ابن العاق.. كيد رجال
هكذا يفعلونها.. فى عام 2005 اتخذت وزارة التضامن الاجتماعى قرارًا حكيمًا بتدشين خط نجدة الطفل أسوة بالدول المتقدمة، فى محاولة منها لحماية الأطفال وصون كرامتهم، وتوفير مناخ اجتماعى سليم لهم، ولكن لم تضع الوزارة فى حسبانها في ذلك الوقت أن تلك الفكرة النبيلة قد تتحول إلى عصا غليظة فى يد بعض ضعاف النفوس من الآباء، الذين لا يلزمهم أكثر من مكالمة تليفونية لن تتعدى تكلفتها الخمسين قرشًا ليستطيع أن يؤرق أسرة صغيرة بل ويزعزع استقرارها، مستخدما فكرة نبيلة فى نشأتها لخدمة غرض قبيح في نفسه، لإلقاء وابلًا من الاتهامات التى لا تنتهى على الحاضنة بدءًا من تعذيب الأطفال وصولا إلى تلويث فكرهم تجاه الأب ومعاداته مرورًا بكثير من الاتهامات الأخرى، لتجد الأم نفسها منتهكة الخصوصية على الدوام فهناك من يقف على بابها بدون سابق إنذار ليقتحم منزلها باحثًا عن "المعنفين" الصغار بل قد تجد أن حياتها صارت مشاعًا بين الجيران الذين يضطر مندوبو خط نجدة الطفل اللجوء إليهم بحثًا عن أى معلومة سواء لتنفى التهمة عن الأم أو تثبتها.
بعض النساء لا يمتلكن الثبات الانفعالى لتجاوز تلك اللحظات التي يشعرن فيها بالاتهام، لكن كثيرا منهن أصبحن كما يقول المثل "كثرة البكاء تعلم النواح" وكأن صراعاتها مع الأب المزعوم قد علمتها رباطة الجأش وقوة الأعصاب، واعتبار كل موقف ما هو إلا حلقة فى سلسلة صراع تستهدف استنزافها عصبيا حتى تخور قواها.
أما عن المعنفين الصغار فهؤلاء حالهم أكثر شفقة، فهذا الصغير يجد نفسه مضطرًا أن يروي أدق تفاصيل حياته إلى شخص لم يره من قبل يدفعه للإجابة على الكثير من الأسئلة التي ربما لم يستوعبها عقله الصغير، والأسوء من ذلك هو شعوره بأن كل إجاباته محفوفة بالمخاطر، فربما لفظ صغير منه يحول مجريات حياته ككل، ليصبح طرفًا فى معركة لا ناقة له فيها ولا جمل إلا إنه ابن لشخصين كلاهما يجري دمه فى عروقه، أحدهما تخلى عن دوره فى تربيته بل وشرع لاستخدامه سلاحًا لتنغيص حياة الآخر، ليتحول من شخص سليم إلى مرتع للأمراض النفسية التى سيدفع المجتمع ثمنها غاليًا..
وهنا يتجلى الخلل الحقيقى فى منظومة النجدة فربما حمت الطفل فى "مكالمة تليفون" لكنها لم تستطع توفير أي آلية للتصدي للبلاغات الكيدية ورد كرامة الأم بعد الاتهام "الزور" مكتفيًا بكتابة تقرير عن كيدية البلاغ دون تحميل المبلغ أدنى مسئولية قانونية، مما يفتح الباب على مصراعيه لذلك النوع من البلاغات، وهنا تبرز ضرورة وضع ضوابط فى التعامل مع البلاغات المقدمة، فربما يكون من المناسب معاملتها معاملة البلاغ الكاذب حال ثبوت كيديتها، وكذلك التنسيق مع وزارة الداخلية والعدل لوضع الإطار القانوني المناسب للتعامل مع المبلغ الذى يتعامل مع الأمر من باب كيد النساء دون أن يضع فى حسبانه تأثير ذلك على حياة الأطفال والأم، ربما تكون المحاسبة القانونية رادعًا لكثير من ضعاف النفوس الذين هم بالفعل بحاجة إلى العلاج النفسي وإعادة التأهيل، الذين تناسوا قول الرسول الكريم" كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يعول".
أما مندوبو خطة النجدة كثيرًا ما يكونوا أكثر رحمة على هؤلاء الصغار من الأب المزعوم فيحاولون مرارًا نقل الطمأنينة إلى قلب الصغير لكن دون جدوى؛ فهم أصبحوا يشكلون له دائرة خطر، لذا يبدو أن الوقت قد حان لتحقيق الهدف الحقيقي لخط نجدة الطفل، وألا يستخدم نكاية فى الأم، بل يسعى لتوفير مظلة لحماية الأطفال فى جميع الظروف التى قد يتعرضون فيها للخطر وإعادة تأهيلهم للاندماج فى المجتمع من خلال منهج حقوق الطفل والتواصل مع المجتمع بأيسر السبل، بل أن يمتد عمله إلى عقد جلسات تأهيل نفسى أيضا لأطفال الشقاق، وجلسات إرشاد علاجي تحت إشراف خبير نفسي متخصص لتكون تلك الجلسات بمثابة مرآة للأسرة تعكس شكل العلاقات بين أطرافها حتى يتم رؤية كل منهم لسلوكه وإعادة تقويمه، ومن خلال تلك الجلسات يستطيع الخبراء النفسيون التابعون لنجدة الطفل تقييم حياة الصغير دون اللجوء للأسئلة المباشرة التي كثيرًا ما تضع الطفل فى مأزق نفسى.