البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

الإبداع بعد الخمسين.. جائزة بريطانية تمنح لأعضاء نادي العقد الخامس

السير كريستوفر بلاند
السير كريستوفر بلاند

عند بلوغ سن معينة يعتزل لاعب كرة القدم، ويودع الملاعب مهما كانت موهبته، ويعتزل الفن العديد من الفنانين الذين ظهرت عليهم أعراض كبر السن، لكن ماذا عن المبدعين من الأدباء والكُتاب؟ هل هناك علاقة بين التقدم فى العمر والإبداع؟ وهل يتوقف الإبداع عندما يتقدم المبدع فى العمر أم يتألق هذا الإبداع أكثر؟
تشهد بريطانيا فى نهاية العام الجارى، رصد جائزة للمبدعين لأول عمل بعد تجاوز سن الـ٥٠ عامًا، ومع الجائزة الجديدة فى الكتابة، وتحمل اسم «كريستوفر بلاند»، والتى ترأس لجنتها الكاتبة جيليان سلوفو التى تمنح لأول عمل إبداعي يكتبه صاحبه بعد أن تجاوز من العمر الـ٥٠ عامًا، وتتردد الآن عبارات طريفة ودالة مثل: «مبدعون لأول مرة فوق الـ٦٠، وأحيانًا الـ٧٠ عامًا أن لم يكن أكثر، وتبلغ قيمتها عشرة آلاف جنيه إسترليني.
حيث دشنت الجائزة عائلة السير كريستوفر بلاند الذى ولد فى عام ١٩٣٧، وهو أحد كبار رجال الأعمال ومن أقطاب صناعة الصحافة والإعلام فيما عرف كأحد محبى الأدب والفنون، وقد أصدر قصتين بعد أن تجاوز من العمر الـ٧٠ عامًا.
وتلقت سلوفو بعضًا من أسماء الكتاب والمبدعين، الذين تخطوا الخمسين عامًا، مثل الكاتب الإنجليزى دانييل ديفو وأول إبداعاته الروائية بعد بلوغه الـ٦٠ عامًا، والكاتب الأمريكى رايموند تشاندلر الذى كتب قصته الأولى، وهو يناهز من العمر ٥١ عامًا ومواطنته الكاتبة لورا إينجلز، صاحبة «سلسلة بيوت صغيرة» والتى قضت فى عام ١٩٥٧، فيما بدأت الكتابة فى هذه السلسلة التى حققت لها الشهرة، وهى فى سن الـ٦٥ عامًا، والكثير والعديد.
وكان الأدباء والكتاب المصريون قد أشادوا بأهمية تلك الجائزة التى تمنح بعد الخمسين عامًا، مرددين جميعهم أن الإبداع لا سن تحكمه ولا يتوقف عند مرور العمر.
يقول وزير الثقافة الأسبق الدكتور جابر عصفور، إن الإبداع متاح لجميع الأعمار ولا يحكمه زمن ولا سن حتى لو كان الكاتب يكتب لأول مرة بعد أن بلغ من العمر ٥٠ عامًا أو الـ٦٠، والإبداع فى الحياة لا يقتصر أبدًا على الكتابة، وإنما يشمل كل أوجه الحياة، فلدينا فنانون تقدموا ونهضوا وبرزت أعمالهم بعد تخطيهم الخمسين مثل الفنان حسن حسنى الذى قدم على مدار تاريخه الفنى العديد من الإبداعات والإنجازات التى لا يقدمها العديد من شباب الجيل الحالى، وأيضًا الفنان العظيم الذى أسعد برؤيته سيد رجب بطل العمل الدرامى أبوالعروسة، وأيضًا لا نغفل الفنان بيومى فؤاد الذى كان يعمل موظفًا فى وزارة الثقافة ببيت الفنون التشكيلية، فليتقدم كل مبدع أيًا كان عمره متوجًا بحلمه وعمله فى كل أوجه الحياة،
بينما تحدث الدكتور صلاح فضل، قائلًا: أعتقد أن هذه الجائزة تعد بادرة ذكية تشير إلى أهمية سعى الإنسان دائمًا ليكتشف مواهبه ويخرج طاقته فى كل الأعمار، دون أن يكون لذلك سقف زمني محدد، فقد أصبح من المسلم به الآن طبقًا للدراسات النفسية وبحوث الذكاء الاصطناعى أن فى كل واحد منا نواة مبدع انتهز الفرصة كى تنبثق وتتفتح وتبث عطرها مجسدًا فى عمل أدبى، لكن الظروف المحيطة بنا وإحداث الحياة التى نعانيها ونجربها قد تؤدى إلى طمر هذه النواة ودفنها وعدم اتاحة الفرصة لها أو على العكس لذلك، ويؤدى ذلك إلى تفتحها فى أى سن تمر بها هذا الإنسان.
وأضاف أنه بملاحظة الواقع الإبداعى لدينا فى مصر على الأقل فقد شهدت شخصيًا حالات كثيرة تفتحت فيها وردة الفن وطاقة الإبداع لدى كثير من الكتاب بعد سن الخمسين، فمنهم من استجاب لذلك بعد تردد وتجرأ وكتب عمله الأول، ونال به شغف القراء وتقدير النقاد، ومنهم من لم تؤته الثقة والشجاعة ليفعل ذلك، ولذلك اضرب أقرب الأمثال إلى هذا النموذج، وهو مبدع من الطراز الأول يعمل أستاذًا فى كلية الطب متمتعًا بقدر عظيم من الثقافة والخبرة العلمية والوعى بالحياة والمشاركة بأحداثها، لكنه لم يجرب عملًا إبداعيًا أول إلا بعد تخطيه الخمسين ونشر أولى رواياته، بعنوان الكتابة بالمشرط فقرأتها وبهرت بها وكتبت عنها بتقدير عظيم ولم يلبث أن بعد عامين نشر عمله الثانى بعنوان الزوجة المكسيكية ليقدم عملًا يضىء جزءًا من تاريخ العمل الأدبى عندما تسلط الضوء على يوسف إدريس، وعندما تزوج زوجة مكسيكية، وعاش معها فى القاهرة، فهذا الفنان الجميل صاحب الروايتين هو الدكتور إيمان يحيى، ولو أتيحت لى الفرصة لأكون عضوًا بلجنة التحكيم لمنحته جائزة رائد الفن بعد الخمسين.
يذكر أن الدكتور عمرو شعراوى، رئيس المصرى للجامعة الأمريكية، كتب رواية طوكار مائة ألف قمر، وكان ذلك بعد مرور خمسين عامًا.
بينما قال الكاتب حجاج أدول أن الأدباء والمبدعين عمومًا لديهم الإبداع لكنهم منشغلون بأعباء الحياة وهمومها والبحث عن الالتزام فى الوظيفة الحكومية آملين فى الوصول إلى المناصب العالية، وبالتالى ارتفاع قيمة المرتبات لأن الإبداع لا يطعم ولا يسمن، لكنهم عند بلوغ سن التقاعد يشعر معظمهم بالتحرر من قيود العمل الوظيفى وينشغل بالإبداع والقراءة، وهنا نجد مبدعين لا أحد يعلم عنهم شيئًا من قبل، لأن الإنسان بعد الستين يعود للحياة مجددًا، ويبدأ بفعل ما كان لا يستطيع القيام به من قبل.
فيما قام حمدى الكنيسى بتوضيح فكرة الإبداع الذى يعد من أهم المهارات التى يكتشفها الإنسان بعد التخلى عن مهامه الوظيفية، وأنه يكتشف فى نفسه ما لم أحد يكتشفه من قبل، قائلًا: كثيرون هم الذين عاشوا عدة حيوات داخل عمر واحد، رغم الاعتقادات المغلوطة السائدة عن مرحلة الشيخوخة، فإن أصحاب القلوب الشابة والصدور المتسعة تجاهلوها، واستمروا فى صنع بدايات جديدة لحياة أجمل ما بعد الخمسين، ولعل الأقوال الشائعة فى هذا الصدد أن سعادة التقدم فى العمر هى فى رؤية الأبناء يكبرون، والأحفاد يولدون، ورغم صحتها فضل بعضهم صنع سعادته الخاصة غير المرتبطة بامتداده العائلى، فكان الإبداع حليفهم، ويرى الكنيسى أن الهدوء الذى يتسم به العمر فى العقد الخامس يسمح للإنسان بأن يتوج إنجازاته الإبداعية المدفونة.