة، وقديمة نوعا ما، تربطها بعدد من دول هذا الجزء من القارة، مثل: الجماعة الإسلامية، التي تعد من أهم وأقدم الأحزاب الدينية في باكستان، وتشتهر بعلاقاتها الوثيقة أيضا، مع عدد غير قليل من الجماعات الإرهابية في المنطقة، ومنها حزب المجاهدين، الذي يعد الجناح العسكري للجماعة الإسلامية هناك، منذ تأُسيسه عام 1990 للجهاد ضد الهند في كشمير.
وتعتمد تركيا في تغلغلها داخل شرق وجنوب آسيا، على إنشاء مدارس لتحفيظ القرآن، وتدريس مناهج ترتبط بالفكر المتشدد، الذي يعتمد على التكفير ومعاداة الآخر، ومثال ذلك، الكتاتيب التركية المنتشرة في مناطق وجود لاجئي الروهينجا، التي تغذي عقول الصبية بأنه لا بد من قتال القوى غير الإسلامية في العالم بأسره، حتى تحل مشكلة الروهينجا ويعودون إلى أرضهم الأم.
موقع "أوت لوك إنديا"، نشر تقريرا العام المنصرم، يصف أردوغان بأنّه: "آخر الزّعماء المفضّلين لدى انفصاليي كشمير"، وذلك وسط إشادة بالغة من زعماء منظّمة "حريّات"، وأبرزهم "مرويز عمر فاروق"، بأردوغان ووصفه له بأنّه من المؤيّدين لحقّ كشمير في تقرير المصير".
وتحت غطاء منظمة تسمى "تيكا"، وما تطلق عليه تركيًا، "وقف الديانة"، عمدت تركيا إلى نشر الفكر المتطرف بآسيا الوسطى، أيضا، عبر تقديم خدمات تعليمية، وأنشطة خيرية في دول هذه المنطقة، فضلا عن تمويل وإقامة عدد كبير من المساجد والمجمعات الدينية، التي وجهت إليها انتقادات دولية، بأنها تدعم الإرهاب، وتنشر التطرف الديني، وكانت سببا في ظهور منظمات إرهابية، تحظى بدعم تركي كبير، ومنها الحزب الإسلامي التركستاني، الذي تأسس للدفاع عن الأقلية الإويجورية المسلمة في إقليم جينج يانج بشمال الصين، وهو الذي تحول تاليا إلى تنظيم إرهابي يعمل تحت راية القاعدة وطالبان.
يكشف الطرح الذي تناولته السطور السابقة، خطأ من يتصور أن النظام التركي يمكن أن يتراجع من تلقاء نفسه، أو تحت وطأة عقوبات اقتصادية توقع ضده من هنا أو هناك، إذ إن الأمر يستدعي مواجهة حاسمة، للخطط التركية، على الصعيد الدولي، بحيث يمكن تفكيك الخطط الرامية إلى نشر الإرهاب في ربوع العالم، وجمع خيوط السيطرة عليه في يد القابعين في أنقرة، بشكل يهدد الأمن والسلم الدوليين، ولعل نظرة عن كثب لخارطة النفوذ الإرهابي الذي يدين لتركيا في جانب واحد من العالم هو قارة آسيا، تكفي لرسم صورة قاتمة عن المستقبل، في حالة بقاء أردوغان مطلق اليد، يدير ملف الإرهاب بحسب هواه.