البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

القس سهيل سعود يكتب: أثر النشر الورقي في امتداد حركة الإصلاح الإنجيلي

القس سهيل سعود
القس سهيل سعود

من العوامل الأساسية التي أسهمت فى امتداد حركة الإصلاح الإنجيلى فى القرن السادس عشر، النشر الورقي. فقبل بدء الإصلاح بحوالى نصف قرن، تم اختراع مطبعة غوتنبرغ، التى كانت من الاختراعات المذهلة التى أسهمت، فى إيصال أفكار المصلحين الإنجيليين، عبر المناشير والكتابات الورقية، إلى الملايين من الناس فى ألمانيا وأوروبا حتى اخترقت كل أرجاء العالم. ذكر الكاتب أندرو بيتغري، المتخصّص فى تاريخ بدء الطباعة، فى كتابه Brand Luther، أن الراهب الذي لم يُسْمَع به، حوّل بلدته الصغيرة ويتنبرغ، إلى مركز للنشر. فلوثر، الراهب غير المعروف، قفز فجأة على خشبة مسرح التاريخ من لا مكان، حيث إن لوثر أصبح، من أبرز الكتّاب الذين عرفهم العالم. فبعد أن تعرّف لوثر على الإيمان من خلال الكتاب المقدّس وقناعته الراسخة بأنه يجب أن يقرأه الجميع. فقد أدرك أيضا، الإمكانية الكبيرة التى تحملها الطباعة والنشر لإيصال رسالته الإصلاحية. وقد استخدمها جيدًا فى ايصال أفكاره ومبادئه، إلى الأمراء والقادة الألمان متجاوزًا البوابات التقليدية.
عندما علّق لوثر بنوده الإصلاحية الـ95 على باب جامعة ويتنبرغ باللغة اللاتينية عام 1517، قام أصدقاؤه بترجمتها إلى اللغة الألمانية، وأرسلوها إلى مطبعة غوتنبرغ. وفى غضون ستة أسابيع انتشرت الآلاف من بنوده الإصلاحية فى منشورات ورقية فى أوروبا. فى العام 1520، تنقل لوثر فى عدّة أمكنة فى ألمانيا، وتعرّف على لهجات اللغة الألمانية المتنوّعة بين منقطة ومنطقة. وثمّ مزج تلك اللهجات الألمانية ووضع مقاييس لها، ليخرج بكتابه المقدّس المميّز هو «كتاب لوثر المقدّس»، الذى طبعته ونشرته مطبعة ويتنبرغ. وقد أبرز كتابه المقدس، نوعًا من الشعور الوطنى فى ألمانيا جعل الناس يتهافتون على قراءته. وبعد سنتين من بدء الإصلاح، فإن 45 منشورًا من منشوراته أُعيد طباعتها 300 مرة. وبعد 3 سنوات أخرى، كتب 160 منشورًا جديدًا خاطب فيها الشعب المسيحى الألمانى بلغتهم الألمانية.
لقد أعيق أعداء لوثر الذين خططوا لإيذائه، بسبب قوّة الطباعة والنشر. فبعد وصول كتابات لوثر الى أيدى الناس، لم تعد تستطيع سلطات الكنيسة الكاثوليكية إيقاف مدّ وانتشار الإصلاح، حتى أصبحت تنظر إلى الطباعة والنشر آنذاك، على أنها صناعة خطيرة لأنها تحدت سلطتها وتحكمها بآراء الناس. فبعد أن كان هناك مراقبة مستمرة لمضمون الكتب المطبوعة، أصبحت تلك المهمة مستحيلة على الكنيسة. أكّدت إحدى الباحثات، فى كتابها «الطباعة وسيلة تغيير».. إن الطباعة والنشر، كانت وسيلة تغيير حضارية وسياسية، أكدّت أن العالم لن يكون كما كان هو عليه ثانية».
ونفس الأمر حدث فى الشرق الأوسط من خلال المرسلين الإنجيليين، الذين أسسوا عند وصولهم فى القرن التاسع عشر، مؤسسة الطباعة الإنجيلية، فى إسطنبول عام 1824، ومن ثم المطبعة الأمريكية فى بيروت عام 1834، والتى ساهمت من خلال الكتب والمنشورات الورقية، فى إيصال كلمة الله، والمنشورات الإنجيلية إلى بلدان الشرق الأوسط. ولم تقتصر الطباعة فقط على الكتب المقدسة والمنشورات الدينية، بل طبعت كتب ومناهج للمدارس والجامعات، مساهمة بذلك فى النهضة العربية. وهكذا، عرفت فترة 1850-1876 نمو وانتشار العمل الإنجيلى الروحى والتربوي. وقد اشترك مفكرون وطنيون أمثال بطرس البستانى وناصيف اليازجي، بكتابة مواضيع متعددة. فى كتابها الحديث الذى صدر باللغة الإنجليزية فى العام 2016 «طباعة الحداثة العربية: حضارة الكتاب والمطبعة الأمريكية فى بيروت فى القرن التاسع عشر»، تذكر الكاتبة هولا عوجي، أن مطبوعات المطبعة الأمريكية كانت وسائل مرئية قدّمت أفكارا جديدة فى منطقة تمرّ بتغييرات اجتماعية، أثّرت على فكر شعوب المنطقة من مسيحيين ومسلمين».