البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

دبلوماسية السلام.. اتجاه الإمارات نحو منطقة القرن الأفريقي.. سلام وأمن ومساعدات.. وتأمين الممرات البحرية لنقل صادرات النفط

البوابة نيوز

تطويق الأذرع الإيرانية.. قطع التمويل عن المنظمات الإرهابية.. السيطرة على الملاحة البحرية.. أهم الأهداف
2016 حصلت الإمارات على عقد لإدارة ميناء «بربرة» لمدة ٣٠ عامًا فى أرض الصومال
184 مليون درهم قيمة الاتفاقية التى وقعتها دبى مع بنك «أوروميا» للاستثمار فى تنمية قطاعى الزراعة والماشية بإثيوبيا
50 مليون دولار قدمها «صندوق أبوظبى للتنمية» فى فبراير ٢٠١٥ منحة لتمويل مشروعات تنموية فى جيبوتي
تحتل دولة الإمارات مكانة دولية وإقليمية بالغة الأهمية، دفعت بها لأن تكون ضمن الفواعل الأكثر تأثيرًا فى العديد من المناطق، لعل أبرزها منطقة القرن الأفريقي؛ لما لها من وضع استراتيجى أكثر خصوصية أهلها لأن تكون مركز اهتمام العديد من القوى الدولية، ولم يكن الدور الإماراتى مقتصرًا على الجانب الإغاثى والإنسانى فحسب، لكنه امتد ليشمل عمليات التهدئة وتحقيق السلم والأمن فى العديد من مناطق التوتر الأفريقية، وهو ما يمكن الاستدلال عليه من دورها الرائد فى دفع كل من أديس أبابا وأسمرة للوصول إلى تسوية لأزمتهما العالقة منذ ما يقرب من ثلاثة عقود.
القرن الأفريقى 
تقع منطقة القرن الأفريقى شرق القارة، وتضم جغرافيًا كلًا من (الصومال، جيبوتي، إثيوبيا، إريتريا، كينيا، أوغندا، السودان)، وتكتسب المنطقة أهميتها من موقعها الاستراتيجى المطل على البحر الأحمر والمحيط الهندي؛ ومن ثم تحكمها بشكل رئيسى فى الملاحة البحرية التى تمر عبر مضيق باب المندب، لا سيما تلك المتعلقة بالتجارة النفطية القادمة من الخليج إلى أوروبا، وهو ما جعلها مقصد اهتمام العديد من القوى والفواعل الدولية، ويستدل على ذلك من رصد إجمالى القواعد العسكرية الأجنبية المنتشرة بدول المنطقة، إلى جانب تمركز الاستثمارات أبرزها الخليجية بشكل كبير فى دول القرن الأفريقي، وقد عزز من ذلك ما تمتلكه المنطقة من موارد طبيعية سواء نفطية، أو معادن نفيسة. 
فيما يمكن إيعاز الأهمية الاستراتيجية لتلك المنطقة من حيث جغرافيتها إلى كونها تقع ضمن إقليم أصبح يعرف باسم «قوس الأزمة»، والذى يضم دول القرن الأفريقى وشبه الجزيرة العربية، وقد تبلورت أهمية تلك المنطقة منذ انطلاق «عاصفة الحزم» لتطويق تمددات الأذرع الإيرانية، إلى جانب مواجهة تطرف الجماعات الراديكالية شرق القارة والتى يمتد تأثيرها إلى شبه الجزيرة العربية. ومن هنا تبلورت الأهمية الاستراتيجية للمنطقة بحكم مقوماتها الطبيعية والجغرافية، وكانت الإمارات أبرز الفواعل الدولية التى كانت بصماتها واضحة سواء على المستوى التنموى أو على مستوى تحقيق السلم بتلك المنطقة.
التوجه نحو المنطقة
تتعدد دوافع ومحركات التوجه الإماراتى ناحية القرن الأفريقي، لاسيما فى ظل الطفرة التى شهدتها دولة الإمارات، والتى أصبحت تمثل دافعًا نحو مزيد من الانفتاح على الخارج، من أجل الاستجابة للمسارات التنموية الجديدة. إلى جانب التطورات الأمنية فى شبه الجزيرة العربية، وذلك على النحو التالي:
«عاصفة الحزم»
تعتبر «عاصفة الحزم» أهم نقاط التحول فى علاقة الإمارات بدول شرق أفريقيا. فنظرًا للأهمية الاستراتيجية لتلك العملية وانعكاساتها المباشرة على أمن الخليج عامة والإمارات خاصة، أصبح التوجه الإماراتى نحو دول القرن الأفريقى بمثابة ضرورة ملحة، وبذلت الإمارات بمساعدة سعودية جهودًا شاقة من أجل تطويق الأذرع الإيرانية الساعية إلى السيطرة على مضيق باب المندب، إلى جانب محاولاتها الدائمة لمنع وصول التمويلات للتنظيمات الإرهابية الساعية لزعزعة استقرار دول القرن لما لذلك من انعكاسات سلبية على أمن الخليج العربى جميعها.
ومن هنا بدأت الإمارات فى استغلال الموانيء البحرية التى تشرف على إدارتها بدول القرن الأفريقى لمزيد من السيطرة على الملاحة البحرية، وتزويد دول «التحالف العربي» بالمؤن الغذائية والنفطية، ومن هنا كانت «عاصفة الحزم» أبرز العلامات الفارقة فى التحول الإماراتى تجاه منطقة القرن الأفريقي.
مصادر النفط 
أدى الموقع الجغرافى لمنطقة القرن الأفريقى من حيث اقترابها من مصادر النفط الخليجي، إلى اتجاه الدول الخليجية على رأسها الإمارات لإعادة هيكلة سياساتها الخارجية نحو مزيد من تكثيف العلاقات وأواصر التعاون مع دول القرن الأفريقي، لتأمين الممرات البحرية من أجل نقل صادرات النفط الخاصة بها، وهو ما دفعها لتأجير والإشراف على العديد من الموانئ البحرية، لعل أبرزها ميناءى «عصب» فى إريتريا، و«بربرة» فى الصومال. 
الحلفاء الإقليميين
فى ظل الانفتاح متعدد المستويات الذى شهدته السياسة الخارجية الإماراتية، أصبحت مساعيها الآن منصبة نحو تنويع شبكة حلفائها، ونظرًا لأن القارة الأفريقية عموما تمثل الكتلة التصويتية الثانية فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، فى الوقت الذى تشكل فيه دول القرن الأفريقى ثقلًا إقليميًا حقيقيًا، أصبح التوجه الإماراتى أكثر بروزًا فى دول شرق أفريقيا، وهو ما يستدل عليه من معدلات التعاون بين الإمارات ودول المنطقة فى محاولة لاستقطاب الكتلة التصويتية الخاصة بهم فى المحافل الدولية.
مكافحة الإرهاب
تعتبر ظاهرة الإرهاب أبرز محركات التوجه الإماراتى تجاه المنطقة، لاسيما فى ظل تنامى ظهور الجماعات الراديكالية شرق القارة «كجماعة شباب المجاهدين فى الصومال»، إلى جانب تصاعد أعمال القرصنة البحرية ما من شأنه تهديد حركة الملاحة البحرية، والتأثير على استقرار الاستثمارات الإماراتية بالقرن الأفريقى وهو ما دفع الإمارات لتكثيف تعاونها الأمنى مع دول المنطقة على مختلف المستويات.
إيران وإسرائيل
تتصارع كل من طهران وتل أبيب من أجل الهيمنة على أكبر قدر من المنافذ البحرية بالبحر الأحمر، وذلك لتأمين صادراتهم ووارداتهم من السلاح، إلى جانب استحواذهم على أكبر قدر من المواد الخام المتوافرة فى تلك المنطقة، وكذلك محاولة تقليص النفوذ الخليجي، ما أدى إلى اتخاذ الإمارات استراتيجية أكثر فاعلية لمواجهة هذا التمدد عن طريق التوقيع مع حكومات دول القرن على اتفاقيات ثنائية، ومذكرات تفاهم يتم بمقتضاها تكثيف التعاون بين الجانبين.
أنماط التواجد 
تتعدد مستويات التواجد الإماراتى بمنطقة القرن الأفريقي، سواء سياسيًا، اقتصاديًا، أو أمنيًا، ومع ذلك تظل المساهمات الإماراتية الأبرز هى تلك المرتبطة بملفات التهدئة، وتسوية قضايا السلم، لاسيما جهودها فى الملف الخاص بالمصالحة الإريترية ـ الإثيوبية.
المصالحة الإثيوبية ـ الإريترية
لعبت الإمارات دورًا مهمًا فى ملف المصالحة الإثيوبية - الإريترية، منذ بدء المفاوضات، مرورًا بالتعقيدات التى أعاقت إتمام المصالحة حتى ما قبل تولى «آبى أحمد» رئاسة الحكومة الإثيوبية نهاية مارس الماضي، ووصولًا إلى الاتفاق التاريخى الذى وقعته كل من أديس أبابا وأسمرة يوليو ٢٠١٨، والذى يُعد بمثابة تتويجا للجهود الدبلوماسية الإماراتية فى هذا الملف. وبالنظر إلى كواليس هذا الاتفاق نجده جاء مباشرة عقب الزيارة التى قام بها ولى عهد أبوظبى يونيو ٢٠١٨ إلى أديس أبابا، والتى التقى خلالها رئيس الوزراء الإثيوبى «آبى أحمد»، وقدم خلالها ولى العهد عدة مبادرات لتسوية الأزمة بين إثيوبيا وإريتريا، وعلى صعيد آخر فقد تواردت أنباء عن اجتماعات سرية عقدت بين الوفدين الإثيوبى والإريترى فى قاعدة عسكرية إماراتية بميناء «عُصب» قبل الإفصاح عن اجتماع رسمى بين الجانبين، وهى الجهود التى ثمنتها كل من أسمرة وأديس أبابا فى تصريحات رسمية لحكومتيهما.
جيبوتي: شهدت العلاقات بين الدولتين فى ٢٠١٥ تدهورًا مؤقتًا نتيجة خلافات بشأن عمل «شركة موانيء دبى العالمية» فى ميناء «دوارلية»، ما أدى لإغلاق القنصلية الإماراتية مؤقتًا، ولكن سرعان ما عادت العلاقات إلى سابق عهدها مرة أخرى فبراير ٢٠١٦. فمن الصعب أن تطمس تلك الخلافات دور الإمارات الفاعل على المستويات الأمنية والتنموية، وهو ما يمكن الاستدلال عليه من التعاقدات ما بين «شركة دبى العالمية»، والحكومة الجيبوتية بشأن قطاع الموانئ البحرية، ما ساهم بشكل كبير فى تطوير مرافقه. فيما تعتبر الإمارات أهم المستثمرين فى جيبوتى حيث قدم «صندوق أبوظبى للتنمية» فى فبراير ٢٠١٥ منحة بقيمة ٥٠ مليون دولار لتمويل مشروعات تنموية، لمدة خمس سنوات، كما توصلت حكومات البلدين لاتفاقات ثنائية، وتم التوقيع على مذكرات تفاهم بشأن العديد من الاستثمارات والمشاريع التنموية.
الصومال: يعتبر «ميثاق دبى ٢٠١٢» الذى تم توقيعه على هامش أعمال المؤتمر الدولى الثانى لمكافحة القرصنة البحرية من أبرز ملامح الدور الإماراتى فى تسوية النزاعات بمنطقة القرن الأفريقي، وهدف الميثاق إلى إجراء مصالحة بين الأطراف الصومالية المتنازعة، فى محاولة لتحقيق الاستقرار، وإتاحة الفرصة لبدء خطة تنموية شاملة. 
وعلى الجانب الآخر فقد تبنت الإمارات دفع رواتب أفراد الجيش الصومالى حيث خصصت مبلغ قيمته مليون دولار لتأهيل البحرية الصومالية، إلى جانب إرسال مساعدات غذائية وطبية دورية، وفى سبتمبر ٢٠١٦ حصلت الإمارات على عقد لإدارة ميناء «بربرة» لمدة ٣٠ عامًا فى أرض الصومال.
إريتريا: ترجع العلاقات بين الإمارات وأسمرة إلى عام ١٩٩٣ حيث استقلالها عن إثيوبيا، ومنذ ذلك الحين كانت الإمارات فاعلًا رئيسيًا فى عملية المفاوضات التى استمرت على مدار ٣ عقود بين الطرفين، فيما ترجع أهمية إريتريا إلى موقعها الاستراتيجى وامتلاكها عددًا من الجزر التى تقع فى واجهة مضيق باب المندب. ومن ملامح التقارب العسكرى والأمنى بين الجانبين حصول الإمارات على عقد إيجار لميناء «عصب»، إلى جانب إنشاء قاعدة عسكرية إماراتية ساهمت بشكل كبير فى دعم قوات «التحالف العربي» فى مهمتهم باليمن، وعلى الجانب الاستثمارى نجد عقودا ومشاريع استثمارية ضخمة تقدر بملايين الدولارات بهدف تنمية قطاع الزراعة والقطاعات التعدينية هناك.
إثيوبيا: تعتبر الإمارات من أهم الشركاء الإقليميين لأديس أبابا، ففى أكتوبر٢٠١٦ وقعت أبوظبى مع بنك «أوروميا» اتفاقية بقيمة ١٨٤ مليون درهم للاستثمار فى تنمية قطاعى الزراعة والماشية، بينما تساهم الإمارات فى تطوير مناطق صناعية إثيوبية.
مستقبل التحركات الإماراتية 
رغم الدور الفاعل لدولة الإمارات العربية المتحدة بمنطقة القرن الأفريقي، فإن هذا الدور لا يخلو من العقبات والتحديات التى تعرقل مسيرته، وهو ما يمكن الاستدلال عليه من تطورات الأوضاع الأخيرة ما بين «شركة موانئ دبى العالمية»، وحكومة جيبوتي، بعدما شرعت حكومة الأخيرة فى بناء منطقة تجارة حرة بالقرب من ميناء «دوارلية» الذى تشرف عليه الإمارات، ما أدى لتوترات بين الجانبين مؤخرًا. وبالبحث فى تلك التطورات تتضح لنا بصمات لقوى إقليمية ليست من مصلحتها أن تمضى العلاقات الإماراتية مع دول القرن الأفريقى فى مسارها السليم.
وختامًا، فرغم ما يثار من إشاعات تحاول خلالها بعض الدول تشويه أهداف الدور الإماراتى بمنطقة القرن الأفريقي، إلا أن بصمات دولة الإمارات العربية سواء التنموية أو الأمنية واضحة للجميع، لا أحد يستطيع إنكارها أو طمسها، وستحمل الفترة المقبلة مزيدًا من التحركات الإماراتية فى هذا المسار لدحض كل الافتراءات والادعاءات الموجهة لدورها الفاعل فى تحقيق مزيد من الاستقرار شرق القارة السمراء.