البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

حرب باردة بين ترامب وبوتين للتحالف مع "طالبان"

ترامب
ترامب

أمريكا تصر على استمرار نفوذها فى أفغانستان.. وروسيا تسعى لإنهاك حلف الناتو كابول ورقة رابحة فى يد روسيا والصين لإجبار واشنطن على التراجع عن الانسحاب من «الصواريخ النووية متوسطة المدى» موسكو لا تستبعد طرح انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان أثناء لقاء المبعوث الأمريكى فى ديسمبر..

لم تسفر الاجتماعات التى عقدت فى موسكو والدوحة فى الأيام الأخيرة حول أفغانستان، عن شيء، سوى تقوية شوكة المتشددين، وتشجيعهم على طرح شروط تعجيزية، وصلت حد المطالبة بتشكيل حكومة جديدة، والإطاحة بالسلطة الحالية فى البلاد.
ورغم أن الظاهر على السطح هو سعى كل من أمريكا وروسيا لإحلال السلام فى أفغانستان، إلا أن دخولهما سويًا على خط الأزمة هناك، وقيامهما فى آن واحد بالتفاوض مع حركة طالبان، هو أقوى دليل على وجود أهداف خفية لهما، فى ضوء تعارض مصالحهما هناك بشدة، إذ تصر أمريكا على استمرار نفوذها فى أفغانستان، حتى وإن سحبت قواتها المتبقية هناك، فيما تسعى روسيا لإنهاك حلف الناتو فى هذه الدولة الآسيوية وضمان هزيمته هناك، ردًا على توسع الحلف فى دول أوروبا الشرقية على حدودها، وتهديده أمنها القومي.
ويبدو أن سباق موسكو وواشنطن على كسب ود طالبان غير بعيد أيضًا عن الحرب الكلامية المتصاعدة بين البلدين، على خلفية إعلان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى ٢٠ أكتوبر الماضى أنه سينسحب من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة وقصيرة المدى، الموقعة مع موسكو، إبان فترة الحرب الباردة، ما قد يؤدى إلى سباق تسلح جديد بينهما لتطوير وإنتاج الأسلحة النووية، والتأثير سلبًا على الاستقرار العالمي، خاصة فى آسيا.
وكان ترامب قال إن روسيا لم تلتزم بالمعاهدة، ولذلك سينسحب منها، فيما أعلن مصدر فى وزارة الخارجية الروسية لوكالة «ريا نوفوستي»، أن الولايات المتحدة «تحلم» بأن تكون هى القوة الوحيدة المهيمنة على العالم بتهديدها بالانسحاب من المعاهدة، التى وقعها الرئيس الأمريكى الأسبق رونالد ريجان، مع الزعيم السوفيتى الراحل ميخائيل جورباتشوف فى ديسمبر عام ١٩٨٧، ونصت على التخلص من الصواريخ التقليدية والنووية، التى يتراوح مداها بين ٥٠٠ و٥ آلاف كيلو متر.
وكشفت مجلة «ناشيونال إنترست» الأمريكية فى ٢٣ أكتوبر الماضي، أن انسحاب واشنطن المحتمل من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة وقصيرة المدى، سيشكل كابوسًا للصين، لأنه سيمكن الجيش الأمريكى من منافسة الصين فى بناء قدرات صاروخية، كانت محظورة، وفقًا للمعاهدة.
وأضافت المجلة أنه رغم إدعاء ترامب انتهاك موسكو للمعاهدة، إلا أن الهدف الحقيقى وراء تهديد واشنطن بالانسحاب من هذه الاتفاقية هو الدخول فى حقبة جديدة من المنافسة الاستراتيجية مع الصين فى مياه المحيط الهادئ فى جنوب شرق آسيا، فيما قال كريستوفر جونسون، عميل وكالة الاستخبارات الأمريكية «سى آى إيه» السابق، إن امتلاك قدرات عسكرية تمكن أمريكا من الوصول إلى قلب الأراضى الصينية يمثل أهمية كبيرة بالنسبة للجيش الأمريكى فى حال حدوث أى مواجهة فى المستقبل مع الجيش الصيني».
وأضاف «إذا لم تمتلك أمريكا القدرة على ضرب قواعد الصواريخ المضادة للسفن، الموجودة داخل الأراضى الصينية، ستقتصر قدراتها العسكرية فى مياه المحيط الهادئ فى جنوب شرق آسيا على قواعدها الموجودة فى اليابان، وسيكون إرسال سفنها الحربية إلى المياه القريبة من سواحل الصين مخاطرة غير مقبولة.
وبالنظر إلى أن أفغانستان، التى تقع فى وسط وجنوب آسيا، لها حدود مشتركة مع كل من الصين وباكستان وإيران وتركمانستان وأوزبكستان وطاجيكستان، فإنها تبدو ورقة رابحة فى يد كل من روسيا والصين لإجبار واشنطن على التراجع عن قرار الانسحاب من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة وقصيرة المدى، التى كانت وضعت حدًا لأزمة اندلعت فى الثمانينيات بين واشنطن وموسكو بسبب نشر الاتحاد السوفيتى السابق صواريخ «إس إس ٢٠» النووية، التى كانت تستهدف حينها عواصم أوروبا الغربية، وأجبرت المعاهدة الطرفين على التخلص من أكثر من ٢٦٠٠ صاروخًا نوويًا تقليديًا، من الأنواع القصيرة ومتوسطة المدى، التى كانت تهدد كل دول القارة الأوروبية، سواء التى كانت تدور فى فلك واشنطن أو موسكو إبان الحرب الباردة.
ولعل التصريحات التى أدلى بها المتحدث باسم الكرملين ديمترى بيسكوف فى ٢٠ نوفمبر الجاري، ترجح أيضًا أن أفغانستان أحد الخيارات أمام موسكو للرد على تهديد الولايات المتحدة بالانسحاب من معاهدة الحد من الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى.
ونقلت وكالة «سبوتنيك» الروسية عن بيسكوف، قوله، إن «الانسحاب من معاهدة الحد من الصواريخ المتوسطة وقصيرة المدى سيؤدى إلى حدوث انتهاك للتوازن الاستراتيجى، ولذلك سوف تكون روسيا مضطرة لاتخاذ إجراءات من أجل استعادة هذا التوازن، واحترام مصالح روسيا»، مؤكدًا أن الرد الروسى على انسحاب واشنطن من هذه المعاهدة سيكون حتميًا.
وجاءت تصريحات بيسكوف بعد استضافة موسكو فى ٩ نوفمبر الجارى اجتماعًا بين ممثلين عن حركة طالبان والمجلس الأعلى للسلام فى أفغانستان، وهو مؤسسة غير حكومية، لكن قيادته يتم تعيينها من قبل السلطات الأفغانية.
وقال زامير كابولوف، المبعوث الروسى الخاص لشئون أفغانستان، فى تصريحات نشرتها «سبوتنيك» فى ١٢ نوفمبر الجاري، إن اجتماع موسكو بحث فكرة خارطة طريق حول أفغانستان، وأكد كابولوف أن ما يهم روسيا، التسوية فى أفغانستان وعملية إطلاقها بشكل مباشر بين حركة طالبان والحكومة، والقضاء على الإرهاب وتجارة المخدرات، قائلا إن «تنظيم داعش يمثل عدوًا مشتركًا لطالبان وحكومة كابول»، حسب تعبيره.
وأضاف كابولوف «حاولنا إقناع طالبان بقبول المفاوضات المباشرة مع الحكومة، لكن الحركة رفضت ذلك بشكل قاطع، واشترطت للتفاوض، توصل الحكومة الأفغانية إلى اتفاق مع واشنطن على جدول زمنى لسحب القوات الأمريكية من أفغانستان».
وفى محاولة واضحة للتودد لطالبان، قال كابولوف: «إن الغرب خسر حربه فى أفغانستان، وإن حركة طالبان أثبتت وجودها بشكل واضح»، وتابع «الولايات المتحدة بإمكانها إعادة النظر فى نهجها للوصول إلى تسوية بين الأطراف الأفغانية والتخلى عن إرغام حركة طالبان على السلام بالقوة».
واستطرد كابولوف، قائلا: «كان بإمكان واشنطن القيام بالكثير للبدء بحوار حقيقي، حوار سلمى هادف. لكن من أجل ذلك، يجب أن يبدأوا هم أنفسهم بالمشاركة فى حوار حقيقي، لكنهم لم يفعلوا ذلك بعد. نحن مستعدون للمساعدة، ولكن لهذا يجب أن نتأكد من أن نظراءنا الأمريكيين مستعدون للقيام بشيء على المستوى العملي، لقد هزمت استراتيجيتهم المتمثلة فى إكراه طالبان على السلام».
وكشف المبعوث الروسى أيضًا، أنه لا يستبعد طرح موسكو مسألة انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان خلال اللقاء مع المبعوث الأمريكى الخاص بأفغانستان زلماى خليل زاده، الذى سيزور روسيا فى ديسمبر المقبل، قائلا: «سنناقش كل شيء تقريبًا، نحن نعرف بعضنا البعض منذ فترة طويلة من أجل أن نكون دبلوماسيين جدًا. لقد حان الوقت لإجراء محادثة مفتوحة، وكذلك قد حان الوقت للتوقف عن الاختباء وراء اللغة الدبلوماسية».
وبالنظر إلى أن هذه المرة الأولى، التى يتحدث فيها مسئول روسى علنا عن مسألة انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، وهو نفس المطلب، الذى تصر عليه طالبان، فإن هذا يؤكد أن موسكو دخلت على خط الأزمة الأفغانية بقوة، لمساومة واشنطن فى عدة قضايا أخرى، أبرزها الأزمة السورية، ومعاهدة الحد من الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى، هذا بجانب الحفاظ على مصالح روسيا فى منطقة آسيا الوسطى، لأن لأفغانستان حدودًا مشتركة مع ثلاث دول فى هذه المنطقة هى تركمانستان وأوزبكستان وطاجيكستان، التى كانت تدور فى فلك الاتحاد السوفيتى السابق، وغنية بالنفط، وتعتبر من أولويات الأمن القومى الروسي.
هذا بالإضافة إلى اعتقاد روسيا أن دعمها لحركة طالبان لمحاربة تنظيم داعش يمنع الجماعات الإرهابية التابعة له بآسيا الوسطى مثل الحركة الإسلامية لأوزبكستان من زعزعة استقرار المنطقة، أو الانتقال بعد ذلك إلى الجمهوريات المسلمة، التى تتمتع بالحكم الذاتى داخل الاتحاد الروسي، وعلى رأسها الشيشان، كما أن دعم طالبان يساعدها أيضًا فى مراقبة الاتجار بالمخدرات، التى يتم تهريبها من أفغانستان عبر آسيا الوسطى إلى أراضيها.
ويبدو أن اجتماع موسكو الذى شاركت فيها، الصين، والهند، وإيران، وكازاخستان، وباكستان، وطاجيكستان، وتركمانستان، وأوزبكستان، أزعج واشنطن بشدة، خاصة أن الصين وإيران لهما حدود مشتركة مع أفغانستان، وتسعيان أيضا لبسط نفوذهما هناك، ولذا سارعت لعقد اجتماع مع ممثلين عن طالبان فى الدوحة، وكشفت وكالة «أسوشيتد برس» فى ١٨ نوفمبر، أن المبعوث الأمريكى الخاص للسلام فى أفغانستان، زلماى خليل زاد أجرى محادثات لثلاثة أيام مع اثنين من قادة طالبان هما: خير الله سعيد والي، ومحمد فضل.
ونقلت الوكالة عن مصادر مطلعة على محادثات الدوحة، قولها، إن الحركة قدمت طلبات جديدة للمبعوث الأمريكى من أبرزها تأجيل الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها فى أفغانستان فى ٢٠ أبريل من العام المقبل، وتشكيل حكومة مؤقتة، بدلا من الحكومة الحالية، وذلك بعد أن طلبت الحركة خلال اجتماع فى أكتوبر الماضى مع خليل زاد فى الدوحة بوضع جدول زمنى لانسحاب القوات الأمريكية وإطلاق سراح أعضاء بارزين بالحركة.
وبدورها، ذكرت «رويترز» أن المبعوث الأمريكى سعى إلى التوصل إلى تسوية فى غضون ستة أشهر قبل موعد الانتخابات الرئاسية، إلا أن الحركة اعتبرت هذه المدة غير كافية، ورفضت مقترحه بشأن إعلان وقف إطلاق النار.
ويبدو أن الأسوأ لا يزال بانتظار أفغانستان، إذ تركز واشنطن فى الوقت الراهن على التفاوض مع المتشددين لضمان مصالحها فى أفغانستان، بعد سيطرتهم على مساحة واسعة من الأراضى وعجز حكومة كابول عن مواجهتهم، وهو ما قد يؤدى إلى عواقب وخيمة، لأن تهميش حكومة كابول والرضوخ الأمريكى لمطالب المتشددين، وتودد موسكو لهم، سيشجعهم على التمادى فى مخططاتهم الهادفة للعودة للسلطة، إذ تقاتل طالبان لإعادة فرض تفسيرها المتشدد للشريعة الإسلامية بعد الإطاحة بها من الحكم عام ٢٠٠١ على إثر تدخل عسكرى دولى بقيادة الولايات المتحدة.