البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

تفجر الأوضاع في عدن يخلط الأوراق باليمن

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

جاء تفجر الوضع الأمني بشكل عنيف في مدينة عدن بجنوب اليمن، ليخلط الأوراق في الساحة اليمنية، ويزيد الأوضاع السياسية والأمنية الصعبة في البلاد تعقيدا، ويطرح تساؤلات عن مستقبل الأزمة اليمنية وفرص حلها فالأزمة التي تفجرت بين طرفين،كانا حتى الأمس القريب حليفين في المواجهة مع المتمردين الحوثيين، حكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في مأزق كبير يزيد من صعوبة مهمتها في إنهاء التمرد الحوثي وإعادة الاستقرار إلى البلاد.

كما أن المشهد الراهن في عدن يعقد مهمة قوات التحالف العربي بقيادة المملكة السعودية،لدعم الحكومة الشرعية اليمنية في مواجهة الانقلاب الحوثي.
والطرفان اللذان يتقاتلان في عدن هذه المرة هما حلفاء لقوات التحالف العربي، سواء قوات الحكومة الشرعية وما يعرف ب "قوات الحزام الامني" التابعة لمجلس الانتقالي الجنوبي الذي يضم عددا من المحافظين والقوي السياسية التي دأبت علي المطالبة بانفصال الجنوب.

وتشهد عدن، التي أصبحت العاصمة المؤقتة لليمن بعد انتقال الحكومة اليمنية اليها في اعقاب سقوط العاصمة صنعاء في يد الحوثيين عام 2015، اشتباكات عنيفة منذ يوم الأحد الماضي بين القوات التابعة للحكومة الشرعية وقوات " الحزام الأمني " وهي قوات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، استخدمت فيها الدبابات والاسلحة الثقيلة وسقط خلالها عشرات القتلى والمصابين من الجانبين.

وقد اندلعت الاشتباكات بين الطرفين عقب انتهاء مهلة حددها المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو مجلس يضم عددا من القيادات السياسية والعسكرية في جنوب اليمن، للرئيس عبد ربه منصور هادي، لإقالة الحكومة اليمنية برئاسة أحمد بن دغر والتي يتهمها المجلس بالفساد وسوء الإدارة، والمسؤولية عن تردي الأوضاع المعيشية في مناطق الجنوب.وقد سبق هذه المهلة الدعوة لمظاهرات حاشدة في عدن ضد الحكومة في حال لم تحدث هذه التغييرات في الحكومة.

و تضاربت روايات الجانبين حول أسباب اندلاع هذه الاشتباكات بين والمسؤول عنها، فبينما قالت الحكومة اليمنية إن الاشتباكات بدأت حين حاولت قوات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي الاستيلاء على معسكر تابع لقوات الحماية الرئاسية في عدن ما اضطرها للتصدي للمهاجمين.

في المقابل أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي أن الاشتباكات جرت على أثر قيام قوات تابعة للحرس الرئاسي بمنع متظاهرين جنوبيين مؤيدين للمجلس من الوصول إلى وسط عدن وأطلقت النار عليهم، مما اضطر القوات المؤيدة للمجلس للتدخل للتحرك داخل عدن وقامت بمحاصرة القصر الرئاسي في عدن، حيث يقيم رئيس وأعضاء الحكومة، وغيره من المقار الحكومية في المدينة. وقد أدت الاشتباكات العنيفة بين الجانبين إلى إغلاق مطار عدن أمام الملاحة الجوية، كما توقف العمل في ميناء عدن البحري وغيره من المؤسسات الحكومية.

وقد وصفت الحكومة اليمنية ما جرى من قبل قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، بأنه "انقلاب "على الشرعية اليمنية، واعتبرت أن قوات " الحزام الأمني " التابعة له أصبحت " عناصر خارجة على القانون والنظام "، محذرة من أن الأمور تتجه إلى مواجهة مسلحة شاملة، في مقابل ذلك حمل المجلس الانتقالي رئيس الحكومة المسؤولية عن تفاقم الأزمة في عدن خصوصا بعد قراره منع المتظاهرين بالقوة من الوصول إلى وسط المدينة.

ويضم المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي تأسس في شهر مايو الماضي برئاسة عيدراوس الزبيدي محافظ عدن السابق، عددا من الزعماء السياسيين والقيادات العسكرية الجنوبية. ولا تعترف الحكومة اليمنية بهذا المجلس الذي تتهمه بالسعي للانفصال لاستعادة دولة اليمن الجنوبي التي كانت مستقلة قبل توحيد شطري اليمن الشمالي والجنوبي عام 1990. لكن القوات الجنوبية الموالية لهذا المجلس لعبت دورا مهما في التصدي لهجوم الحوثيين على مدن الجنوب،كما ساهمت في بسط الاستقرار والأمن في مدينة عدن منذ عام 2015.

وقد دخل التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن بقيادة السعودية، على خط الأزمة الحالية في عدن، داعيا طرفي الأزمة إلى الهدوء وضبط النفس واللجوء للحوار لحل المشاكل العالقة بين الجانبين.وبينما حث المتحدث باسم التحالف العقيد الركن تركي المالكي، القادة الجنوبيين إلى الحوار مع الحكومة الشرعية وتغليب الحكمة، فإنه أقر في الوقت نفسه بوجود بعض الأسباب للاحتقان الشعبي في عدن، أو ما وصفه بالخلل، والمطالب الشعبية للمكون الاجتماعي والسياسي الجنوبي (في إشارة إلى الجنوبيين).

وعكس موقف التحالف العربي من الأزمة في عدن، إدراكا واضحا لصعوبة وتعقيد الوضع الراهن في المدينة، سواء لأن طرفي الأزمة هما من حلفاء التحالف العربي، أو بالنظر إلى التداعيات الخطيرة لهذا الوضع الامني على مهمة الحكومة اليمنية في قتال الحوثيين وانهاء سيطرتهم على صنعاء وغيرها من المدن،التي لاتزال تحت يدهم. فاستمرار الأزمة الراهنة في عدن يصب، كما ترى الحكومة اليمنية ومعها التحالف العربي،في مصلحة المتمردين الحوثيين وحلفائهم، لاسيما أن اشتباكات عدن جاءت في توقيت بالغ الصعوبة بالنسبة للقوات الحكومية التي تخوض مواجهات صعبة على أكثر من جبهة عسكرية ضد الحوثيين. فهي تسعى للتقدم نحو مدينة وميناء الحديدة الخاضعة لسيطرة الحوثيين على ساحل البحر الأحمر، وتعمل في الوقت نفسه على فك الحصار الذي يفرضه الحوثيون على محافظة تعز جنوب غربي البلاد، والتي يخشى كثيرون من أن يؤدي استمرار الازمة في عدن لتشجيع القوات الحوثية للتقدم نحو تعز ذات الموقع الاستراتيجي،والتي في حال سقوطها في يد هذه القوات، فإن الباب سيكون مفتوحا أمامها للوصول إلى ميناء عدن وباب المندب.

كما أن تنظيم القاعدة الذي ينشط بشكل كبير في جنوب اليمن، قد يستغل تفجر الأوضاع في عدن والفوضى الأمنية التي قد تخلفها الاشتباكات في المدينة لتعزيز وجود في الجنوب اليمني ولا سيما محافظة حضرموت، حيث تسيطر عناصر التنظيم على مساحات واسعة من المدنية الواقعة جنوب شرقي اليمن.

ويحذر المراقبون من أن التداعيات الخطيرة لتفاقم الأوضاع الأمنية واستمرار الاشتباكات في عدن، قد لا تقتصر فقط على المشهد السياسي والأمني وإنما ستؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية الكارثية التي يعيشها اليمن حاليا حيث يواجه ملايين اليمنيين مخاطر المجاعة وتفشي الأمراض الخطيرة بصورة غير مسبوقة.

وبينما تعيد الاشتباكات في عدن تسليط الضوء على الوضع في الجنوب اليمني ككل، للوقوف على أسباب تنامي الغضب الشعبي،واتساع النزعة لرفض البقاء ضمن اليمن الموحد لدى كثيرين من أبناء الجنوب، فإن المراقبين يحذرون من أن تتحول هذه الاشتباكات، في حال لم يتم احتواؤها بسرعة، إلى ساحة حرب أهلية جديدة لا يبدو أن اليمن بحاجة اليها بعد أن أثخنته جراح الحرب الدائرة حاليا منذ ثلاث سنوات،والتي يدفع اليمنيون ثمنا فادحا لاستمرارها بلا أفق للحل حتى الآن.