البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

نظريات "فيلسوف الإرهاب" صنعت مأساة سوريا

سوريا
سوريا

تكشف قصة صعود أبومصعب السوري، الأب الروحى لـ«داعش» العلاقة الوثيقة لجماعة الإخوان الإرهابية، فى تدريب الإرهابيين وإمداد التنظيمات الإرهابية بالكوادر، واستخدام بعض الدول الجماعة الإرهابية فى تنفيذ جزء من سياستها.
يعترف أبومصعب السوري، فى كتابة «دعوة المقاومة الإسلامية العالمية»، الذى صدر عام ٢٠٠٣، وأعيد إصداره عام ٢٠١٣، بعلاقته بالجماعة الإرهابية، فيقول: إنه فور تخرجه انضم إلى جماعة الإخوان السورية بزعامة «مروان حديد»، وكان فى هذه الفترة متأثرا بكتابات القطب الإخوانى سيد قطب.
وأبومصعب من مواليد حلب، سوريا ١٩٥٨، اسمه الحقيقى «مصطفى عبدالقادر حسين». درس الهندسة الميكانيكية بجامعة حلب خلال (١٩٧٦- ١٩٨٠).
ويواصل اعترافاته قائلا: «إن بداية عمله الحركى كان داخل دورة عسكرية لإعداد كوادر الجهاز العسكرى لتنظيم الإخوان وتجهيزهم للثورة على نظام الأسد الأب، وكان ذلك فى معسكر الرشيد التابع للجيش العراقى ببغداد سنة ١٩٨٠، حيث كان النظام العراقى وقتها ومعه النظام المصرى على خلاف سياسى كبير مع النظام السوري، فدعموا الجماعات الحركية للثورة على نظام حافظ الأسد».
ويضيف «أنه تأثر بهذه التجربة جدًا، وبكلمات مدربه القيادى الإخوانى المصري، الذى لم يذكر اسمه، وقال عنه إنه واحد من الرعيل الأول لجماعة الإخوان المصرية، وأنه التقى حسن البنا مؤسس الجماعة وبايعه وكان جزءا من التنظيم الخاص داخل الجماعة وصديق سيد قطب، وأن هذا المدرب كانت له عبارة شهيرة أثرت كثيرا فيه، لدرجة جعلته يضمها فى كتابه ويجعلها عنوانا لأحد فصوله، حيث قال له المدرب: «الإرهاب فريضة والاغتيال سنة».
وبعد التدريب العسكرى من قبل المدرب الإخوانى، أصبح جاهزا للانضمام إلى «الجهاديين» فى أفغانستان، بعد أن تلقى دعوة من الإخوانى الشيخ عبدالله عزام نهاية الثمانينيات، وساهم فى تأسيس تنظيم القاعدة وربطته علاقة صداقة قوية مع أسامة بن لادن.
ترك أفغانستان عام ١٩٩١ وعاش فى بريطانيا، ثم عاد مرة أخرى لأفغانستان فى عام ١٩٩٧، وأسس فى أفغانستان معسكر الغرباء فى قاعدة «قرعة» العسكرية الشهيرة فى كابول بتعاون مع وزارة دفاع طالبان، بعد أن بايع أميرها ملا محمد عمر فى قندهار عام ٢٠٠٠. وظل هناك حتى سقطت إمارة طالبان عام ٢٠٠١.
واعتقلته القوات الأمريكية عام ٢٠٠٥، فى باكستان، ثم جرى ترحيله إلى سوريا ضمن برنامج الترحيل السرى لوكالة المخابرات الأمريكية، وبقى فى السجن ٧ أعوام. وفى مطلع عام ٢٠١٢ أفرج عنه فى ظروف غامضة!، ويقال إن السلطات السورية أطلقت سراحه بعد تأييد الخارجية الأمريكية للثورة السورية فى بداياتها.
وبعد هروبه من سوريا انقطعت أخباره تماما وانتشرت أخبار فى نهاية عام ٢٠١٣ تفيد انضمامه لتنظيم الدولة «داعش»، تحت قيادة أبوبكر البغدادى كما انتشرت أيضا أخبار أنه يشغل منصب القائد الميدانى لداعش خلفا لأبوعمر الشيشاني.
رحلة الدم والإرهاب فى حياة «أبومصعب» جعلت منه فيلسوف الجهاد أو داهية القاعدة، كما يسمونه، فهو خبير عسكرى جهادى متخصص فى هندسة التفجيرات، وفى حرب العصابات، وله مساهمات سياسية وفكرية وإعلامية داخل التيارات الدموية، طرح خلالها رؤية متعددة المراحل لإقامة ما يسمه «دولة إسلامية»، وطبق تنظيم داعش مسارات تتسق مع رؤية أبومصعب السوري، حول المقاومة، ومنها «الذئاب المنفردة»، وإن اختلفت المسميات، فلا فرق إذا كان تكنيك الذئاب المنفردة يسمى بهذا الاسم، أو يلقب بالجهاد الفردي، وفق تعبير أبومصعب. 
المنهج والدستور
كتاب «دعوة المقاومة الإسلامية العالمية» هو كتاب من جزءين، عدد صفحاته ١٦٠٠ صفحة تقريبا، ظهر بشكله النهائى فى عام ٢٠٠٤، يتناول فى الجزء الأول، تحليلا شرعيا وفقهيا، وؤية نقدية للتجارب «الجهادية» تاريخيا حتى ظهور تنظيم القاعدة، والدروس المستفادة من هذه التجارب.
أما الجزء الثانى فيطرح أبومصعب السورى رؤية لتطوير «التجربة الجهادية» وتغيير آلياتها وأهدافها وأساليبها من أجل الوصول للهدف، وهو خلافة إسلامية، وحرب أخيرة مع «الكفر» تنتهى بإعلان الخلافة.
فمعظم أفكار من نوع قضايا (الرأى والحرب والمكيدة). ولاسيما ما يختص منها بقطاع العمل التطبيقى لـ «لجهاد» فى عالم ما بعد سبتمبر. فطرح فكرة اللامركزية، التى تمخضت فيما بعد فولدت لنا تكتيك الذئاب المنفردة، وتدعم رؤيته تحول التنظيم إلى فكرة عابرة للحدود يعتنقها ويمارس مقتضياتها من أعلن ولاءه، ولخص تلك الفكرة بقوله: «إن كل مسلم يجب أن يمثل جيشا من رجل واحد».
ويشرح مقصده بشكل أكثر تفصيلا فيقول: الهدف هو دعوة الشباب وعموم المسلمين لممارسة المقاومة الفردية، بحيث لا تعتمد المقاومة على هياكل ومنظومات شبكية وهرمية يؤدى اعتقال بعض أفرادها لدمارها واعتقال جميع أفرادها. متأثرا بفكرة الخلايا العنقودية التى ابتدعتها جماعة الإخوان الإرهابية للهروب من ملاحقة السلطات فى مصر. وكان هذا لب الفكرة الحركى العسكري، مع تحديد الأهداف المعادية التى يجب استهدافها بالضرب، ويحدد الأهداف المعادية له، فهى باختصار: كامل أشكال التواجد البشرى للعدو فى بلادنا أولا، وفى بلاد العالم ثانيا، وفى عقر دارهم ثالثا. ولاسيما أشكال تواجد العدو السياسى والعسكرى والتبشيرى والاقتصادى والثقافى والسياحي... إلخ. فى بلادنا، وخاصة تواجد اليهود، ثم أمريكا، ثم بريطانيا، ثم روسيا، ثم كامل دول حلف الناتو. ثم أى دولة تقف معهم فى الاعتداء على الإسلام والمسلمين».
دعا «أبومصعب» إلى ضرورة توقف العمل الجهادى من خلال التنظيمات (القطرية – السرية – الهرمية)، والتى كانت تهدف إلى إسقاط الحكومات والأنظمة القائمة فى الدول الموجودة بها وإقامة النظام الإسلامى عبر الجهاد المسلح، بعد تداعيات الهجمة الدولية لمكافحة الإرهاب التى تلت أحداث سبتمبر ٢٠٠١، والتى دمرت تداعياتها ما تبقى من تلك التنظيمات جماعيا وصفت أكثر أفرادها قتلا وأسرا. ويعترف بنجاح برامج مكافحة الإرهاب فى تفكك تلك التنظيمات أمنيا، وتهزمها عسكريا، وتعزلها عن جماهيرها وتشوه سمعتها، وتجفف منابعها المالية، وتشرد عناصرها وتدخلهم فى دوامة الخوف والجوع ونقص فى الأموال وشيئا فشيئا تلاشت تلك التنظيمات.
ويرى أن الخلايا الصغيرة المفككة عن بعضها كليًا والعمليات الفردية التى قام بها أفراد أو مجموعات صغيرة بشكل غير منظم فى معظم الأحوال حققت نجاحا عسكريا، أدخلت أجهزة الاستخبارات المحلية والعالمية فى حالة إرباك. ويؤكد أن جهاد الإرهاب الفردى أو الخلوى على طريقة حروب العصابات المدنية أو الريفية هو الأساس فى إنهاك العدو وإيصاله إلى حالة الانهيار والانسحاب، أما جهاد الجبهات المفتوحة فهو الأساس فى السيطرة على الأرض لتحريرها وإقامة شرع الله عليها. 
ويذكر «أبومصعب» أن مدرسة الجهاد الفردى قديمة جدا وأنها بدأت فى الانتشار إلى حد ما مع اشتداد هجوم الحملات الأمريكية على بلاد المسلمين، وتطور المشروع الصهيونى فى فلسطين، وأن العمل من خلال هذه المدرسة أصبح متسقا مع التطور الذى يشهده العالم، ومع عولمة المعركة ضد التيار الجهادي.
ويقول ما نصه إن أى مسلم يريد الجهاد والمقاومة، يستطيع أن يشارك ضد أمريكا فى بلاده أو أى مكان، والأصل فى العمل هو ممارسة المقاومة بالجهاد الفردى فى أرضه حيث يعيش ويقيم، ومن دون أن يكلفه الجهاد مشقة السفر والهجرة والتحرك إلى حيث يمكنه الجهاد المباشر. فالعدو اليوم واحد وهو منتشر فى كل مكان.
نظرية الإرهاب الفردى
يضع أبومصعب أسسًا عامة لنظرية العمل عن طريق الإرهاب الجهادى الفردى فى دعوة المقاومة من الناحية العملية وتكشف هذه الأسس كيف أن تنظيم داعش يطبق نظرياته العسكرية بحذافيرها، ويؤكد فى البداية أنه يقصد إطلاق لفظ «الإرهاب» على هذه الطريقة من الجهاد، رغم أن العدو يستخدمها لتشويه التيار الجهادى ويفسر ذلك بأن هناك نوعين من الإرهاب من وجهة نظره، وهما الإرهاب المذموم وعرفه بأنه إرهاب الباطل وقوى الباطل، والإرهاب المحمود – الذى يقصده - هو إرهاب المحق المظلوم الذى يدفع الظلم عنه ويحدد أبومصعب ساحات العمل الأساسية المستهدفة بجهاد الإرهاب الفردي: 
١- بلدان الجزيرة العربية والشام ومصر والعراق.
٢ - بلدان شمال أفريقيا من ليبيا إلى موريتانيا.
٣- تركيا وباكستان وبلدان وسط آسيا.
٤ - باقى بلدان العالم الإسلامي.
٥ - المصالح الأمريكية والحليفة فى بلدان العالم الثالث. 
٦ - فى قلب دول أوروبا الحليفة لأمريكا الداخلة معها فى الحرب.
٧- فى قلب أمريكا ذاتها.
تدريب فى البيوت
ويتحدث أبومصعب فيما بعد عن نظريته فى تدريب العناصر المقاومة، سواء كانوا فاعلين فى مدرسة جهاد المواجهات المفتوحة أو فى إرهاب الجهاد الفردى وخلايا العمل الصغيرة، ويرشح بقوة طريقة التدريب السرى فى البيوت للإرهابيين المنفردين، مؤكدا أن التنظيمات الجهادية السرية استعملت هذه الطريقة فى كافة التجارب الجهادية. وأنها الأساس فى إعداد كافة التنظيمات والعصابات السرية فى العالم. ورغم أنها لا تسمح إلا بالتدريب على الأسلحة الشخصية والخفيفة وبعض دروس استخدام المتفجرات وأسلحة المرحلة الأولى من حروب العصابات. إلا أنها أثبتت فعاليتها جدا على حد تعبيره. حيث إن الأساس فى عمل العصابات هو الدفاع المعنوى وإرادة القتال وليس زيادة المعرفة بأسلحة لن يستخدمها العنصر المنفرد عمليا.