البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

على الباغي تدور الدوائر


روى لى أحد الأصدقاء قصة حقيقية مؤثرة، لفتاة عاشت قصة حب قوية مع أحد زملائها فى الجامعة خلال فترة دراستهما، وشاء الله أن يحقق أمانيهما بالإرتباط رغم المصاعب التى مرت بهما، فتوجت قصة حبهما بالزواج، والذى كان ثمرته أن رزقهما الله تعالى بطفلين رائعين فى الجمال، إلا أن الظروف المعيشية اضطرت الأب للسفر لإحدى الدول العربية، وعاشت الأم مع أطفالها متحملة آلام الغربة عن حبيب العمر، ولكنها كانت أحيانا تشكو إليه الوحدة والاحتياج وآلام الفقد، إلا أنه لم يكن يقدر تلك المشاعر ويتهمها بـ«الدلع» ويطالبها بعدم تعطيله عن عمله والتزاماته، ثم بدأت الزوجة تشعر بضعف فى جسدها وآلام تتزايد، ولم تكن تجد سوى الحبيب الذى تنتظر منه أن يشعر بها ويشعرها بالأمان ولو بالكلمة على بعد آلاف الأميال، إلا أنه بكل أسف كان يخذلها دائما، ويظن أنها تتمارض حتى تستعطفه ليمنحها وقتا أكبر فى المحادثات الهاتفية، فكان يزجرها ويطالبها بعدم إزعاجه وتعطيله عن عمله، ولكن ما كان يؤلمها حقا أنها كانت فى نفس الوقت تجد هاتفه مشغولا لساعات طويلة، فكان يبخل عليها بالكلمة الطيبة التى ربما كانت لتخفف عنها آلامها، أو ترفع من روحها المعنوية لتتمكن من مواجهة المرض الذى كان قد بدأ يتمكن من جسدها النحيل.
كتمت الزوجة أوجاعها من المرض ومن الخذلان، ولم تعد تشكو أو تعبر عما بها، بعد أن استنجدت بشريك العمر، فلم تجد سوى صدى صوتها!!.. والزوج فى عالمه الجديد، بعد أن فقد الإحساس بالنعمة التى كان يتمناها من الله قبل أن ينالها، مرت الأيام وتضاعفت آلام الحبيبة المهجورة، وبعد أن أجرت الفحوصات الطبية اكتشفت أن المرض اللعين تمكن من جسدها وتحتاج لإجراء جراحة عاجلة، حمدت الله وتمالكت دموعها خوفا على أبنائها، وبعد أن كانت قد يئست من الزوج والحبيب اعتقدت أن المرض سيجعله يحنو ويندم على إهماله لها، فحادثته لتخبره بما حدث لها، وتطلب منه أن يأتى للوقوف بجانبها، ولأن أبناءهما الصغار فى أشد الاحتياج له فى مثل هذه الظروف، لم يتأخر الزوج وجاء إليها بالفعل، وبمجرد خضوعها للجراحة، أخذ أبناءهما وعاد إلى حيث كان!!.. تركها بين يد الجراحين بعد أن امتص صحتها وراحتها، وانتهز الفرصة وقرر حرمانها من أبنائها ليبدأ حياته من جديد!! فتزوج من أخرى!! وبعد أن تعافت الزوجة من الجراحة واكتشفت الأمر، رفض توسلاتها لعودة أبنائها لحضنها، ولم يكتف بذلك، بل رفض تطليقها، وطالبها برفع قضية خلع حتى يتنصل من دفع حقوقها!!.
بكت عينى وقلبى حين سمعت هذه القصة الموجعة التى تدل على دناءة بعض النفوس، والتى تفسدها النعم بدلا من أن تجعلها تستشعر فضل الله وتحمده عليها، ووجدتنى أتساءل كيف كان حال هذا الزوج فى بدايات الحب والارتباط؟! ألم يكن يتمنى أن ينال رضاها ورضا أهلها حتى يتزوجها؟!.. هل هكذا يمكن أن تكون دناءة النفس البشرية؟! هل هكذا تخلف الوعود وتنسف العهود؟! هل هكذا ينسى الإنسان نفسه؟! ولا يخجل من ربه الذى كان يتمنى منه أن يعطيه ما يحب؟!.. أهكذا هى النفس البشرية حين يتملكها الفجور فيعجز العقل والقلب عن فهمها؟!.. ما أصدق الشاعر الفيلسوف صلاح جاهين حين اختزل الإنسان والنفس البشرية فى كلماته: «لا تجبر الإنسان ولا تخيّره.. يكفيه ما فيه من عقل بيحيّره.. اللى النهارده بيطلبه ويشتهيه.. هو اللى بكره ح يشتهى يغيّره.. وعجبى !». ولكن ليست كل النفوس كذلك، فكما يقول رسول الله: «الخير فى وفى أمتى إلى يوم القيامة».. فلا تحزنى أيتها الأم الصامدة فى وجه المرض والحرمان من فلذات كبدك وأنت فى قمة ضعفك، والذى لم يكتف شريك عمرك بقسوة المرض عليك بل كان أشد قسوة من كل مرض.. فلتصبرى وتحتسبى وليعينك الله برحمته على ما أنت فيه.. ويقينى أن الله سيدركك برحمته، وسيلقن هذا الزوج درسا أقسى مما يتخيل.. فكما يقول الله تعالى: «وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ».. وكما تقول الحكمة: «على الباغى تدور الدوائر».