البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

شواطئ.. إسـرائيل والسـلام المستحيل (3)


يتابع المؤرخ الفرنسى البارز هنرى لورنس، أستاذ التاريخ المعاصر للعالم العربى بالكوليج دو فرنس، فى كتابه الموسوعى مسألة فلسطين بقوله: يرسل الجيش الإسرائيلى تعزيزات إلى الأراضي، بينما تمتد الحركة إلى القدس الشرقية. ويعبر العرب الإسرائيليون عن تضامنهم، وكذلك الرأى العام العربي. أما البلدان الغربية فهى تعلن شعورها بالحرج حيال «الاضطراب» الذى يهز الأراضى المحتلة. وتطلب الولايات المتحدة من الجيش الإسرائيلى «ضبط النفس» فى تصرفاته. 
وفى الأوساط الحاكمة الإسرائيلية، يتبرأون من المسئولية عن عدم توقع حدوث شىء، فهم لا يريدون الاعتراف بأنهم قد أسكرتهم دعايتهم هم، والتى صورت الاحتلال على أنه حدث سعيد ومفيد بالنسبة للرازحين تحته. والعسكريون يشرحون أنهم مكلفون بحفظ النظام، لا بالمسائل السياسية - وهذا زعم أكثر من مبالغ فيه، لأنهم يتحملون المسئولية عن الأراضى المحتلة منذ يونيو 1967. وتبدأ الأوساط الحاكمة فى الانزعاج من انحطاط صورة إسرائيل فى الخارج. 
ويلخص اسحق شامير الوضع بالفعل فى 21 ديسمبر 1987: إن الحفاظ على النظام، والأمن لسكان هذا البلد ضرورة أهم من الصور السلبية التى يقدمونها عنا فى وسائل الإعلام الدولية.
وعند النظر إلى ما يحدث فى غزة وفى الضفة الغربية منذ عشرة أيام، يتكون لدى المرء الانطباع بأنه يرى جاليفر راسفًا فى أغلال الأقزام الذين يهاجمونه، والذى سرعان ما يستثير أدنى مجهود منه لفك أغلاله استهجانًا إجماعيًا فى العالم بأسره. 
وفى اليوم نفسه يلجأ رابين، لدى عودته من الولايات المتحدة، إلى اتهام منظمة التحرير الفلسطينية بأنها وراء الحركة. وهو يَعِدٌ بتشديد القمع مشيرًا إلى «اليد الحديدية»، والتى تذكر بالفترة الأكثر سوادًا فى الحرب الإسرائيلية فى لبنان: 
سوف يستخدم تساحال كل قوته لضمان أن يدفع من يخلون بالنظام ثمن أفعالهم. إننا لن نسمح لمنظمة التحرير الفلسطينية بإعادة أهدافها إلى بؤرة الساحة الدولية وسوف يكون علينا إفهام العرب أنهم لن ينالوا شيئًا باستخدام التهديد والإرهاب والفوضى. وعلى الرغم من كل الأسف والألم على الخسائر فى الأرواح البشرية، فإن من يشاركون فى التظاهرات العنيفة لابد لهم من أن يعلموا أنهم مقدمون على مجازفات جسيمة. ومن الوارد أن لا تروق هذه الكلمات لأسماع العالم، لكننى أٌفضل اتخاذ التدابير الضرورية لاستعادة النظام حتى وإن كان لا مفر من أن يتسبب هذا فى شيء من الأسف لدى الرأى العام الإسرائيلي. وفيما يتعلق بعرب إسرائيل، فسوف يتم اللجوء إلى استخدام اليد الحديدية أيضًا فى داخل الخط الأخضر ضد الظواهر العنيفة المخلة بالنظام. 
وبعد أن حصلت الولايات المتحدة على تخفيف لمضمون مشروع قرار قدمته بلدان حركة عدم الانحياز، فإنها تمتنع عن الإدلاء بصوتها عند التصويت على القرار رقم 605 الصادر فى 22 ديسمبر 1987. ويشير هذا القرار إلى أن ميثاق الأمم المتحدة وإلى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، ويذكر بوجوب تطبيق اتفاقية جنيف لحماية المدنيين فى زمن الحرب. ويعرب مجلس الأمن عن قلقه العميق وانزعاجه حيال تدهور الوضع فى الأراضى الفلسطينية والأراضى العربية الأخرى المحتلة من جانب إسرائيل منذ عام 1967، بما فيها القدس. وإذ يأخذ فى الحسبان ضرورة اتخاذ تدابير لأجل تأمين حماية السكان المدنيين الفلسطينيين الخاضعين للاحتلال الإسرائيلى تأمينًا غير متحيز. 
وإذ يأخذ بعين الاعتبار أن السياسات والممارسات الحالية لإسرائيل، الدولة المحتلة، فى الأراضى المحتلة، لن تتخلف عن إلحاق ضرر جسيم بالجهود المبذولة لتحقيق سلام شامل وعادل ودائم فى الشرق الأوسط. 
يأسف بقوة لهذه السياسات والممارسات من جانب إسرائيل، الدولة المحتلة، والتى تشكل انتهاكًا للحقوق الإنسانية للشعب الفلسطينى فى الأراضى المحتلة، وخاصة قيام الجيش الإسرائيلى بفتح النار وقتل أو إصابة مدنيين فلسطينيين لا يملكون ما يدافعون به عن أنفسهم. يؤكد من جديد أن اتفاقية جنيف المتعلقة بحماية المدنيين فى زمن الحرب، والموقعة فى 12 أغسطس 1949، تسرى على الأراضى الفلسطينية والأراضى العربية الأخرى المحتلة من جانب إسرائيل منذ عام 1967، بما فيها القدس. ويطلب مرة أخرى أن تمتثل إسرائيل، الدولة المحتلة، فورًا وعلى نحو صارم، لاتفاقية جنيف المتعلقة بحماية المدنيين فى زمن الحرب، وأن تنهى فورًا سياساتها وممارساتها المتعارضة مع بنود الاتفاقية. 
والشاغل الأول عند رابين هو الحيلولة دون أن يتيح الأول من يناير، ذكرى بداية عمليات فتح فى عام 1965، فرصة لتظاهرة حاشدة. فيجرى إرسال تعزيزات كبيرة إلى الأراضى المحتلة ويتم توقيف ألف شخص. أما المحركون فيتم إنزال عقوبات جسيمة بهم ويجرى تهديد من هم أكثر نشاطًا بينهم بالترحيل. وبفضل ضخامة الإمكانات المستخدمة، لا يتسنى حدوث أى تظاهرة.