سقوط أردوغان.. وضياع حلم «العثمانيين» الجدد! «4»
وصل أردوغان وحزبه «العدالة والتنمية» لسُدة الحكم فى تركيا من بوابتيْن أساسيتيْن: البوابة الأولى هى بوابة «إسطنبول» العاصمة الثانية للبلاد التى وصل إليها أردوغان ضمن انتخابات البلديات والتى فاز فيها أعضاء حزب «العدالة والتنمية»، وقدموا من خلالها الخدمات للمواطن التركى الذى آمن بمقدرة هذا الحزب على التغيير والإصلاح، وكان فوز أردوغان ببلدية «إسطنبول» مؤشرًا على أن هذا الرجل هو الحاكم القادم لتركيا، وأن حزبه سيكون الحزب الحاكم لها فى غضون سنوات قليلة.
والبوابة الثانية التى دخل منها أردوغان وحزبه لحكم تركيا هى بوابة الاقتصاد من خلال جذب رءوس الأموال الأجنبية للاستثمار فى تركيا، وزيادة نسبة التصنيع، وارتفاع قيمة الليرة التركية بشكلٍ غير مسبوق، بما وضع تركيا ضمن أكبر عشر اقتصادات فى العالم.
وعلاوة على هاتيْن البوابتيْن، حرص أردوغان أن يفتح البوابتيْن الأمريكية والأوروبية على مصراعيْهما من خلال علاقاتٍ متميزة مع الولايات المتحدة وحلف الأطلسى وتقديم نفسه للولايات المتحدة على أنه الوحيد القادر على ممارسة دور إسرائيل فى السيطرة على العالم العربى وإخضاعه عبر استنهاض قوى الإسلام السياسى فيه، وتسويق وهم الخلافة المزعومة لهم، ومن خلال مغازلة الاتحاد الأوروبى للانضمام إلى عضويته.
وفى ظل نشوة الانتصار فى تأسيس هذه البوابات الأربع، التى نفذ من خلالها أردوغان وحزبه إلى حكم تركيا، نسى أو تناسى أردوغان عَلْمَانية الدولة التركية التى أسسها مصطفى كمال أتاتورك، فقد حاول أردوغان وحزبه رويدًا رويدًا نزع الهُوية العَلْمَانية للدولة من خلال التأسيس لدولة ذات صبغة إخوانية تكون مقرًا للتنظيم الدولى للإخوان، ويسيطر فيها حزبه الإخوانى على مفاصل الدولة من خلال مواجهة فصيل دينى آخر (جولن وأتباعه) فى انقلاب عسكرى بائس أذل فيه الجيش التركى ليخرجه من معادلة السياسة، وقام بتعديل الدستور الذى جاء بمقتضاه ليصبح رئيسًا لوزراء تركيا، ليحول بموجب هذه التعديلات تركيا من دولة برلمانية إلى دولة رئاسية ليصبح دكتاتورًا يحكم تركيا للأبد، كما أنه أخرج الجيش التركى عن دوره المنوط به بحماية عَلْمَانية الدولة.
والأدهى من ذلك كله أنه استضاف آلافًا من أعضاء جماعة «الإخوان» الإرهابية بعد ثورة 30 يونيو 2013، واستضاف قنوات إعلام «الإخوان» مثل قناتيْ «الشرق» و«مكملين»، وقامت تركيا بتوفير الوظائف والإعانات لأعضاء جماعة «الإخوان»، كما أغدقت المخابرات التركية مئات الملايين من الليرات التركية على الإعلام الإخوانى الذى يستهدف مصر ليلَ نهار، وهذا كله من أموال دافع الضرائب التركي، كما كانت تركيا هى المقصد لكل مَن كان ينوى الانضمام لتنظيم «داعش» الإرهابي، وكانت «أنطاكيا» التركية هى معسكر تدريب العناصر المنضمة حديثًا للتنظيم تمهيدًا لشحنها إلى مناطق القتال فى سوريا والعراق، وفى المقابل كانت تركيا تحصل على البترول من «داعش» بأبخس الأثمان.
واليومَ تُنبئ الأحداث جميعها أن سقوط أردوغان قادمٌ لا محالة فى ظل أن كل أعمدة حكمه والبوابات التى نفذ منها للوصول إليه آخذةً فى التداعى والسقوط.. فمدينة «إسطنبول» التى حكمها أردوغان، ووصل من خلالها إلى حكم تركيا فقدها مرشح حزبه لصالح مرشح المعارضة، ورغم إعادة الانتخابات مرةً أخرى بدعوى حزب «العدالة والتنمية» ببطلانها، إلا أن النتيجة جاءت مدوية للمرة الثانية؛ حيث فاز بها مرشح المعارضة وبفارق أكبر من المرة الأولى، ليلقن الشعب التركى درسًا قاسيًا لأردوغان وحزبه اللذيْن لم يصبحا صالحيْن لحكم البلاد، وفى أى استحقاقات انتخابية قادمة ستكون فضيحة أردوغان مدوية لا محالة.
ولا شك أيضًا أن الأداء الاقتصادى فى ظل تخبط السياسة الخارجية التركية وخلق العداوات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى ومصر ودول شرق المتوسط وهروب الاستثمارات والأموال الساخنة من تركيا، جعل الليرة التركية تهبط خلال العامين الماضييْن بنسبة 30%، كما هبطت الليرة مرةً أخرى فيما مضى من عام 2019 بنسبة 15% أخرى، ولا يزال أردوغان يتخبط بإقالة رئيس البنك المركزى التركي، ويعبث بالسياسة المالية دون فائدة، وهو ما حول حياة المواطن التركى إلى جحيم، يتجاهل أردوغان وحزبه الحديث عنه.
إن الشارع التركى يغلى تحت وطأة الأوضاع الاقتصادية المتردية ومن مزاحمة «الإخوان» لهم فى بلادهم، ومن استهداف أردوغان لضباط الجيش التركى واعتقال بعضهم بين الحين والحين، رغم ما للجيش التركى من دور بارز فى تأسيس الإمبراطورية التركية على مر الزمان، ورغم ما لهذا الجيش من مكانة فى نفوس الأتراك، علاوة على معارضة الجيش والشعب فى آنٍ واحد من تفريغ تركيا من روحها العَلمانية التى ارتضاها لها الزعيم التركى كمال أتاتورك، وبدلًا من ذلك يحرص أردوغان على أن يرفع الأذان ويتلو القرآن فى استعراضٍ غير مسبوق لمخاطبة عواطف الناس، بدلًا من أن يقدم لهم الوظائف والحياة الكريمة، ويجعل علاقته بربه مسألة خاصة به لا علاقة للناس أو أمور الحكم بها، كما حرصت زوجته على ارتداء حجاب رغم أن ثمة تقارير تذكر أرقامًا مفزعة للأزياء والاكسسوارات التى ترتديها زوجة الخليفة «المزعوم»، الذى كان من واجبه هو وزوجته وأسرته التى تحكم تركيا التقشف فى ظل ما يعانيه المواطن التركي.
إن آخر التقارير الواردة من تركيا، تقول إن النظام الحاكم وصل إلى نهاية الطريق المسدود؛ حيث بدأ فى بيع بعض القصور التاريخية لتوفير سيولة من العملات الأجنبية فى الخزانة التركية، كما أنه بيعت فى الآونة الأخيرة 100 من إجمالى 500 فيلا فاخرة للأجانب تطل على مضيق البسفور، فى الوقت الذى أصبحت تركيا مطالبة فيه فى خلال العام الحالى بسداد 120 مليار دولار ديونًا خارجية، هو ما يهدد البلاد بإعلان إفلاسها، وهو ما ألجأ أردوغان إلى صديقه تميم بن حمد أمير قطر لإقالته من عثرته، ولكن ليس المسئول أفضل حالًا من السائل.
إن سقوط أردوغان وضياع حُلم «العثمانيين» الجدد أصبح على مرمى حجر بعد أن تداعى حكمه، وانهار اقتصاده، وتدنت قيمة عملته، وتفاقمت ديونه، وانفض عنه حلفاؤه، وإن غدًا لناظره قريب، وليعلمَ الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون.