البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

القدس.. بيت المقدس «١»


لا شك أن قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الخاص بنقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس واعتبارها عاصمة لدولة إسرائيل قد جعل هذه المدينة محور اهتمام العالم بأسره، وعادت قضية القدس لتفرض نفسها على كافة الأحداث السياسية العالمية، ذلك أن مليارا ونصف المليار من البشر لا يختلفون على قدسية المدينة وما تمثله لهم كجزء من ثوابت دينية، بالإضافة إلى اهتمام المسيحيين أيضا بتلك المدينة التى تحتل مكانة خاصة فى نفوسهم، والقدس.. زهرة المدائن.. مدينة الرسالات، يعود وجودها إلى أكثر من ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد، وقد أجمع علماء الآثار والتاريخ أن إحدى القبائل الكنعانية التى نزحت من الجزيرة العربية هى من قامت بتشييدها، ومنذ نشأة المدينة الأولى وثمة صراعات حولها، بدأت بين القبائل والأجناس ووصلت إلى الحضارات والديانات، وبعيدًا عن الصراعات فقد تبدلت الأسماء على هذه المدينة والتى حملت اسم «أورشليم» أى مدينة السلام، وهذا هو الاسم الكنعانى الأول لها وقابله اسم «أورسالم» الأرمى، والذى وجد فى رسائل تل العمارنة قبل ألف وأربعمائة سنة من ميلاد المسيح، وفى بعض النصوص المصرية القديمة أطلق على المدينة اسم «يبوس» نسبة إلى اليبوسيين الذين هم أحد البطون الرئيسية للكنعانيين، وهم الذين سكنوا المدينة وأقاموا بها قرونا طويلة، أما أهل اليونان فقد أسموها «هيروسوليما» فلما جاءها الرومان أسموها «إيليا» وظلت كذلك حتى الفتح الإسلامى، وفى العهد العمرى – نسبة إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه – حيث صالح أهلها وأعطاهم الأمان فيما عرف بالعهد العمرى ذكر اسم المدينة «إيليا» والمعنى الحرفى للاسم هو «بيت الله» ولكن هذا الاسم سرعان ما تغير بعد الفتح العربى ليصبح القدس، نسبة الى بيت المقدس، والذى أصر عمر أن يذهب إليه وقت الفتح علما بأنه لم يفعل ذلك مع سائر المدن التى تم فتحها بما فى ذلك المدائن عاصمة فارس، وهذا يظهر مكانة وأهمية القدس عند المسلمين، وتتجلى تلك الأهمية فى كتاب وضعه ابن الجوزى أسماه «فضائل القدس» وهناك أسماء لأعلام من الشيوخ والعلماء لقبوا بالمقدسى نسبة إلى القدس، ولعل البعض لا يعلم أن الإمام الغزالى قد اختار القدس ليسجل وهو بداخل المسجد الأقصى أجزاء كثيرة من كتابه «إحياء علوم الدين» ولعل البعض أيضًا لا يعلم أن الإمام النسائى صاحب السنن قد سكن القدس سنوات طويلة، بل إنه قتل بها، هذا فضلًا عن الصحابة والتابعين الذين اختاروا تلك المدينة المقدسة وطنًا لهم، ونحن لا نستطيع بأى حال من الأحوال أن نغفل ما تمثله القدس لليهود أيضا وإلا كنا مجحفين، وإذن فلا خلاف فى حق الأديان السماوية الثلاثة فى القدس كمدينة روحية ترتبط بمقدسات لهم ولكن الخلاف يكمن فى التبعية والإدارة، وأما التاريخ فيؤكد أن اليبوسيين هم من أسسوا المدينة وعاشوا بها قبل أن يأتى إليهم «العبرانيون» مع قدوم إبراهيم خليل الله إلى هذا المكان، والحقيقة الثابتة أن إبراهيم عليه السلام قرر الرحيل من مدينة أور كلدان «جنوب العراق» نسبة إلى الكلدانيين الذين عبروا نهر الأردن وهم فى طريقهم إلى كنعان فسموا بالعبرانيين وهو الاسم المترادف مع لفظ اليهود وإسرائيل، أما اليهود فهو نسبة إلى يهودا أحد أبناء يعقوب عليه السلام وأما إسرائيل فهو الاسم العبرى لنبى الله يعقوب والذى يعنى عبدالله أو حبيب الله ونستخلص من هذا أن العبرانيين قد جاءوا المدينة بعدما استقر بها مجموعة من الكنعانيين وأسسوها وعاشوا بها، وكان على العبرانيين لكى يتمكنوا من الاستقرار بأرض كنعان أن يحاربوا أهلها لكنهم لم يفعلوا ذلك واختاروا العيش على التلال والأرض القحلة المتطرفة، بينما ظلت السهول الغنية ومعظم المدينة فى أيدى الكنعانيين الأصليين، وقد عاش العبرانيون فى فقر وجدب وكبد وعملوا كرعاة للغنم ورُحّل، يعيشون فى خيام وبيوت متنقلة بين التلال حتى منتصف القرن السابع عشر قبل الميلاد أى بعد مائة وخمسين عامًا من هجرة إبراهيم عليه السلام إلى كنعان، حيث هاجر يعقوب وأولاده إلى مصر بسبب القحط والفقر والعوز، وقد ذهب المؤرخون إلى أن هجرة أبناء يعقوب كانت بداية التواجد اليهودى فى مصر لتبدأ قصتهم الطويلة مع التاريخ لاسيما بعدما ولد نبى الله موسى عليه السلام فى مصر وحدث ما حدث له مع فرعون وقراره الهجرة أو العودة إلى كنعان مرة أخرى وذلك بعدما عاشوا فى مصر نحو أربعمائة وستة وعشرين عامًا وخلال كل هذه المدة كانت أرض كنعان مطمعًا لبعض القبائل من الرعاة والذين كانوا يمثلون خطرًا على مصر بين الحين والآخر، ولكن الجيش المصرى استطاع الزود عن حدود الدولة وطرد هؤلاء مرة بعد أخرى، بل تمكن فى فترة من الفترات من احتلال أرض كنعان وجعلها تابعة لمصر سنوات طويلة، ولكن هذا الوضع لم يكن موجودًا حين خرج نبى الله موسى مع بنى إسرائيل من مصر، قاصدًا أرض كنعان، والتى كان الفلسطينيون قد استوطنوها بعد قدومهم من بلاد اليونان فى القرن الثانى عشر قبل الميلاد وامتزجوا فيها مع الكنعانيين بشكل غريب وسريع، والثابت أن نبى الله موسى لم يتمكن من الوصول الى أرض كنعان حيث توفاه الله على أرض سيناء بينما تمكن تلميذه يوشع بن نون دخول المدينة، ورغم ذلك ظلت «يبوس»- وكان اسمها هكذا فى هذا الوقت – تنتمى إلى سكانها الأصليين حتى عصر داود عليه السلام، وقد عاش اليهود كأقلية وسط أغلبية من اليبوسيين الذين هم فى الحقيقة من أصول عربية حتى استطاع داود أن يؤسس مملكته وأن يخضع المدينة إلى سيطرته تمامًا وامتد الأمر إلى عهد ابنه سليمان عليه السلام.. وللحديث بقية..