البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

قبل تعديل الدستور..!


الحديث عن إدخال تعديلات على عدة مواد دستورية بات متداولًا فى العلن، بعد أن كان قاصرًا على الغرف المغلقة، وشيئًا فشيئًا بدأ هذا الحديث يخرج إلى السطح بملامح واضحة حول المواد المعنية بالتعديل عبر بعض الصحف، فيما يمكن اعتباره تمهيدًا لخطوة عملية من المنتظر الشروع فيها خلال الدورة البرلمانية الحالية.
نعم هناك بعض المواد التى قد تحتاج إلى تعديل أو ربما تغيير كلي، لاسيما تلك المتعلقة بصلاحيات رئيس الجمهورية، والتى حولت النظام السياسى المصرى من رئاسى إلى برلمانى رئاسي، فقد أثبتت التجربة العملية أنه من الصعوبة بمكان إحداث تغيير جذرى على هذا النحو المفاجئ فى النظام السياسى لأقدم دولة عرفها التاريخ.
ونعم تحتاج المادة 140 الخاصة بتحديد الفترة الرئاسية بأربع سنوات إلى تعديل يمد تلك الفترة إلى ست سنوات، ليس فقط أسوة بتجارب بعض الدول المتقدمة، أو لضيق المدى الزمنى المحدد للفترة الرئاسية، ولكن أيضا لأن ضرورات الواقع المصرى قد تتطلب بقاء الرئيس عبدالفتاح السيسى فى منصبه لمدتين أخريين، حتى يتم المشروع الذى بدأه.
أعلم أن كثيرين سيعتبرون هذا الكلام تطبيلًا وتهليلًا بلغة الإخوان، لكن تمهل عزيزى القارئ المسألة وبشكل موضوعى ليس لها صلة بحب أو كراهية، أو حتى نفاق، بل وليس لها علاقة باحتفاء موضوعى أو منحاز بإنجازات الرئيس السيسي، ولكن الأمر يتعلق بمشروع بناء شرع الرئيس فى تنفيذه، وهذا المشروع بكل مفرداته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يصطدم بثقافة وأفكار تسيطر على كل من المجتمع، والمؤسسات والأجهزة التنفيذية منذ ما يقرب من ستة عقود.
هذه الثقافة بأمراضها هى التى تسيطر على الجهاز الإدارى للدولة، وهى التى يعمل الرئيس فى ظل هيمنتها لإنفاذ مشروعه وهذا ما يفسر اتخاذ الرئيس المؤسسة العسكرية ذراعا فى معظم المشروعات حتى يضمن عملًا جادًا ملتزمًا بمعايير الإنجاز الحقيقية، وهذا ما يفسر أيضًا تدخل الرئيس بالتوجيه والتنبيه فى أدق التفاصيل البديهية التى كان على هذا المسئول أو ذاك الانتباه إليها من تلقاء نفسه.
بمقولة أخرى نفتقد فى مصر العمل المؤسسى ولا أريد أن أقول المؤسسات المنضبطة المحترفة نتيجة سياسات ونظم إدارة سيطرت منذ خمسينيات القرن الماضى، ولم يطرأ عليها أى تطوير، ولا يمكن الثقة فى أن هذه المؤسسات ستكون قادرة وحدها على إنجاز ما سيتبقى من مشروع السيسى فى أغلب المجالات ذلك أنها نفسها جزء من مشروعه التحديثى لإعادة بناء الوطن والذى ينبغى أن يأخذ الوقت الكافى لإنجازه.
ومع ذلك وإذا كنت واحدا ممن يؤيدون مد الفترة الرئاسية لتكون ست سنوات مع الاحتفاظ بما نص عليه الدستور الحالى بشأن ترشح الرئيس لمدتين متتاليتين فقط، لكننى أعتقد أن الإقدام على هذه الخطوة منفردة دون اتخاذ خطوات أخرى من أجل تحقيق تنمية سياسية سنكون كمن يحفر حفرة لنفسه، ذلك أن الرئيس ليس بوسعه إطلاقا استكمال مشروعه التنموى والتنويرى بدون أن يكون للدولة ظهيرًا سياسيًا، يتمثل فى أحزاب سياسية قوية بعضها مؤيد لمشروع الرئيس وبرنامجه وبعضها الآخر معارض له.
فغياب البديهيات عن أداء أغلب مؤسسات الدولة وأجهزتها التنفيذية لا يعوضه طبقا للوضع الراهن إلا وجود أحزاب وكيانات سياسية تتمتع بحرية ووعى يمكناها من تصحيح أداء الحكومة أثناء تنفيذها البرنامج الرئاسي.
ويستوى فى هذا الشأن دور الأحزاب المؤيدة مع المعارضة، فحتى لو كان الحزب داعمًا ومؤيدًا لمشروع الرئيس فإن ما تتخذه الحكومة من خطوات وقرارات ليست منزهة عن الخطأ وعليه كحزب حريص على إتمام هذا المشروع أو البرنامج على الوجه الأكمل اتخاذ مواقف سياسية من شأنها الضغط على الحكومة لإصلاح خطأ هنا أو هناك يرى أنه قد يعرقل خطوات تنفيذ برنامج الرئيس.
وإذا كان الحزب معارضًا لبرنامج الرئيس، جملة وتفصيلًا فإن ما يتخذه من مواقف تجاه سياساته، وأسلوب عمل الحكومة لابد سيساعد هذه الأخيرة على تدارك أخطاءها وإصلاح ذاتها واتخاذ ما يلزم لتصحيح مساراتها حتى تثبت صلاحية وقوة المشروع الذى تتبناه.
ليس من صالح هذا البلد أن نخطو خطوة واحدة نحو تعديل دستورى من شأنه مد فترة الولاية الرئاسية بينما تحول أغلب أحزابه إلى ما يشبه جمعيات رعاية الأيتام والفقراء والمرضى وجمع التبرعات ومتابعة سريعة لما تنشره الصحف من أخبار الأحزاب تكشف أن أغلبها إن لم يكن جميعها تتحدث عن نشاطات خدمية مثل تنظيم قوافل طبية، أو توزيع كراتين الطعام على الفقراء أو أجهزة كهربائية على الراغبين فى الزواج، ومن النادر أن تجد بيانًا سياسيًا رزينًا ينتقد قرارًا أو إجراءً حكوميًا يتعارض مع خطة تنفيذ برنامج الرئيس وكأن الحكومة منزهة عن الخطأ، وكأن وزراءها معصومون عصمة الأنبياء.
بل إنك لا تجد بيانًا واحدًا من الأحزاب المؤيدة يشد من أزر الحكومة فيما تواجه من انتقادات، وقد تخلت هذه الأحزاب عن الرئيس فى معركة تجديد الخطاب الدينى فلا يوجد بيان سياسي وفكري واحد لأى من تلك الأحزب حول هذه القضية.
على الضفة الأخرى لاتزال الأحزاب التى تصف نفسها بالمعارضة تتبنى خطابًا مراهقًا يتجاوز الدستور والقانون مظلة الدولة ونظامها السياسى وتكمن خطورة هذا الواقع الأليم فى إعطاء انطباع عام أنه لا وجود فى أفق العمل السياسى سوى لمسارين الأول التأييد المطلق الذى يصل إلى حد الخضوع والتسليم، والثانى التغيير من خلال التحريض وخطاب العنف، أو ممارسته عمليا.
وشخصيًا لا أدرى لماذا لم تتكتل الأحزاب خاصة صاحبة شعارات العدالة الاجتماعية والتوجه الاشتراكى لتدعم حكومة رئيس الوزراء السابق شريف اسماعيل عندما شرع فى اتخاذ خطوة نحو سن تشريع لتحديد هامش الربح.
أكرر دعوة سبقنى إليها الكثيرون من كبار الكتاب والسياسيين، على الدولة أن تتحرك بمبادرة ولتكن رئاسية لعقد حوار مع جميع الأحزاب ولو فى اجتماعات مغلقة تسودها الشفافية والوضوح حتى تعرف الأحزاب المؤيدة قبل المعارضة أن هناك مساحة كبيرة من حرية الحركة والتعبير تتيح لها فرصة التواجد بآليات وبرامج سياسية تمكنها من كسب شعبية حقيقية فى الشارع ولعب دور مؤثر فى أداء الحكومة وأجهزتها التنفيذية، وحتى تدرك أحزاب المعارضة أنها ملزمة بالعمل فى إطار الدستور والقانون وما يضمنه من حريات، ومن ثم عليها التخلى عن خطابها المراهق الداعى للثورة الدائمة، والعمل على إصلاح النظام تحت مظلته الدستورية والقانونية.
بناء حياة سياسية سليمة وأحزاب قوية هو الضامن الوحيد للحفاظ على مكتسبات ثورة الثلاثين من يونيو.