البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

قلادة النيل لابن النيل


هيا افعلها سيادة الرئيس، انصف أجمل ضباط الجيش المصرى، فعلها وكأنه يعمل فى ساعات الشغل وكانت من سماها الكل ثورة يوليو، فعلها بكل بساطة، تحرك قبل الميعاد واعتقل كل قيادات جيش الملك، واعتقل حتى ضباط يوليو من ناصر إلى حكيم.
إنه الضابط مقاتل يوسف الصديق .
ولد‏ ‏في‏ ‏قرية‏ ‏زاوية‏ ‏المصلوب‏ ‏التابعة‏ ‏لمركز‏ ‏الواسطى ‏محافظة‏ ‏بني‏ ‏سويف‏ بمصر ‏في‏ 3 ‏يناير‏ 1910. والده وجده عملا‏ ‏ضابطين‏ ‏بالجيش‏ ‏المصري‏،‏ والده اليوزباشي منصور صديق شارك بحرب استرداد السودان وقضى جل خدمته بالسودان. 
‏التحق‏‏ ‏بالكلية‏ ‏الحربية‏، ‏وتخرج‏ فيها ‏عام‏ 1933، ‏‏تخصص‏ ‏بعد‏ ‏ذلك‏ ‏في‏ ‏التاريخ‏ ‏العسكري‏ ‏وحصل‏ ‏على‏ ‏شهادة‏ ‏أركان‏ ‏الحرب‏ ‏عام‏ 1945‏م‏، ‏وبمجرد‏ ‏أن‏ ‏تخرج‏ ‏يوسف‏ ‏في‏ ‏منتصف‏ ‏الثلاثينات،‏ ‏التحق‏ ‏بإحدى ‏الكتائب‏ ‏بالسلوم‏ ‏وأخذ‏ ‏يمارس‏ ‏نشاطه‏ ‏السياسي‏ ‏في‏ ‏بعض‏ ‏الأحزاب،‏ ‏خاصةً اليسار‏ ‏المصري قرأ‏ ‏كثيرًا ‏في‏ ‏الاقتصاد‏ ‏والتاريخ، ‏وعندما‏ ‏نشبت‏ ‏الحرب‏ ‏العالمية‏ ‏الثانية‏ ‏في‏ ‏أواخر‏ ‏الثلاثينات‏ ‏شارك‏ ‏في‏ ‏القتال‏ ‏الدائر‏ ‏بالصحراء‏ ‏الغربية،‏ ‏كما‏ ‏شارك‏ ‏في‏ ‏حرب‏ ‏فلسطين‏ 1948‏، وقاد‏ ‏كتيبته‏ ‏بجرأة‏ ‏نادرة‏ ‏واستطاع‏ ‏أن‏ ‏يحتل‏ ‏نقطة‏ ‏مراقبة‏ ‏على ‏خط‏ ‏الدفاع‏ ‏بين المجدل وأسدود،‏ ‏وكان‏ ‏الضباط‏ ‏يطلقون‏ ‏على‏ ‏المنطقة‏ ‏التي‏ ‏دخلها شريط‏ ‏يوسف‏ ‏صديق‏.
بدأت‏ ‏علاقة‏ ‏يوسف‏ ‏صديق‏ بتنظيم‏ ‏الضباط‏ ‏الأحرار‏ ‏عندما‏ ‏تعرف‏ ‏على ‏النقيب‏ ‏وحيد‏ جودة‏ ‏رمضان‏ ‏إبان‏ ‏حرب‏ ‏فلسطين‏ 1948، ‏وبعدها‏ ‏بثلاث‏ ‏سنوات‏ ‏عرض‏ ‏عليه‏ ‏وحيد‏ ‏رمضان‏ ‏الانضمام‏ ‏لتنظيم‏ ‏الضباط‏ ‏الأحرار‏ ‏فلم‏ ‏يتردد‏ ‏لحظة‏ ‏واحدة‏ ‏في‏ ‏الموافقة، هذا‏ ‏الدور‏ ‏أكده‏ ‏جمال‏ ‏عبد‏الناصر‏ في العيد العاشر للثورة حينما تحدث في خطابه بهذه المناسبة عن دور يوسف صديق في الثورة وقصة اعتقاله "ناصر"بواسطة قوات الثورة وسعادته لرؤية يوسف صديق الذي فك أسره على الفور، وكذلك أكد دوره الريادي في تنفيذ الثورة كل ‏من‏ ‏‏‏اللواء محمد‏ ‏نجيب‏ ‏وعبد‏ ‏اللطيف‏ البغدادي‏ ‏وجمال‏ ‏حماد‏ ‏وحمدي‏ ‏لطفي‏ ‏في‏ ‏مذكراتهم‏ ‏التي‏ ‏جاءت‏ ‏مطابقة‏ ‏لمذكرات‏ ‏يوسف‏ ‏صديق‏.
بدأت‏ ‏قصة‏ ‏يوسف‏ ‏مع الثورة قبل‏ ‏ليلة‏ 23 ‏يوليو‏ في أحد أيام أكتوبر سنة 1951 حينما زاره الضابط وحيد رمضان الذي عرض عليه الانضمام للضباط الأحرار واطلعه على برامجهم والتي كانت تدعو للتخلص من الفساد وإرساء حياة ديمقراطية سليمة فوافق وأسندت إليه من قبل تنظيم الثورة قيادة الكتيبة الأولى مدافع ماكينة، وقبل الموعد المحدد بقليل ‏تحرك‏ ‏البكباشي‏ ‏يوسف‏ صديق ‏مع‏ ‏مقدمة‏ ‏كتيبته‏ مدافع الماكينة‏ ‏من ‏العريش‏ ‏إلى‏ ‏مقر الكتيبة الجديد في معسكر هايكستب قرب‏ ‏مدينة‏ ‏العبور‏ ‏ومعه‏ ‏معاونه‏ عبد‏ ‏المجيد‏ ‏شديد‏. ‏ويروي‏ أحمد‏ ‏حمروش‏ ‏في‏ ‏كتابه "قصة‏ ‏ثورة‏ ‏يوليو، فيقول‏: ‏اجتمعت‏ ‏اللجنة‏ ‏القيادية‏ ‏للثورة‏ ‏وقررت‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏ليلة‏ 22-23 ‏يوليو 1952 هي ليلة التحرك‏ ‏وأعطيت‏ ‏الخطة‏ اسمًا‏ ‏كوديًا (نصر) وتحددت‏ ‏ساعة‏ ‏الصفر‏ ‏في‏ الثانية عشرة مساء إلا أن جمال عبد الناصر عاد وعدل هذا الموعد إلى ‏الواحدة صباحًا، وأبلغ جميع ضباط الحركة عدا يوسف صديق لكون معسكره في الهاكستيب بعيد جدا عن مدى تحركه ذلك اليوم فآثر انتظاره بالطريق العام ليقوم برده إلى الثكنات وكان لهذا الخطأ البسيط على العكس أعظم ‏الأثر في نجاح الثورة‏، ‏فقد‏ كان تم ابلاغ ‏ ‏يوسف‏ ‏صديق‏ (بواسطة رسول قيادة الحركة الضابط زغلول عبد الرحمن كما ورد على لسان يوسف صديق نفسه في مذكراته التي نشرها الدكتور عبد العظيم رمضان باسم أوراق يوسف صديق عن الهيئة المصرية للكتاب عام 1999م - ص100)، ووفقا لذلك فقد ‏تم إبلاغ يوسف صديق أن‏ ‏ساعة‏ ‏الصفر‏ ‏هي‏ 2400 ‏أي‏ ‏‏ ‏منتصف‏ ‏الليل‏ وليست الواحدة صباحا وهو الموعد الذي تم التعديل له (دون إمكانية تبليغ يوسف بالتعديل)، ‏وكان‏ ‏يوسف‏ ‏قائدًا‏ ‏ثانيًا ‏للكتيبة‏ ‏مدافع‏ ‏الماكينة‏ ‏ولم‏ ‏يخف‏ ‏الموقف‏ ‏على ‏ضباطه‏ ‏و‏جنوده‏، ‏وخطب‏ ‏فيهم‏ ‏قبل‏ ‏التحرك‏ ‏وقال‏ ‏لهم‏ ‏إنهم مقدمون هذه الليلة على عمل من أجل الأعمال في التاريخ المصري وسيظلون يفتخرون بما سيقومون به تلك الليلة هم وأبناؤهم وأحفادهم ‏وأحفاد أحفادهم، تحركت‏ ‏القوة‏ ‏من‏ معسكر الهاكستيب دون‏ ‏أن‏ ‏تدري‏ ‏ما‏ ‏يدبر‏ ‏في‏ ‏مركز‏ ‏القيادة‏، ‏وكان‏ ‏يوسف‏ ‏صديق‏ ‏راكبًا ‏عربة‏ ‏جيب‏ ‏في‏ ‏مقدمة‏ ‏طابور‏ ‏عربات‏ ‏الكتيبة‏ ‏المليء‏ ‏بالجنود‏ ‏وما أن خرجت القوة من المعسكر حتى‏ ‏فوجئت‏ ‏باللواء‏ ‏عبد‏ ‏الرحمن‏ ‏مكي ‏قائد‏ ‏الفرقة‏ ‏يقترب‏ ‏من‏ ‏المعسكر‏ ‏فاعتقتله القوة بأوامر من يوسف صديق‏، وتم اقتياده بصحبة طابور القوة بسيارته التي يرفرف عليها علم القيادة محصورا بين عربة الجيب التي يركب بها يوسف في المقدمة والطابور ‏وعند‏ ‏اقتراب القوة‏ ‏من‏ ‏مصر‏ ‏الجديدة‏ صادفت‏ ‏أيضا ‏الأميرالاي‏ عبد‏الرؤوف‏ ‏عابدين‏ ‏قائد‏ ‏ثاني‏ ‏الفرقة‏ ‏الذي‏ ‏كان‏ ‏يسرع‏ ‏بدوره‏ ‏للسيطرة‏ ‏على ‏معسكر‏ ‏هاكستيب فأمر يوسف صديق أيضا باعتقاله وأركبه إلى جانب اللواء المعتقل من قبل بنفس سيارة اللواء وساروا مع القوة ‏والمدافع‏ ‏موجهة‏ ‏عليهما‏ ‏من‏ ‏العربات‏ ‏الأخرى‏‏، ولم‏ ‏تقف‏ ‏الاعتقالات‏ ‏عند‏ ‏هذا‏ ‏الحد‏، ‏فقد‏ ‏فوجئ ‏يوسف‏ ‏ببعض‏ جنوده ‏يلتفون‏ ‏حول‏ رجلين‏ ‏تبين‏ ‏أنهما‏ ‏جمال‏ ‏عبد‏ ‏الناصر‏ ‏وعبد الحكيم عامر‏، ‏وكانا‏ ‏حسبما‏ ‏روي‏ ‏يوسف‏ ‏في‏ ‏ملابس‏ ‏مدنية‏، ‏ولما‏ ‏استفسر‏ ‏يوسف‏ ‏عن‏ ‏سر‏ ‏وجودهما‏ حدث جدل بين جمال عبد الناصر ويوسف صديق حيث رأى جمال خطورة تحرك يوسف قبل الموعد المحدد ضمن الخطة الموضوعة سابقا للثورة على أمن ضباط الحركة الأحرار وعلى إمكانية نجاح الثورة ورأى رجوعه إلى الثكنات لكن يوسف صرح له أنه لم يعد يستطيع العودة مرة ثانية دون إتمام العمل (الثورة)، وأن الثورة قد بدأت بالفعل حينما قامت قوة يوسف بالقبض على قائده اللواء عبد الرحمن مكي ثم الأميرالاي عبد الرؤوف عابدين (قائده الثاني)، وقرر أنه مستمر في طريقه إلى مبنى قيادة الجيش لاحتلاله ولم يكن أحد يعلم على وجه اليقين ما يتم ‏ ‏فـي‏ ‏رئاسة‏ ‏الجيش (حيث كان خبر الثورة قد تسرب إلى الملك الذي أبلغ الأمر للقيادة لاتخاذ إجراء مضاد على وجه السرعة وكانت قيادة الجيش -التابع للملك- مجتمعة في ساعته وتاريخه تمهيدا لسحق الثورة أو الانقلاب بقيادة الفريق حسين فريد قائد الجيش قبل الثورة) (وقد حسم يوسف صديق الجدل بينه وبين جمال حينما أصر على مواصلة طريقه لاحتلال القيادة وأغلب الظن اتفاق الرجلين على ذلك، لأن جمال عبد الناصر الذي استمر يراقب التحركات عن كثب وجه بعد ذلك بقليل بارسال تعزيزات من أول الأجنحة التابعة للثورة التي تحركت في الموعد الأصلي اللاحق لمساندة يوسف بعد أن قام يوسف صديق مع جنوده باقتحام مبنى القيادة العامة للجيش والسيطرة عليه بالفعل).‏
بعد هذا اللقاء وفي الطريق ‏أعد‏ ‏يوسف‏ ‏خطة‏ ‏بسيطة‏ ‏تقضي‏ ‏بمهاجمة‏ مبنى قيادة الجيش وبالفعل وصل يوسف إلى المبنى وقام ‏يوسف‏ ‏صديق‏ ‏وجنوده‏ باقتحام ‏مبنى ‏القيادة‏ بعد معركة قصيرة مع الحرس سقط خلالها اثنان من جنود الثورة واثنان من قوات الحرس ثم استسلم بقية الحرس فدخل يوسف مع جنوده مبنى القيادة ‏وفتشوا‏ ‏الدور‏ ‏الأرضي‏ ‏وكان‏ ‏خاليًا‏، ‏وعندما‏ ‏أراد‏ ‏الصعود‏ ‏إلى‏ ‏الطابق‏ ‏الأعلى‏ اعترض‏ ‏طريقهم‏ ‏شاويش‏ ‏حذره‏ ‏يوسف‏ ‏لكنه ‏أصر‏ ‏على‏ ‏موقفه‏ ‏فأطلق‏ ‏عليه‏ ‏طلقة‏ أصابته‏ ‏في‏ ‏قدمه،‏ ‏وعندما‏ ‏حاول‏ ‏فتح‏ ‏غرفة‏ ‏القادة‏ ‏وجد‏ ‏خلف‏ ‏بابها‏ ‏مقاومة‏ ‏فأطلق‏ ‏جنوده‏ ‏الرصاص‏ ‏على ‏الباب‏ ‏ثم‏ ‏اقتحموا‏ ‏الغرفة، ‏وهناك‏ ‏كان‏ ‏يقف‏ ‏الفريق‏ حسين‏ ‏فريد‏ ‏قائد ‏الجيش‏، ‏والأميرالاي‏ ‏حمدي‏ ‏هيبة‏ ‏وضباطين ‏آخر‏ين أحدهما برتبة عقيد وآخر غير معروف ‏رافعين‏ ‏منديلا‏ ‏أبيض‏ا، فتم القبض عليهم ‏حيث‏ ‏سلمهم‏ ‏لليوزباشي‏ ‏عبد‏ ‏المجيد‏ ‏شديد‏ ‏ليذهب‏ ‏بهم‏ ‏إلى‏ ‏معسكر‏ ‏الاعتقال‏ ‏المعد‏ ‏حسب‏ ‏الخطة‏ ‏في‏ ‏مبنى‏ ‏الكلية‏ ‏الحربية‏.‏ 
وبذلك يعتبر يوسف صديق هو بطل الثورة الحقيقي الذي أنقذ ثورة يوليو من الانتكاسة في اللحظة الأخيرة، وهو الذي نفذ خطة الاستيلاء على قيادة الجيش ومن ثم السلطة بأسرها في مصر في ذلك التاريخ (الساعة الثانية عشرة مساء 22/23 يوليو 1952).
عقب‏ ‏نجاح‏ ‏حركة‏ ‏الضباط‏ ‏الأحرار‏ ‏دعا‏ ‏يوسف‏ ‏صديق‏ ‏عودة‏ ‏الحياة‏ ‏النيابية‏، ‏وخاض‏ ‏مناقشات‏ ‏عنيفة‏ ‏من‏ ‏أجل‏ ‏الديمقراطية‏ ‏داخل‏ ‏مجلس‏ ‏قيادة‏ ‏الثورة‏.‏ ويقول‏ ‏يوسف‏ ‏عن‏ ‏تلك‏ ‏الخلافات‏ ‏في‏ ‏مذكراته‏: وعندما‏ ‏وقعت‏ ‏أزمة‏ ‏فبراير‏ ‏ومارس‏ ‏عام‏ 1954، ‏طالب‏ ‏يوسف‏ ‏صديق‏ ‏في‏ ‏مقالاته‏ ‏ورسائله‏ ‏لمحمد‏ ‏نجيب‏ ‏بضرورة‏ ‏دعوة‏ ‏البرلمان‏ ‏المنحل‏ ‏ليمارس‏ ‏حقوقه‏ ‏الشرعية‏، ‏وتأليف‏ ‏وزارة‏ ‏ائتلافية‏ من ‏قبل‏ ‏التيارات‏ ‏السياسية‏ ‏المختلفة‏ ‏من‏ ‏الوفد‏ ‏والإخوان‏ ‏المسلمين‏ ‏والاشتراكيين‏ ‏والشيوعيين،‏ ‏وعلى‏ ‏أثر‏ ‏ذلك‏ ‏اعتقل‏ ‏هو‏ ‏وأسرته، ‏وأودع‏ ‏في‏ ‏السجن‏ ‏الحربي‏ ‏في‏ ‏أبريل‏ 1954، ‏ثم‏ أُفرج‏ ‏عنه‏ ‏في‏ ‏مايو‏ 1955 ‏وحددت‏ ‏إقامته‏ ‏بقريته‏ ‏بقية‏ ‏عمره إلى أن توفي في ‏31 ‏مارس‏ 1975.‏