البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

مصطفى محمود يصف رحلته في الحج وزيارة قبر الرسول

الكاتب مصطفى محمود
الكاتب مصطفى محمود

أصدر الكاتب مصطفى محمود كتابا بعنوان "الطريق إلى الكعبة" تعرض لمناسك الحج بتأملات راقية في معانيها والغرض منها، وفند الآراء الفاسدة التي تقول بوثنية هذه المناسك كالطواف ورجم ابليس والإحرام وغيرها من المناسك، كما يذكر خلال الكتاب المشاعر التي انتابته أثناء زيارته للمدينة المنورة ولقبر النبي.
وصف الكاتب مصطفى محمود حاله وحال المسلمون من حوله على جبل عرفات قائلا: "اختفت الجنسيات واختفت الأزياء المميزة واختفت اللغات فالكل يلهج بلسان واحد ولكنك تسطيع أنهم يهتفون لبيك اللهم لبيك وأما بالنسبة للبقعة التى وقف فيها تواجد فيها أكثر من خمسة عشر جنسية مختلفة يتصافحون ويتبادلون التحية ويهنئ بعضهم بعضا وكأنهم عائلة واحدة في مجلس عائلي حميم، وعلى بعد خطوات كان هناك أكثر من ستين هنديا يلتفون حول مطوف هندي يرددون خلفه الدعاء العربي من كتاب يده وكل واحد منهم يشعر أنه يخاطب الله بهذه الحروف وهم طائفة من أفقر طائفة هندية جاءوا إلى مكة على الأقدام وعلى السفن الشراعية وعلى الجمال.
ويدور حوار بين الكاتب مصطفى محمود وصديقه يسأله عن السر في ثياب الإحرام وضرورة لبسها على اللحم وتحريم لبس المخيط والطواف حول الكعبة وما معنى رجم إبليس؟ ويجيبه قائلا: أنت لا تكتفى بأن تحب حبيبك حبا عذريا أفلاطونيا وإنما تريد أن تعبر عن حبك بالفعل وبالمثل من يسعى إلى الله بعقله وقلبه ويقول الله له أن هذا لا يكفى ولابد أن تسعى على قدميك والحج والطواف رمزا لهذا السعى الذي يكتمل فيه الحب شعورا وقولا وفعلا وعنا معنى التوحيد أن تتوحد جسدا وروحا بأفعالك وكلماتك ولهذا نركع ونسجد في الصلاة ولا نكتفى بخشوع القلب وهذه الوحدة بين القلب والجسد يتجلى فيها الإيمان بأصدق ما يتجلى في رجل يكتفي بالتأمل 
وتابع محمود: ثياب الإحرام البيضاء رمزا للوحدة الكبرى التي تذوب فيها الأجناس ويتساوى فيها الفقير والغني والمهراجا وأتباعه، ونلبسها على اللحم كما حدث حينما نزلنا إلى العالم في لحظة الميلاد وهي رمزا للتجرد لأن لحظة اللقاء بالله تحتاج للتجرد كل التجرد.
ويصف مصطفى محمود طوافه حول الكعبة قائلا: حينما كنا نطوف بالكعبة في زحام من ألوف مؤلفة كان صديقي يلهث مختنقا وكل ما يخطر له بالمناسبة هو تخيله لو كانت هذه الكعبة في أوروبا ببرلين مثلا ولاختلف الامر وطاف حولها الاوربيون في طوابير منظمة لا يزاحم فيها الواحد الآخر وبينما كنت انظر إلى الألوف المؤلفة الت تدور كالذرات البيضاء وأرى فيهم الملايين بلا هوية ممن حجوا وطافوا وعاشوا وماتوا كنت أرى فيهم ابي وامي وكانوا يطوفون وقد طافوا هنا منذ سنوات ومن قبلهم أجدادي فكنت انظر إلى الحشود من منظور تاريخي وفي خناق الزحام فقدت ونسيت نفسى وفقدت هويتي ولم أعد أعرف من أنا فكانت لحظة روحية شديدة التوهج فقدت فيها احساسي بذاتي وغبت عن نفسى وامتلات ادراكا بأنه لا أحد موجود حقا سوى الله.
ويضيف محمود: أحار في وصف تلك اللحظة ولا اجد الالفاظ ولا العبارات وأكتفي بأنها أعمق ما عشت من لحظات فهي أشبه بعدة ستائر متتالية تفتح متتالية بعضها من وراء البعض وتفتح ستارة لتكشف عن مسرح صغير هو الواقع الفردي بكل تفاصيله وواقع آخر خلفي هو الواقع التاريخي يبتلع الواقع الأول بما فيه ثم تفتح ستارة ثالثة في العمق البعيد تكشف عن الحقائق التي يبهت أمامها كل شئ.
وفي يوم النفير ننزل من على جبل عرفات إلى مزدلفة ننطلق في لحظة واحدة ويتم في هدوء ودون حادث واحد ودون مشاجرة وهو أمر لا تفسير له إلا أن المشاعر الدينية الفياضة تضع الناس في حالة لياقة نفسية تامة سائقين وركابا ومشاة فالكل ترفعهم مشاعرهم الدينية إلى أقصى درجة من المسئولية والصبر والتراحم والتعاون والمحبة فيحققون هذه المعجزة المرورية دون حادث واحد وهو مثل لما يمكن أن يفعله الشعور الديني بالنفس الإنسانية وبالمجتمعات، ولولا هذا الشعور الديني المهيمن لكان يمكن أن تكون هذه النفرة مجزرة ومذبحة بشرية تتلاحم فيها الأذرع في ألف مشاجرة ومشاجرة وتدوس العربات الناس ولكن لا شيئا من هذا يحدث ولا تصاب عربة واحدة بخدش.
ويذكر مصطفى محمود أنه بعد ختام الحج لم يكن يشغله سوى شئ واحد هو زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم فكنت أريد أن أقف بقبر الذي يصلى الله عليه فصورة النبي لم تبرح خاطري منذ وضعت قدمي في مكة 
يصف الكاتب مصطفى محمود رحلته إلى من مكة إلى المدينة حيث كان غارقا في تأمل متصل ويخترق الطريق سلسلة من الجبال بعضها جبال كالحة ترابية وبعضها جبال صخرية تلمع فيها عروق المرمر والرخام والأزرق والوردي متعدد الدرجات وبعضها تكسره غبرة حديدية حمراء تدل على تربة معدنية غنية فالمسافر يمر خلال هذه الرحلة على معالم تاريخية شقت لها مكانا في قلوب الناس وحفرت اسماءها في قصة ظهور الإسلام التى تعددت فصولا.
ويتابع محمود: عند قبر رسول الله راحت مخيلتي ترسم له صورة من الأوصاف التي وصلتنا عنه في كتب السيرة والتى وصفه بها أصحابه، وطاف بخيالي ذكرى يوم موته وقد رقد مريضا بالحمى يلتمس الماء ليبلل جسمه المتقد.