البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

عائلة "مسليمار".. إبادة بالنيران الأمريكية الصديقة

اثار انفجار- صورة
اثار انفجار- صورة أرشيفية

بعد سقوط آلاف المدنيين ضحايا لغارات جوية أمريكية، جاء الدور فيما يبدو على المسئولين الأفغان، لتجرع مرارة الكأس ذاته، إذ قتل 9 أفراد من أسرة رئيس مجلس الشيوخ فضل هادي مسلميار وأصيب 8 آخرون بجروح في عملية عسكرية في ولاية ننجرهار شرقي البلاد.

ونقلت "فرانس برس" عن عطاء الله خوجياني المتحدث باسم حاكم ننجرهار، قوله الثلاثاء الموافق 29 مايو: "إن 9 مدنيين لقوا مصرعهم في عملية عسكرية نفذتها قوات خاصة في منطقة شبرهار وسط الولاية على الحدود مع باكستان، وأصيب 8 آخرين من بينهم امرأة وطفل بجروح، وجميعهم من عائلة رئيس مجلس الشيوخ في البرلمان الأفغاني فضل هادي مسلميار".
وأضاف خوجياني أنه تم إرسال وفد من كابول للتحقيق في ملابسات الحادث، فيما أكد مسئول الصحة في ننجرهار نجيب الله كامانوالا، أن القتلى والجرحى نقلوا إلى مستشفى جلال آباد كبرى مدن الولاية.
وبدوره، قال حاكم ننجرهار حياة الله حياة إن إطلاق نار حصل من منزل تم مداهمته، ولكن تبين أن الضحايا مدنيون بمجرد انتهاء العملية، فيما تحدث شهود عيان عن مقتل 12 وجرح 28 من عائلة رئيس مجلس الشيوخ فضل هادي مسلميار.
ولم يتم الكشف عن مشاركة قوات أمريكية في عملية شبرهار من عدمه، إلا أن المتعارف عليه بأفغانستان، أن كافة عمليات مكافحة الإرهاب هناك تتم بضوء أخضر أمريكي.
وغالبا ما يقع مدنيون ضحايا عمليات القوات الأفغانية والقوات الأمريكية وقوات حلف الناتو خصوصا عند شن غارات جوية على أهداف لحركة طالبان أو تنظيم داعش، إلا أن هذه المرة الأولى، التي يسقط فيها ضحايا من عائلات المسئولين.
وما يزيد من مأساوية الحادثة أنها جاءت بعد حوالي شهر من خطأ مماثل، عندما سقط 36 قتيلا على الأقل بينهم 30 طفلا في غارة جوية على مدرسة قرآنية في ولاية قندوز شمال شرقي أفغانستان في 2 أبريل الماضي، حسب الأمم المتحدة التي قالت إن مروحيات تابعة للجيش الأفغاني أطلقت قذائف صاروخية ونيران أسلحة رشاشة على هذه المدرسة.

وأكدت وزارة الدفاع الأفغانية حينها أنها استهدفت اجتماعًا لمسئولين كبار في حركة طالبان، إلا أن الرئيس الأفغاني أشرف غني وبعد تحقيق للأمم المتحدة في مكان الحادث نشرت نتائجه في السابع من مايو، أقر بالوقائع، وقدم اعتذاره عن استهداف المدرسة، دون أن يعلن عن عقوبات بحق المسئولين، وهو ما أثار استياء شعبيا واسعا في البلاد.
وحسب حصيلة للأمم المتحدة، قتل نحو 800 مدني أفغاني وأصيب 1500 آخرون في غارات وعمليات عسكرية وأعمال عنف في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي.
ويبدو أن هناك المزيد من المجازر، لا تزال بانتظار المدنيين، الذين تحولوا، فيما يبدو، إلى ضحايا ووقود استمرار الصراع في أفغانستان في آن واحد.
ورغم إعلان الحكومة الأفغانية، والقوات الأمريكية مرارًا أخذ الحذر والحيطة، في الغارات، التي تستهدف حركة طالبان أو تنظيم داعش، لمنع وقوع ضحايا مدنيين، إلا أنه سرعان ما يتكشف أن هذه الضربات أخطأت هدفها، ولم يتضرر منها سوى الأبرياء.
وبالنظر إلى أنه مر 17 عامًا على تواجد القوات الأجنبية في أفغانستان، ولم يتحقق الاستقرار المنشود، فقد كثفت كابول وواشنطن، من عمليات القصف الجوي، رغم تصاعد عدد ضحاياها من المدنيين.
وفيما سارعت واشنطن للتبرؤ من غارة قندوز، التي استهدفت مدرسة لتحفيظ القرآن، إلا أن البعض داخل أفغانستان وخارجها، رجح تورطها، حتى، وإن كان بشكل غير مباشر، عن طريق المعلومات الاستخباراتية، التي زودت بها الحكومة الأفغانية، وسرعان ما اتضح عدم صحتها.
ولم يستبعد البعض أيضًا أن تكون واشنطن تعمدت تزويد حكومة كابول بمعلومات خاطئة، لإجهاض أي محاولة للحوار بينها، وبين طالبان، لإطالة أمد الصراع بينهما، بما يبرر بقائها هناك، وبالتالي، ضمان سيطرتها على منطقة آسيا الوسطى، الغنية بالنفط، والقريبة من حدود الصين وروسيا، أكبر أعدائها.
ولعل ما يزيد الشكوك في هذا الصدد أن غارة قندوز جاءت بعد دعوة الرئيس الأفغاني أشرف غني أواخر فبراير الماضي للحوار السلمي مع حركة طالبان، مقترحًا بدء مفاوضات بينهما، دون أي شروط مسبقة، واستعداده لاعتبار طالبان قوة سياسية شرعية، وفتح مكتب رسمي لها في كابول، وسرعان ما صرحت المفوضة العليا للاتحاد الأوروبي للشئون الخارجية، فيديريكا موجيريني، في 27 مارس الماضي، بأن الاتحاد الأوروبي جاهز لحذف أعضاء حركة طالبان، الذين سيدعمون هذه المبادرة، من قائمة العقوبات الأوروبية ضد الحركة، المتهمة بالإرهاب.
وبالنظر إلى أن طالبان، لم تتجاوب مع دعوة غني، وأبدت استعدادها للحوار مع واشنطن، باعتبار حكومة غني، دمية في يدها، حسب تعبيرها، فإن سيناريو قيام واشنطن بتزويد كابول بمعلومات خاطئة في غارة قندوز، يبدو غير مستبعدا، لكي تحتكر هي ملف التفاوض مع الحركة، وتواصل لعبة الكراسي الموسيقية بين الفرقاء في أفغانستان، بجانب تفويت الفرصة على أي وساطة أوروبية في الملف الأفغاني.
ولم يستبعد البعض أيضا أن تكون واشنطن ورطت حكومة كابول في غارة قندوز، لكي تدفع طالبان للانتقام من القوات الحكومية، وتبعد أنظار الحركة عن القوات الأمريكية المتواجدة في أفغانستان.
ويبدو أن التقارير الأممية تكشف أيضًا أبعاد المؤامرة الأمريكية طويلة الأمد في أفغانستان، ففي 15 أكتوبر 2017، كشف تقرير لبعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان "يوناما"، أن أعداد الضحايا من المدنيين في العمليات الجوية الأفغانية والأمريكية زادت بنسبة 52% في الشهور التسعة الأولى من 2017، مقارنة بالفترة نفسها في 2016.

ووفقًا للتقرير، لقي 205 أشخاص مصرعهم، وأصيب 261 آخرون في الفترة من يناير حتى نهاية سبتمبر 2017، وأكدت "يوناما" مخاوفها إزاء الزيادة المستمرة للضحايا من المدنيين في العمليات الجوية.
وفي 4 يونيو 2015، كشف تقرير لمعهد الدراسات الدولية في جامعة براون الأمريكية أن الحرب التي شنتها الولايات المتحدة في أفغانستان منذ العام 2001، أسفرت عن مقتل حوالي 150 ألف شخص على الأقل، أغلبهم من المدنيين، والجنود الحكوميين.
وأضاف التقرير أن الحرب في أفغانستان أخذة بالتصعيد، بدلا من الانتهاء، حيث زاد عدد القتلى والجرحى بشكل كبير في السنوات الأخيرة، مشيرا إلى أن إعلان الولايات المتحدة في 2015 أنها ستبطئ سحب قواتها المتبقية في أفغانستان، يؤكد أن الحرب هناك ليست في طريقها إلى الانتهاء، بل إنها تصبح أسوأ.
وإضافة إلى ما سبق، كشف تقرير سنوي للأمم المتحدة صدر في 15 فبراير 2018، أنه للسنة الرابعة على التوالي، تتخطى حصيلة الضحايا المدنيين في الصراع بأفغانستان، الـ10000 ضحية، إذ سقط 10453 ضحايا في 2017.
ونقلت "رويترز" عن المفوض الأممي السامي لحقوق الإنسان زيد رعد الحسين، قوله حينها:"يتم قتل الناس في أفغانستان أثناء أنشطتهم اليومية، لدى ركوبهم الحافلات وأدائهم الصلاة في المساجد أو ببساطة لأنهم مروا قرب المبنى المستهدف".
ونسب التقرير الأممي السنوي سقوط ما يقارب ثلثي الضحايا (65%) إلى التنظيمات المتشددة، إذ بلغت نسبة الضحايا في هجمات طالبان 42%، و10% في هجمات داعش و13% في عمليات القوات الحكومية، و2% في العمليات العسكرية الأمريكية.
وحسب التقرير أيضًا، فإنه مع زيادة عدد الغارات الجوية الأفغانية والأمريكية على مواقع طالبان وداعش، ارتفع عدد الضحايا عن طريق الخطأ بنسبة 7% مقارنة بعام 2016، مع 295 قتيلا و336 جريحًا، وهي حصيلة الضحايا السنوية الأكبر للعمليات الجوية منذ عام 2009، حيث بلغ عدد الغارات الجوية في 2017، معدل 25 طلعة أمريكية في الأسبوع، مقابل 40 طلعة أفغانية)، وأسفر القصف الأمريكي عن مقتل 154 مدنيا بالإضافة إلى مئات الجرحى، معظمهم من النساء والأطفال، في 49 طلعة جوية في العام ذاته.
ويبدو أن الإحصائيات المفزعة السابقة، تخدم تنظيم داعش، وتساعده على تجنيد المتضررين، والناقمين على حكومة الرئيس غني، وحتى التوسع أيضا على حساب طالبان، في ظل المنافسة المحتدمة بينهما، للفوز بأكبر مساحة من الأراضي في أفغانستان.