البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

عن إعلام الدولة..!


قبل ستة أشهر كتبت فى هذه الزاوية تحت عنوان «الصحافة فى الولاية الثانية للرئيس» عن الذين فهموا مقولة الرئيس عبدالفتاح السيسي «يا بخت عبدالناصر بإعلامه» بشكل خاطئ، واعتقدوا أن الدولة تريد ما يمكن تسميته بصحافة البيانات الرسمية، أى تلك التى تكتفى بنشر البيانات الصادرة عن الحكومة وأجهزتها التنفيذية، وأنها تكره أى نقد ولو كان موضوعيا.
وأشرت إلى أن هذا الفهم المغلوط لمقولة الرئيس أدى إلى غياب أى مناقشة موضوعية لقضايا الوطن، فى أغلب وسائل الإعلام سواء المملوكة للدولة، أو للقطاع الخاص، وصار الكل يلتزم بالبيانات الرسمية الصادرة عن الوزارات والهيئات الحكومية دون عمل متابعة صحفية.
وقد نتج عن هذه الحالة شبه تماثل للمحتوى فى معظم الإصدارات الصحفية «الورقية والإلكترونية» وكأننا أصبحنا رئيس تحرير واحد وفريق عمل واحد وسياسية تحريرية واحدة كما ذكرت فى المقال المشار إليه.
خلال الأسبوعين الماضيين بدأت حملة شبه ممنهجة، وتبدو مقصودة على الإعلام تنتقد أداءه، وممارسات بعض الإعلاميين والصحفيين الذين صنعت منهم الفضائيات نجوما قبيل أحداث يناير 2011 وما بعدها، واللافت أنها انطلقت من منصات صحف خاصة طالتها ذات العيوب التى طالت الفضائيات والصحف، والإعلاميين الذين تناولتهم بالنقد والهجوم، ولم يطرأ على سياساتها التحريرية تغيرا يحسب لها فى تقديم نموذج للصحافة الموضوعية.
لا يعنى هذا أن ما كتب بشأن عيوب الإعلام فى مصر غير صحيح ولكن عليك أن تنزع القشة التى فى عينك أولا كما يقول السيد المسيح، قبل أن توجه سهام النقد للآخرين.
فى صحيفة «روزاليوسف» نشر كاتب غامض يوقع باسم مستعار «رشدى أباظة» عدة مقالات قدم خلالها رؤية تحليلية مدعومة بالمعلومات للجرائم التى ارتكبها الإعلام فى حق الوطن، وأشار تصريحا وتلميحا لممارسات بعض الإعلاميين من نجوم الفضائيات الذين ظنوا أنفسهم بعد يناير 2011 زعماء سياسيين.
ويحسب له أن سهام نقده طالت بعض المحسوبين على النظام السياسى الحالى من رجال الإعلام والصحافة، فحتى من يسمون بشباب الإعلاميين لم ينجو من قلمه.
لكن اللافت فى كل ذلك أن أحدا لم يتطرق من قريب أو بعيد إلى إعلام الدولة، والمقصود به المؤسسات الصحفية القومية واتحاد الإذاعة والتليفزيون بكل ما يمكله من محطات وشبكة إذاعات محلية.
توجيه كل سهام النقد إلى الإعلام الخاص وصب جل الغضب عليه اعتراف صريح أن إعلام الدولة لم يعد موجودا وأنه فقد أى تأثير إلى حد يمكن القول معه إنه أصبح والعدم سواء فهو لا يذكر بالسلب ولا بالإيجاب، ولو حدث تسمع عبارات الترحم على أيام ازدهرت فيها الصحافة القومية، وعلى زمن كان فيه التليفزيون المصرى المعلم والرائد فى المنطقة.
إذا كان فى الدولة من هو غاضب من ممارسات الإعلام الخاص فنحن نوافقه الرأى ولدينا ذات الغضب، لكن عليه الانتباه إلى أن غالبية المسئولين فى أجهزة الدولة قد فهموا حديث الرئيس عن إعلام عبدالناصر ومعركة الوعى على نحو خاطئ أيضا، وأنهم يعتبرون كل نقد موضوعى أو حتى تساءل عن أمر غامض شئ من التآمر ضد الدولة، وعليه إدراك أن هذا النوع من المسئولين يفتقد الحدود الدنيا من الوعى السياسى وهو ما من شأنه أن يلحق ضررا جسيما بمصداقية الدولة.
شيوع هذا الفهم الخاطئ بين غالبية المسئولين بأجهزة الدولة حال دون وصول المعنى الحقيقى لكل ما قاله الرئيس بشأن الإعلام ومعركة الوعى، حتى إلى مجموعات شباب الصحفيين والإعلاميين الذين جمعتهم مؤتمرات ولقاءات عديدة بشخص الرئيس وكبار المسئولين، ويدلل على ذلك عدم وجود ترجمة للفهم الصحيح لأحاديث الرئيس فى الصحف والفضائيات التى يعمل بها عناصر تلك المجموعات، وأغلبهم فى مواقع قيادية لدى العديد من الصحف والفضائيات الخاصة والعامة.
والمؤكد أن هذا النوع من المسئولين الذى يفهم رسائل الرئيس على «مازورة» النظم الشمولية هو من تولى عملية اختيار وتعيين القائمين على صناعة الصحافة والإعلام فى الهيئات الإعلامية والمؤسسات الصحفية والقومية واتحاد الإذاعة والتليفزيون «ماسبيرو»، فبينما تشكو الدولة من أداء الإعلام الخاص لم نجد الإعلام القومى المدعوم أساسا من ضرائب المصريين يقدم نموذجا مختلفا وأداءا مميزا يدعم مصداقية الدولة ومؤسساتها ويدشن جسور الثقة بينها وبين المواطن.
فقد فشلت فضائيات «ماسبيرو» بكل إمكاناتها وخبراتها المتراكمة فى إنتاج برنامج واحد يجذب انتباه المصريين على الرغم من كفاءة ومهارة الأطقم الفنية من مذيعين ومعدين ومخرجين ومصورين وفنيين، وتراجع الإقبال على الإذاعات القديمة كالبرنامج العام وصوت العرب والشرق الأوسط، لتتقدم إذاعات جديدة ذات محتوى حفيف وترفيهي، وهو ما يفسر إقبال الناس على قناة «ماسبيرو زمان» للبكاء على أطلال إعلام الدولة.
الأمر نفسه يتكرر فى الصحف القومية وكبرياتها فى المقدمة وأرقام التوزيع خير شاهد على المستوى المتدنى من الأداء المهنى الذى وصلت إليه.
هذه المؤسسات ترسخ لدى غالبية العاملين بها أنهم جزء من إدارات العلاقات العامة التابعة للحكومة وأجهزتها التنفيذية، لذلك فشلت فى تقديم محتوى يعبر عن المجتمع المصرى وفق معالجة موضوعية ورزينة تفرق بين الرأى والمعلومة وتلتزم بقاعدة الرأى والرأى الآخر فى إطار الدستور والقانون وقواعد الحفاظ على النظام العام، ولو فعلت ربما كانت البداية الصحيحة لإعادة الحيوية للمجتمع، خاصة الحيوية السياسية، وقد تكون الخطوة الأولى نحو تنشيط الحياة الحزبية السليمة عندما تتيح للأحزاب الشرعية التى تؤمن بضرورة تدعيم أركان الدولة المصرية فرصة التعبير عن أفكارها ومواقفها.
تلك الخيارات المسئولة عن إدارة مؤسسات إعلام الدولة عجزت عن تقديم نموذج واحد للإدارة الناجحة للمؤسسات الصحفية والإعلامية، فلا يزال «ماسبيرو» ومعه المؤسسات الصحفية القومية تنتظر الدعم المادى من خزانة الدولة، وربما يشوب أداءها بعض الملاحظات التى تستوجب المراجعة والمحاسبة.
نحن على باب تغييرات صحفية وإعلامية كما يشاع كبيرة، فهل ينجح عقل الدولة هذه المرة فى تقديم قيادات مهنية ناضجة تحيى عظام الإعلام القومى وهى رميم ؟!