البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

شبابنا في عيون شيّابنا


كنت أرغب فى أن يكون موضوع مقالى هذا –وما يليه من مقالات- هو حوار الأجيال، الأب مع بنيه، الأستاذ مع مريديه وتلاميذه، غير أن قلمى استوقفنى وبادرنى بالسؤال، كيف تتحدث عن المعدوم؟ أو عن شيء غير موجود؟ فالعلاقة بين الشيّاب والشباب فى ثقافة هذا العصر هى علاقة شائكة أقرب إلى الصراع وانعدام الثقة، منها إلى النصح والإرشاد أو الحوار الذى يرمى إلى اتفاق وتصالح لقراءة الحاضر واستشراف المستقبل. فأجبته إذا كانت هذه الثقافة التى نعيشها أصابها العطب، وانحدرت فيها القيم، وساءت فيها التربية إلى درجة أضحت فيها لغة الحوار بين الأجيال على النحو الذى ذكرت، فمن الواجب علينا فى هذه الحال أن نذكرهم بالثورات الفكرية التى خطط لها الشيّاب وقادها الشيوخ، وكان الشباب سواعدها وقوتها الفاعلة الساهرة على حمايتها وتطبيقها. 
فإذا اتهم شبابنا اليوم آباءهم بالتخلف والرجعية ووصفوا أذواقهم بأنها لا تتفق مع إيقاع العصر، وأن مشخصاتهم التى نشأوا عليها لا تخلو من الأوهام والخرافات، فإننا نصوب لهم بعض ما أوردوه، فليس كل قديم ضار، ولا كل جديد نافع، ومن ثم يجب أن نحتكم لتقييم الوافد من الخلف والقادم من الأمام بمعيار التجربة الواقعية والعقل الجمعي الواعي بطبائع الشعوب. فعندما نتحدث عن حكمة الشيّاب لا نقصد كبار السن، بل نقصد أولئك الذين حنّكتهم الأيام ومنحتهم السنون خبرات مكنتهم من استشراف المستقبل وانتخاب الدروب الآمنة التى بدت فى صور مواعظ وحكم ونصائح زودوا بها أولادهم وأدرابهم من الأجيال المتعاقبة. وإذا كانت صورة الشباب فى عيون الشيّاب هى الضياع المتجسد والفوضى السائدة والسفالة والجحود والتعالم والحمق الذى أدى بهم إلى التطرف والعنف، فإننا نقول إن كل تعميم خاطئ، وأن الكثير مما ذكرتموه يقع علته وتبعته على عقليتكم التي رغبت عن لغة الحوار، وأضحت مجرد أوامر ونواهٍ لا تلقى مبرراتها قبولا أو استحسانا من تلك العقول الشابة الثائرة بطبعها والمتمردة على المألوف دومًا. 
الحق إننا أمام إحدى مشكلات العصر التى تهدد ثقافتنا بالانهيار، علمًا بأن الأيام المقبلة سوف تأتى على الشيوخ وتجعل منهم ذكرى، وسوف تشهد كذلك ميلاد أجيال متتابعة من الذين اتخذوا من النقد غاية، ومن التمرد هدفا، ومن العصيان أسلوب حياة. الأمر الذى يوجب علينا تنبيه الغافلين عن ذلك الخطر، ومن ثم العمل على إعداد برامج تربوية تأهيلية للشباب قبيل سن المراهقة وقبل الإقدام على الزواج، وإرشاد الآباء كذلك- رغم انشغالهم بتدبير لقمة العيش- إلى ضرورة الإقلاع عن منطق الاستبداد فى التوجيه وتعويد أفراد الأسرة على السير وفق العقل الجمعى المستنبط من حوار بين الأب والأم والأبناء معًا، أضف إلى ذلك العزوف عن أسلوب الاستعلاء والتهوين من قدرة أبنائهم والاستخفاف بآرائهم، وذلك عن طريق النقاش المسلح بالحجة والدراية بالثقافة التي ينطلق منها أبناؤهم، فلم يعد الرفقاء أو أصدقاء السوء هم الذين يبدلون طباع الأبناء، بل هناك الثقافة العالمية المتمثلة فى الإعلام الموجه بما فيه من مذاهب وتيارات ومعتقدات وموضات وأغانى ورقصات وألعاب ومواقع لتزييف الوعى، بل لشيوع التطرف وإقامة الحروب أيضًا. 
أقول يجب استثمار الروح الثورية والقوة البدنية والعقلية الناقدة لدى الشباب، ذلك فى ترغيبهم فى الالتحاق بالمدارس الثانوية العسكرية، والمعاهد الفنية المتخصصة، وإنشاء الأكاديميات التوجيهية لتعديل مسار الشبيبة من خريجى الكليات النظرية؛ حيث التدريب على الحرف التى يحتاجها المجتمع، واستصلاح الأراضي، وتشييد المدن الجديدة، وبناء الأحزاب السياسية، والنوادى الرياضية، وذلك كله للحد من طاعون البطالة الذى يعد الباب الأول لليأس والفوضى الهدامة. ثم نشرع فى الوقت نفسه، فى تنظيم جهودنا لإنشاء صرحين اجتماعيين: أولهما لإصلاح الحياة الزوجية، لا سيما بعد تفشى ظاهرة الطلاق بين الشبيبة؛ فنعمد إلى مناقشة جادة لكل المشكلات التى تهدد الحياة الأسرية بداية من قضايا الجنس والإدمان، ومرورا بالفقر الذى يحول بين تحقيق المطامع والمطامح، ونهاية بأسلوب المعيشة وآداب المعايشة والمعاشرة بين الزوجين، متخذين من لغة الوعظ والجدل والحلول العلمية سبلا لإصلاح ما فسد تبعا لثقافة الزوجين؛ والثانى صرح تأهيلى تدعمه مؤسسات الدولة الاجتماعية لتنظيم دورات للشباب من الجنسين المقبلين على الزواج، مستعينين فى ذلك بأصحاب الخبرة والدراية من المتخصصين فى علم النفس والاجتماع والعقيدة والفلسفة والأنثروبولوجى والسكان وتربية الأطفال، على ألا يسمح للزواج إلا من تخطى بنجاح هذه الدورات التأهيلية. 
أعلم أننى أحلم! وأؤكد لقلمى المتمرد دومًا تصوراتى وحلولى -بحجة أن الواقع يسير فى درب بينما عقلى يسير فى درب مغاير-، فإننى سوف أصرف جهدى فى المقالات التالية للكشف عن أحكم الوصايا وأفضل الحوارات وأعظم الثورات التى عبرت بصدق عن الصور الرائعة والثمرات الناضجة التى أوجدها الحوار الخلاق بين الشيّاب والشباب، ولن أتقيد بضرب واحد فى النماذج التى سوف أوردها (قدماء ومحدثون، شرقيون وغربيون، فلاسفة وأنبياء ومصلحون). 
وحسبى أن أذكر أن كلمة (نعم) تطرب الآذان لو كانت وليدة الوعى والقناعة؛ ولكن كلمة (لا) تحيى العقول إذا انطلقت من إرادة حرة وأذهان خبيرة ونفوس خيرة، وأعتقد أن هذه المقولة لن تتحقق إلا بتظافر جهود الشيّاب مع الشباب. 
وللحديث بقية